قصص قصيرة” لستَ أنت”
أبناء أبرار
أويت الى غرفتك النائية ، بعد أن غيرت ترتيب أثاثها ، ورغم صحتك المتدهورة ، حملت القطع الثقيلة ، ناقلة إياها من مكان الى آخر ، عل أحدا منهم يتذكرك في هذا اليوم ، الذي بدا منذ الصباح جميلا ، ساطع البهجة ، مزدانا بالروعة ، جمال الورود التي طلبت من جارتك ان تأتيك بها ، تعلمين أنهم يحبون رائحتها الزكية ، التي تنبعث من مكان يبتهج بمرأى الورود البهية ، وبعطرها المهيمن على أجواء الاحتفالات الأليفة.
نقلت قطع الأثاث من مكانها المعتاد ، الى مكان بدا لك أنها ستكون أجمل فيه ، لم تستطيعي ان تبتاعي قطعة جديدة ، كانوا يعتمدون عليك ، في توفير طلباتهم التي لاتنتهي أبدا ، رغم أنهم يعملون ، وأنت بقلبك المفعم حنانا ، تسارعين الى تلبية ما يشيرون إليه ، من أنواع لاتخطر على البال ، يتفننون في العثور على لائحة ، مما يبعث الفرح الى نفوسهم ، وأنت تضنين على نفسك فيما هو ضروري لها ، وحتى الدواء .
- راقبي صحتك سيدتي ، وخذي الدواء في أوقاته.
كل يوم لهم طلبات جديدة ، لم تقدري حيالها على الوفاء بما ينصحك به الطبيب ،
- صحتي ممتازة ، والله وهبني قدرة على الاحتمال ، وهم أحبتي
تغير شكل الغرفة ، بدا جميلا جديدا ، رغم أثاثها القديم ، الذي استطعت ان تقتنيه حين كانوا صغارا ، واحتفظت به ، ولكن اضطرتك الحاجة ، إلى بيع ما تبقى من أثاث المنزل ، حين توفى زوجك ، لم تعودي بحاجة الى الكثير ، هم أولى به ، سوف تعرضينه على البيع ، لتوفري بثمنه بعض ما يشتهون.
يوم جميل ، جهزت له نفسك ، هيأت أطعمة تعرفين ان أحبابك يرغبون بها ، ذهبت الى أسواق بعيدة ، لتوفيرها في هذا اليوم
المنزل الذي أويت اليه بعد تفرق الأبناء ، كل الى جهة بعيدة ، لمست فيه حنان السكان وتآلفهم ، لايضنون عليك باللمسة الرقيقة ، والكلمة المشجعة ، التي تمنحك طاقة لاحتمال آلام الحياة وأهوالها.
الوقت يمر ببطء ، وأنت تنظرين من النافذة ، حتما سيمرون عليك
ليقولوا تلك الكلمة العذبة ، التي طالما أسعدتك.
- عيدك سعيد يا أمي
وكان المنزل مليئا بالمحبة ، وزوجك باسط ذراعيه الحانيتين ، يتغلبان على أية هفوة من الأبناء غير مقصودة ، قد تسبب لك الألم
وأنت تسامحين ، وتغفرين الزلات العفوية ، وتتناسين حقوقك ، مؤدية واجبات الأم والصديقة ، والأخت الكبرى للأبناء ، انه يومك وسوف يهرعون لإسماعك الكلمة ، التي عشت طوال عمرك تستعدين لها
تعبت وجاهدت ، وبذلت سنين عمرك من اجل إسعادهم ، وتحملت الضرر وضحيت بما هو من حقك ، كي ترينهم رجالا يسعدون من حولهم ، وها أنت هذا اليوم تستعدين لسماع كلمتهم الحبيبة.
- عيدك سعيد يا امي
تمر الساعات ثقيلة ، وأنت لهفى ، تنتظرين ان تهل سعادتك ، وان تسطع شمسك ، وتنبثق أقمار الحياة مغنية لك ، وقد حققت انتشاءك ، ووصلت الى ما يحلم به قلبك ، من روعة المحبة التي تغمرنا بالغيث ،اذا ما سقطت قطراتها على نفوسنا الظمأى الى كلمات الحب،
حتما إنهم أولادك ، حريصون على هنائك ، سوف يسارعون الى غرفتك النائية ، ليلقوا عليك التحية ، مهنئين بيوم ليشبه الأيام الأخر جمالا ، لأنهم لم ينسوك ، وسطعت شموس مودتهم على حياتك اليابسة ، فأنعشتها
- أيامك هانئة أمي
تمضي الساعات ، ونظراتك معلقة على النافذة ، عل احدهم يسرع ، ليضع حدا لمعاناتك التي لاتنتهي ، أنت الثكلى وأبناؤك أحياء يرزقون
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
التشخيص
أصبحت فرحة هذه الأيام ، مستبشرة ، أتفاءل بالخير الذي يغمر الغد ، ويحيط بالعمر القادم فيحيله الى جمال اسر ، اغني بكل قوة وادع نسمات الهواء العليلة تداعب وجنتي ، آن لي أن افرح ، وان أعانق الأحباب ، مهنئة إياهم بانبثاق فجر جديد لا الم فيه ، بعد أن ولت المعاناة ، وأشرق السرور في حياتي ،بعد ان يئست من إمكانية اندمال جروح نفسي ، ومتاعب روحي ، وأوجاع البدن
ابتسم الطبيب مداعبا :
- اضحكي للدنيا ، زالت متاعبك ، وولت عنك الأسقام
نبأ سعيد طالما انتظرته بلهفة كبيرة ، ان تزول أوجاعي ، وان اهرق قناني الدواء الكثيرة المتراكمة من حولي ، فقد استطعت أخيرا ان اقضي على متاعبي الصحية ، واخفف من أسقام روحي
- كنت مواظبة على استعمال الدواء كما نصحتك
قناني كثيرة تتراكم من حولي ، وتأمرني بالانصياع لها ، و التقيد بما يقوله الطبيب ، وإلا انقلب الحال علي ، وولت صحتي ، وابتسم المرض الخبيث ساخرا من محاولاتي الكثيرة لوأده
دواء حين الاستيقاظ ، حبات تحت اللسان ، تذوب ببطء كبير ، ودواء آخر في تمام الساعة العاشرة صباحا ، ودواء ثالث بعد طعام الغداء مباشرة ، ودواء رابع في الرابعة مساء ، وآخر قبل الإخلاد الى النوم ، أحاول دائما الحرص على التوقيت ، لئلا اقع في مضاعفات لا امن شرها ، اليوم فقط بعد مرور سنوات ثقيلة طوال ، يبشرني الطبيب ، أنني أحرزت تقدما ملموسا في وضعي الصحي ، وانه حان لي أن اضحك للدنيا ، التي طالما عبست في وجهي ، وارتني وجهها الكالح ، وطبعها اللئيم ،
فرح كبير لاعهد لي به يهيمن على نفسي ، فاشعر ان شلالات من البهجة ، تحيطني بذراعيها الحانيتين ، وتطوقانني بما عهدت فيها من دفء اسر ، رحماك ربي ، يا من تغير الحال الى نقيضها في لحظة واحدة ، سوف افتح مسامي جميعا لاستقبال الفرحة الكبيرة ، التي حلت أخيرا بأرضي ، وابتسمت مرحبة بقدومها الي ، بعد هذا الحرمان الطويل ، ألا ، أهلا بشروق الشمس التي ظننت انها آفلة دوما
- يمكنك ان ترمي بقناني الدواء بعيدا ، لقد برئت ، ولكن احتفظي بدواء واحد ، ريثما يتم الاطمئنان التام على صحتك ، سوف أحولك الى لجنة طبية مختصة ، للبت في أمرك ، مجرد شكليات ، ويغلق ملفك المرضي ، وتتحقق الفرحة الكبيرة ، وتزرع أرضك شتلات من الأمل ،، والثقة المنشودة ، سوف أكون في شعور من الغبطة والفخر ، أنني استطعت ان أقاتل الداء في أعماقك ، لأحولها إلى بساتين من الصحة والهناء.
سعدا لي ، وبشرى أزفها لكل من واساني في محنتي ، وأرسل لي كلمات تشجيع ، في مصابي الجلل ، ونصحني ان أتسلح بالصبر والثبات ، فهما خير سلاح لمقاومة الآفات الفتاكة ، والسموم القاتلة ، وضمان أكيد للبرء من الإمراض الخطرة التي لاعلاج شاف لها
رسائل سأدبجها بيراعي ، شاكرة من كتب لي ، كلمات تحمل النصح والإرشاد ، وأنا أتلوى ، كغصن شجرة ، أصابتها الريح العاتية ، فقطعتها من الجذور ، سأعلن للجميع ، من كان صادقا منهم أو مرائيا ، انني استطعت بالصبر الذي وصفوه لي ، ان استرد عافيتي ، وان أعود الى عهد الصحة والشباب ، اللذين سلبا مني ، ووضعت اليد عنوة على ما أتمتع به من ارادة قوية ، لايفلها حتى الحديد
هنيئا لي ، أنني استطعت ان اجعل الطبيب المداوي ، يسترد ثقته بما وصفه لي من علاج طويل الأمد
- احتفظي بدواء واحد ، لجنة مختصة سوف تنظر في حالتك ، وتمنحني شهادة تقدير انني استطعت ان أشفيك من المرض اللعين الذي أستوطنك.
وقت قصير ، وتنتهي معاناتي ، واستطيع ان اضحك بملء فمي ، ان ارقص مستبشرة ككل المخلوقات الناطقة ، وان أعانق من أحب ، وان استقبل الشمس بعيون مفتوحة .
اللجنة الطبية سوف تراني الآن ، وتختم مؤيدة ما وجده الطبيب المعالج ، من ثورة في صحتي ، وسوف أعوض ما فاتني ، الدنيا ما زالت تفتح ذراعيها ، مرحبة بعودتي إليها بعد غياب أرغمت عليه، ، وليس بمحض إرادتي ، الا اضحكي أيتها الحياة معي ، ورحبي برجوعي الى أحضانك الحانية ، وصدرك الدافيء ، وأفيائك الجميلات
يأتيك صوت ينادي :
- السيدة سهاد
تحليلات قليلة ، أشعة وتحليل للدم ، وينتهي كل شيء ، وتعودين ظافرة مبتهجة ، لأنك انتصرت على جيوش العدوان التي عاثت فسادا في جسدك ونفسك.
- انتظري قليلا
لا تضرك لحظات من الانتظار ، وأنت واثقة أن الغلبة لك ، بعد ان اشتدت المعاناة ، وأقضت مضجعك الجراثيم ترتع في دمك ، ولا من منقذ يقيك من عدوانها الأليم.
- السيدة سهاد ، يؤسفنا ان نخبرك ان تقرير الطبيب المعالج ، تنقصه الدقة العلمية ، وإننا بحاجة الى إجراء الفحوصات ومن جديد على حالتك ، فأنت تزدادين سوءا
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الصورة
انظر الى صورتي في المرآة ، ويرعبني ان تلك المخلوقة الغريبة عني ، تبتعد بجسمها ، راغبة عن لقائي ، وحين أحاول الابتعاد ، أجدها تقترب بحذر ، اسرق نظراتي إليها محاولة ان أبدو عديمة الاهتمام ، بما تسعى الوصول اليه من إثارة غضبي ، او التسبب في نقمتي ، الذي يدهشني ويرفع من درجة حيرتي ان هذه المخلوقة التي أراها ماثلة أمامي بغضب وترقب ، وكأنها مجبرة على القيام بعمل قذر لا تريده ، وترغب لو تمكنت من إبعاد نفسها عن تبعاته المؤلمة ، إنها بعيدة الشبه بي ، ولست ادري من جعلها عالقة بي ، ومن اخبرها أنها ظلي تريد الانعتاق من سلطاني ، والتحرر من سطوتي ؟ هل حاولت تقليدها مما أثار استياءها ؟، وولد في نفسها شعورا كبيرا ، من الإحساس بالظلم وعدم الإنصاف ، او إنني قد نطقت ببعض الكلمات ، التي تتناقض تناقضا صارخا مع ما تدعوني اليه ،من سلامة الموقف والثبات على الرأي ، أحاول ان أدافع عن صحة موقفي وإنني بريئة مما يريدون إلصاقه بي ، من مؤامرات بعيدة عن المنطق والصواب ، وكلما حاولت الاقتراب منها ، كي تتمكن من الاستماع الي لتبيان الأسباب التي دعتني الى نطق تلك الكلمات ، التي أثارت الحفيظة ، وجعلت سهام الاتهام تتوجه الي الواحدة تلو الأخرى ، وانا اطمح ان تدافع عني ،هذه الشخصية الغريبة التي أجدها أمامي ، وحين أريد التقرب تولي مذعورة ، فارة من لقائي ، ترى ماذا اخبروها عني ؟ وكنت أظن أنها لايمكن : ان تصدق بالوشايات الكثيرة الراغبة في تشويه موقفي ، واتهامي بما لم أقم به من مواقف ، ولم أفه به من أقوال ، اقترب منها طامعة في حسن إصغائها ، وفي كل مرة تجد ني اقترب ، تبتعد بسرعة كبيرة لاتدع لي مجالا للتصرف ، هل هي صورتي أنا ، ام صورة احد عذالي ، وانا لم اقم بما يثير العذل من أحد ، انظر اليها مليا محاولة استكنا ه تصرفاتها التي بدت أكثر غرابة ، مما هي عليه في باقي الأيام ، هل انا واهمة ؟ هل تتراءى لي أمور غريبة هذا اليوم ، نعم انها صورتي ، وان بدا شعري مختلفا ، وعيناي منطفئتين وكنت اظنهما متوقدتين ، ارفع يدي إشارة بالتحية ،فتدير وجهها عني ، من يمكن ان يلعب على صورتي ؟ مشوها سيرتي ، ناقلا لها كلاما لم أعن معناه الظاهر ، أحاول التحدث بصوت عال ،علها تسمع وجهة نظري ، أفاجأ أنها تضع يديها على اذنيها مغلقة إياهما عن سماع دفاعي ، ماذا افعل ؟ وقد سدت بوجهي المنافذ ، وأغلقت أمامي الأبواب ، اكتب كلمات على ورقة ، اعبر فيها عن شدة حزني لموقفها ، وابتعادها عني ، تمسك ورقتي وتمزقها وترميها بوجهي
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
التابعة
طالما أرهقتني بطلباتها العسيرة ، وانا اسارع الى تلبية كل ما ترجوه ، وما تتمناه من أشياء قد تكون بعيدة ، عن القدرة على التصديق ، وكثيرا ما كنت أسمع نصائح جادة من أشخاص معروفين بالانصاف وحب العدالة ، انني يجب ان انتبه لنفسي ، وان أحرر ارادتي من الانصياع لرغباتها الكثيرة ، والتي يرهقني الوفاء بها ، وأمانيها المتزايدة على الدوام ، ما دامت تجد مني مسارعة الى تنفيذ ما تأمرني به ، استمع الى النصائح التي اعلم تمام العلم انها مخلصة لي ، ولكن ماذا افعل واليد قصيرة كما تعلمون ، وانا وحيدة والدي ، وليس لي صديقات استمع لكلامهن ، واسير حسب مشيئتهن الا سلوى ، التي مهما بلغت سيطرتها على شخصي الضعيف المتواضع ،الا انني أجد نفسي معزولة في هذا العالم الغريب ، ان خاصمتني يوما لتقاعسي عن تلبية طلباتها الشاقة المؤبدة ، حالما انتهي من اعداد واجباتي المدرسية ،حتى أسارع الى منزل سلوى ، استمع بانبهار يثير فيها الفخر ، الى ما ترويه من حكايات ، اعرف انها مبالغ فيها كثيرا ، وقد لاتتضمن من الصحة الا خمسا في المائة ، ولكن ماذا افعل وانا غريبة ، لااحد يحدثني عن امره ويخبرني عن أحواله ، وكيف قضى نهاراته ؟ ، الا تلك المخلوقة التي مهما قالوا عنها ، أنها متكبرة ومغرورة ،الا انني اسارع الى منزلها كل يوم لأمتع نفسي برواياتها المثيرة للاعجاب .
ولا ابالي ان نعتني احدهم ،باحدى الصفات البعيدة عن حقيقة شخصيتي ، كل ما ارجوه ان اكون قريبة من محمود ، ذلك الرجل الذي طالما داعبت شخصيته خيالي ، اعرف انني امرأة لاتحسن التعبير عن نفسها ، لاتظهر عليها عواطفها ، ولكن من يعلم ؟ ربما عرف بحالي ، وما أقاسيه وانا ساهرة طوال ليلي ، أتضرع الى الله ان يجعله يرأف بحالي ، ولكن كيف يمكنه ان يهتم بأمري ؟ ، وانا شبه خرساء ، لااحسن الا خدمة صديقتي سلوى ، والتفاني في ارضائها.
خلقني الله هكذا ، لاأثير الالتفات ، مع انني أحمل صفات ناصعة ،كما يقول العارفون بكنه الامور وحقيقتها ، سلوى حبيبتي قد تعرف حالتي ، وقد اقتدي انا بها ، فأصبح امراة تحظى بالاهتمام ، وانا لااطمح الا بان يراني محمود ، ويعرف كم أعاني من عذاب الوجد ، ومن عناء الهوى ،وما أقاسيه من ابتعاد الناس ، الذين لاأبالي بأمرهم ، الا هو المخلوق الأثير
لااحسن رواية الاحاديث ، وان كنت اعرف الكثير من الحكايات ، وحين اخبر سلوى باحدى الحكايات التي سمعتها ، تسارع هي الى اضافة التوابل والبهارات الى ما سمعته مني ، فتأتي قصتها اجمل من قصتي ، واشد فتنة ومهارة ، استمع اليها بشغف ، متناسية انها من قصصي انا.
احل لها التمارين المدرسية ، وأقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها خير قيام ، اذهب الى المكتبات لكتابة أحد البحوث ، الذي طلبه الاستاذ منها ، وانا راضية مغتبطة ، ما دامت سلوى راضية عني ، وحين تأتي نتائج الامتحان اكون عالمة بها في البداية ، فانا لااحرز الا على الدرجات الدنيا ، اما سلوى المجتهدة اللبقة ، فانها تكون في مقدمة الناجحين والناجحات
اكوي لها ملابسها ، واخرج انا مرتدية لباسي بلا كوي ولا ترتيب ، انا طبيعية ، لااحسن تزويق الأمور ، والجري وراء المظاهر الخداعة ، كل ما في قلبي يظهر على لساني ، اقول للقبيح صراحة عن صفة القبح ، دون ان اخشى شيئا ، فابتعد عني الأصحاب ، وتجنبني الأحباب ، وكل منهم يجد انني لااحسن الصحبة ، ولا احترم الصداقة ،الا سلوى ، بقيت ملازمة لي ، تستقبلني في منزلها وتحدثني بحكاياتها الجميلة التي لاتنقضي.
انتم لا تعرفون صديقتي سلوى ، الانسانة الخلوقة المبتسمة على الدوام ، الطموحة التي تحسن معاملة الناس ، الذين تهمهم المظاهر فقط ، ولا يحاولون ان يعرفوا شيئا عن الجوهر ، يشتري لي ابي الملابس الانيقة وحين ارتديها ، تبدو على جسدي بالية عتيقة ، وحين ترتديها سلوى تبدو ساحرة الجمال ، الجميع يتغنى بفتنها وجلالها وبهائها ، ان ذهبنا معا في نزهة او مشوار ، سارت أمامي والجميع ينظر اليها بافتتان واعجاب ، يظنون انني خادمتها ، مع انها صديقتي الوحيدة.
افرح حين تحقق سلوى احدى امنياتها الكثار ، ويتملكني السرور عندما تصل الى مبتغاها ، أحببت محمود بصمت ، دون ان احدث احدا بقصتي ، كنت اهديه وردة فيظن ان سلوى هي الواهبة.
جاءتني يوما لتزف لي البشرى
- انت صديقتي الحبيبة ، وسوف تفرحين لفرحي
يتحدثون عن الحب والغيرة ، لماذا أغار ومحمود لم يلتفت لي يوما ؟، اخفي شعورا بالمرارة يحيط بي ، هل أظل هكذا شخصية هامشية ؟ وكيف أتغير ؟ والجميع يرى انني امّعه بائسة .
أشعر احيانا بضرورة ان أتغير ، ولكن سرعان ما يصدمني سؤال غريب يلح علي باستمرار :
- لماذا التغير ؟ وحلمي الوحيد أفل نجمه واندثر.
ألعق جراحي وخيباتي وانا ارسم ابتسامة ، كل من رآها يعرف ان صاحبتها امراة بلهاء لايرجى شفاؤها
اتناسى اخفاقاتي ، والازم سلوى ، وألبي طلباتها
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
جارتي والحرب
تأخذ المراة الجارة ، بالتنقل بين غرف المنزل ، مرتبة ، منظفة الأثاث من الأوساخ العالقة ، ماسحة الغبار المتراكم ، بقطعة قديمة من قماش ، استمع الى صوت فيروز الجميل المنعش ، بعد أن هدني التعب ، وأمضني الترقب ، وحاولت الاستسلام للنوم ، فجاء متقطعا على غير رغبة مني ، اشعر ان جسدي منهك وروحي متعبة ، بذلك الألم الشديد والمتواصل ، والقلق المستمر ، ولكني حين رأيت جارتي تتنقل في أرجاء المنزل ، لتبعث بالحيوية المفقودة ، من جراء الإجهاد الطويل شعرت بنوع من السعادة ،كنت افتقده
اسمع صوتا خافتا للمذيع ، وهو يقرأ نشره الأخبار الأخيرة ، القتلى بالآلاف ، والجرحى يتكدسون على ممررات المستشفيات ، يحلمون بالشفاء العاجل ، بعد ان أصابت أرواحهم القنابل الفتاكة ،قبل ان تصيب منهم الأجساد
المراة النشطة ، خفيفة الحركة ، تتنقل كالنحلة من مكان الى آخر ، تدخل الى المطبخ لتهيئ لي طعاما مقويا ، يساعدني على استرجاع عافيتي الناقصة ،ويعين في الإكثار من در الحليب ، فكري مشغول ، والأوجاع تستبد بي ، ماذا يمكن ان يحل بهم ، ليمنعهم من المجيء الي كما هو دأبهم ، ولم اسمع الهاتف يرن ليطمئنني ، على سبب غيابهم الطويل ، كنت آمل ان استمع الى صوتهم الحنون المميز ، والذي يحمل لي غصونا خضراء من الحب والجمال
- حساء الخصروات غذاء مجرب ، وهو سهل الهضم ، لذيذ المذاق ، يساعدك في عملية الإرضاع
استمع للمراة القادمة الينا ، بعد ان أعياني الحال ، وأدركت ان الوالدة لا تستطيع المجيء ، على اثر المنع الجديد للسفر ، الذي طال كل المواطنين الا من استطاع ان يحصل على توصية من بعض مناطق النفوذ
خفت ان أكون وحيدة ، وأنا أترقب هذا الحدث السعيد ، الذي أشهده لأول مرة ، وكدت أموت خشية ، من عدم التمكن من استقباله
يستمر المذيع في إلقاء نشرته الإخبارية ، والعدد الكبير من القتلى والجرحى ، والمفقودين في تلك الديار الغريبة ، يفجعني ، أتساءل بيني وبين نفسي
- لم يشعل الحكام الحروب ؟ وما الفائدة منها ؟ ولماذا يحشرون الناس عنوة في تلك الجيوش ؟
تواصل المراة الجارة تنقلها ، في أنحاء المنزل الواسع ، الذي أصبحت غريبة فيه ، ومهجورة بعد ان سافر لأداء واجبه العسكري كما قال ،تساءلنا ، ماهو الاسم الجميل الذي نطلقه على وليدنا المرتقب ، عددنا الكثير من الأسماء الرائعة وذات المعاني السامية ، ولم نكن نفضل جنسا محددا ، كل ما يرزقه الله جميل
اسمع صوت تنظيف الصحون من المطبخ ، كانت كثيرة ، ولم اقو على أداء ذلك الواجب الثقيل ، بعد ان ثقل حملي ، وأصبح السير شديد العبء ،كذلك الوقوف الطويل ، وحتى الأشغال المنزلية التي كنت مدمنة عليها ، أضحت صحتى عاجزة عن القيام بها
تأتيني المراة بقدح من الحليب الساخن ، استرد فيه بعضا من العافية التي احتاج إليها ، في هذه المهمات العسيرة ،التي علي ان أقوم بها
لم يتصل بي كما وعدني ، وكان تواقا الى رؤية ولده البكر ، ولكن ماذا بالامكان فعله والبلاد في حرب مستعرة ؟
اشرب جرعات من الحليب ، تقف المراة بجانب سريري ، لم استطع ان أبادلها الحديث ، انا لا افقه لغتها ، وهي لاتعلم من العربية شيئا ، اشعر كما لو ان الله قيض لي أختا حبيبة في ديار ، ابتعد عني الأحباب فيها ، وهاجر الزوج مرغما على أداء واجب ثقيل ، يصرخ الطفل راغبا بالحنين ، محتجا على استقبال الحياة بمفرده ، وكان يحلم ان يكون الأب فرحا متهللا ، بقدومه السعيد
تعينني الجارة باحتضان الطفل ، وحالما يهدأ ويرغب عن الصراخ المحتج ، حتى أعيده الى المهد ، وكأن هذه الحركة البسيطة قد استنزفت قوتي
يواصل المذيع قراءة نشرة الأخبار ، القتلى والجرحى بالآلاف ، هل تدرك تلك المراة ان جيشنا يعمل فيهم قتلا وتجريحا ، كما يفعل جيشهم فينا ؟
تضع المراة يدها على جبهتي ، رغبة في قياس درجة الحرارة ، تنطق ببعض الكلمات التي لا افهمها ، تأتيني بطفلي الصغير ، وتعينني في إرضاعه ، تنبعث من المطبخ رائحة لأكلة شهية ، انتهت تلك المراة من تجهيزها لي ، تساعدني أولا في تناول الدواء الذي وصفه الطبيب ، تؤشر لي بيدها إشارة افهم منها النصيحة لي ، بالنوم بعد سهر متواصل ، تساعدني في تغيير ملابسي التي تبللت من جراء ارتفاع الحرارة وانخفاضها
تطمئن الى راحتي ، وتغلق الباب بهدوء بعد ان انتهت من عمل كل الأشياء
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
مجتمع القرود
ضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب ، رافعا صوته :
- الا تسمعين الكلام ؟ كم مرة ألقنك الدرس؟
القيود في معصمي ، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف ، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي ، وتقديم الكراسي للاستراحة ، حين يكون الجميع وقوفا.
جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة ، يستمعون الى رئيسهم ، بانتباه ، وانا قد أدمتني قدماي ، انظر الى محفلهم بتوسل ، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه ، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي.
وجوه خالية من التعبير ، تحسن الاصغاء ، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات ، حركات مدروسة بعناية فائقة ،
- لن ارفع صوتي ، ولن اتلف اعصابي .
أظل مصغية الى حديثه الحيادي ، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من أوامر
ينهمك جميع الحضور في حركاتهم ، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة ، سوف يعرضونها للبيع
- هذه المخلوقة لن تفهم
تعييني الكلمات ، وتنهك طاقتي على الاحتمال ، تهمتي كبيرة كما يبدو لي ، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها
- جماعتك ولوا الى غير رجعة.
اود ان احرك يدي ، وان اكون قادرة على المسير ، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة.
تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة ، وانا حيرى ، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء ، الذي وجدت انهم يتصفون به ، كلماتهم هادئة ، لاصراخ فيها ، ملابسهم أنيقة ، وحركاتهم واضحة ، وانا الغريبة بينهم ، لاافقه مما يراد مني ، ينطلف صوت الرئيس امرا :
- لقد نفذ صبري معك ، انتم معشر أغبياء ، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم.
اياديهم تتحرك باستمرار ، تنتج اشياء جميلة تفيدهم ، للحصول على الربح والاموال ، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون
- معشركم قوم اشقياء.
تتراكم امامهم كتب كثيرة ،قد تكدست عليها امواج من الغبار ، على مر سنين طويلة ، وانا قد أعياني الوقوف الطويل ، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب
ينظر الي الحاضرون باستغراب ، يتبادلون الكلام بينهم بلغة لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها :
- اضحكوا عليها ، كما ضحك عليكم قومها ، عاملوها بالمثل
يطيلون الي النظرات المتهكمة ، وانا بينهم صماء عمياء ، لاتفقه من لغتهم شيئا ، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه ، موضعا للهزء والسخرية ،من هؤلاء القوم الغرباء ، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين ، وضحك عليهم ، وسلبهم بعض ما يملكون ، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس ، او يسبب لها الأذى ، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية ، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع ، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين ، ليثيروا الضحك والاستهزاء.
يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي”
- انك لم تسيئي الينا ، ولكن قومك فعلوا
كم ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه ، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه ، ولكن محاولاتي تلك ، لم يكتب لها النجاح ، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون ، وينقذون انفسهم من العقاب ، ويكونون من الذكاء وشدة الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب ، والتصفيق والتهليل ، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع ، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم
وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل ، يأتيني صوت الرئيس قائلا:-
- لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك ، نحن نتوخى العدالة ، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت.
يصفق بيديه امرا :
- هاتوا القفص
لايجدون صعوبة في ادخالي داخله ، فانا مربوطة اليدين والقدمين
يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول :
- معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع ، ولا تسمن من جوع
يقلب الرئيس الكتاب الاول ، تتناثر صفحاته ، ينفخ فيها ، تتساقط الاوراق على البساط المزركش ، المنسوج بعناية
- جمعنا كل سمومكم ، وسوف نتخلص منها
كتب هائلة تتراكم ، طبقات فوق بعضها ، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان
أحاول ان اتذكر كم مضى لي ، في هذا المكان ، اين اصدقائي ، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟
- جنسكم أثبت فشله ، واستحق ان يباد.
انظر الى جبال الكتب المتراكمة ، والتي اصفرّت اوراقها بفعل هبوب الرياح الخريفية ، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة ، التي جعلوها جرداء
اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها ، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل ، فلا اعثر على المراد ، تذهب محاولاتي ادراج الرياح
– حكمتم العالم ، فسببتم الاضرار به ، وهذه جريمتكم النكراء ، سوف تبصرين انت نهايتها ، وانقاذنا من شرورها.
ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان ، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح ، يجعلها في وسط القاعة
- هاتوا نشعل الاوراق ، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة
يلتفت الرئيس الي ناصحا قومه :
- ذروها الى النار ، ليستمر الدفء ، ويسود الاستقرار
وجهة نظر
تأخرت في العودة الى منزلي ، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري ، فأظل أتابع الطلاب ، الى أن ينصرف آخرهم ، بصحبة أحد أبويه ، أيمم وجهي شطر المنزل ، الذي أطمح أن أجد فيه راحة ، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي ، حارقا أعصابي ، أتوجّه ماشية على قدمي ، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي ، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل ، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما..
كل شيء مهيأ في المنزل ، وليس علي الا عمل السلطة ، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق ، على موعد تناول الطعام ، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة ، وأوصيت ولدي اليافع ، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا ، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا.
هالني أن أجد في منزلي شخصا آخر ، لم أكن أتوقع أن يكون اليوم حاضرا ، وفي غيابي ،أخبرني إبني أنه سمع دقا خافتا على الباب ، وحين استفسر عمن يكون الطارق ، وجد امرأة لايعرفها ، أخبرته أنها صديقة أمه ، وهي تريد أن تكون وقت تناول الغداء ، ولأن ولدي قد علمناه منذ الصغر أن يحسن استقبال الضيوف ، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة ، فرّحب بها ، داعيا إياها الى الدخول والإنتظار ، فعودتي أصبحت وشيكة.
سألت الضيفة ماذا يكون طعام الغداء ؟
لم يكن ولدي يعرف ، دخلت مطبخي ، وفتحت القدور ، و عرفت ما هو موجود فيها ، فأرادت أن تضيف صنفا آخر تحبه ، لم يكن من الأطعمة المتوفرة ، فتناولت لحما من مجمدة الثلاجة ، وأنواعا من الخضر ، وشرعت في تقطيعها ، وضعتها على النار ، وأخذت تنتظر أوبتي ، وهي تشكو الجوع ، و تأخري في العودة
كان أبي في زيارتي ، وقد خرج من المنزل تلك الآونة ، وعاد رفقة زوجي ، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل ، قد دعا نفسه على طعام الغداء ، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.
الطريق طويل ، والسيارات تملأ المكان ، وعبور المشاة عسير جدا ، فالسائقون يحبون أن يصلوا الى منازلهم في أقل وقت ، بعد أن أمضوا نهاراتهم في عمل مضن، آن لهم أن يستريحوا منه
- أف ، تأخرت أمك ، أين تمضي بعد العمل ؟
- لا أحد لها غيرنا ، والطريق متعب
- إن تأخرت سوف أتناول طعامي ، أنا جائعة
وصلت المنزل ، فاجأني الوضع ، السيدة رأيتها مرتين فقط ، وفي مناسبات متباعدة
سمعت شكوى ولدي الصامتة ، وهدّأت من غضبه ، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها ، رغم عدم معرفتها بهم.
وضعت القدور على النار ، ليسخن الطعام ، ريثما أغير ملابسي ، جهّزت المائدة ، وضعت عليها الصحون والملاعق ، نقلت الأطعمة المطبوخة ، دعوت أفراد عائلتي
جميعنا كان صامتا ، لايعلم ماذا يقول ؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه ، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار ، شاكية من بؤس حالتها ، ونحن نحاول أن نطمئنها ، ان كل شيء سيتبدل ، وأنه بالجهد يحقق المرء أحلامه
طرحت علينا الضيفة سؤالا ، لم أعرف كيف أجيبها عنه
- أنت لديك ثلاثة رجال ، ولا واحد لي ، أعطيني واحدا منهم.
فكرت فليلا ، فلم أجد الجواب الشافي ، لكني نطقت أخيرا:
- ولدي ما زال صغيرا ، وليس بمقدوري أن أنجب غيره ، وأبي لايمكنني أن أمنحه لغير أمي ، وزوجي خذيه إن كان يرغب
نظر إليّ زوجي باستنكار ، وقام دون أن ينبس بشفة ، نظر أبي بعتاب
صرخ ولدي :
- لا أريد
- OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
احتفال تقييم
المدعوون كثيرون ، ازدحمت القاعة بهم ، وامتلأت المقاعد بمئات من الحاضرين ، الذين اطلعوا على الدعوة العامة ،في الصحافة الورقية والتلفاز ، كنت شخصية عامة ، يشار اليك بالبنان ، تتكلمين في أي موضوع يطرح عليك التحدث فيه ، وتناقشين بهدوء ، ما تسمعين به من آراء ، لم يكن صوتك يعلو ، فقد كنت تؤمنين إيمانا راسخا ، ان ارتفاع الصوت ينتج غالبا عن الخواء الفكري ، وعدم امتلاك الحجج والبراهين التي تقنع الخصم ، وتفحمه بالحجة الدامغة ، كما يقول علماء الإقناع ، والمحاججة ، والنقاش الهادئ المستنير.
جلس المتكلمون الأربعة في مقاعدهم ، وطلبوا منك الجلوس في وسطهم ، اثنان منهم على يمينك ، والاثنان الآخران على يسارك.
يغبطك حضور الجماهير العريضة الى مكان الاحتفال ، ويملؤك اعتزازا وثقة بنفسك ، لقد استطعت ان تحققي شيئا ، وأن تثبتي جدارتك في شأن من شؤون الحياة ، وان يكون لسانك منطلقا في الوقت الذي يزيد الطلب عليه ، وحججك قوية ، ساطعة أمام العيان.
- سيداتي ، سادتي ، أهلا بحضوركم الكريم ، نرحب اليوم بشخصية عامة ، أثبتت نجاحها الكبير ، وفصاحتها المثيرة للإعجاب في أي مجال ، تتطرق إليه
حاولت ان تخبريه ، بأمر الاحتفال ، الذي يطمحون فيه إلى تقييم مسيرتك الخطابية ، والتي أثبت جدارتك ونجاحك اللافتين للنظر فيها ، ولكنك تراجعت في آخر لحظة ، وآثرت ان تكوني وحدك في هذا اليوم ، كما هو الشأن في المرات السابقة ، التي كنت تحضرين فيها احتفالات عامة ، فينطلق لسانك الفصيح مؤيدا ، وجهة النظر التي تريدين تقويتها ، ويستمع إليك الحاضرون بصمت ، وهدوء ، تسكت الأصوات جميعا ، ولا يسمع الا صوتك الرخيم ، يتفوه بأعذب العبارات وأقوى الجمل ، عارضا مختلف الآراء ، ومبينا تعدد وجهات النظر ، وحين تصلين الى نهاية خطابك ، وقد أثبت بالدلائل والبراهين صحة رأيك ، وصواب فكرتك ، تنطلق الأكف بالتصفيق المتواصل ، وأنت تنظرين مستبشرة الى رضا الجماهير العريضة.
كثيرا ما تناول سيرتك السابقة بالسخرية منها ، ومن تقليل شأنها ، وإنها هزيلة جدا ، وانك يجب الا تبالغي ، في تكبير ما وصلت اليه من نجاح ، فأنت ما زلت في مكانك ولم تحققي شيئا.
ينطلق الصوت متكلما:
- أنها مثال ناصع في النجاح ، وتحقيق الهدف ، وفي تحدي الصعاب ، والوصول إلى الغاية.
كنت في بداية عهدك به ، تظنين انه عازم على إبعاد شبح الغرور ، عن نفسك الحساسة ، وان هذا الماّل يصيب عادة من كان يمتلك الثقة بنفسه ، ورضا الجماهير عنه.
- إنها قدوة للأجيال الصاعدة ، في ضرورة النضال ، والاستهانة بالعراقيل ، التي توضع أمام العازمين على السير المثابر ، والإصرار المستمر.
يحدثك عن الأيام التي حققت نجاحا فيها ، وكتبت عن تلك النجاحات الصحف ، وتناولتها وكالات الأنباء ساخرا ، مستهزئا :
- لم تحققي شيئا ، لأنك امرأة أيدك الناس ، وصفقت لك الجماهير معلنة استحسانها ، ان حاولت اليوم إعادة مجدك القديم ، لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع ، لاتعودي ، الأيام حين تسير ، لاتعود الى الوراء ، وأنت لاتملكين صوتا جهوريا ، ويصيبك التعب منذ البداية.
- إنها خطيبة مفوهة ، أمدتنا بالكثير من الخطب الرائعة ، البليغة ، والساحرة في البيان ، وهي مدرسة في أصول الخطابة الصحيحة ، والهيمنة على عقول الجماهير.
ينتهي المتحدثون في إيراد ما تتمتعين به من خلال ، تسر بها الأذن ، وترنو إليها القلوب ، وتميل الى سماعها الأفئدة.
- تركت الفصاحة عامين اثنين ، لأعمال منزلية ، و الآن تعود إليها ، بكل جمالها القديم ، نترك السيدة مها تحدثكم بسطور قليلة ، عن تجربتها في هذا المضمار الصعب واللذيذ.
تتزاحم الكلمات في فكرك ، ولا تملكين القوة لإطلاقها ، تتيه منك الإرادة ، ويتراجع ما عرف عنك من عزم ، وصوت داخلك ينطلق عنيفا : لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع.
تصفق الجماهير بحرارة ، منتظرة ان تلبي النداء ، يبرد التصفيق ، ينظر إليك المحتفلون باستغراب.
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الانقلاب
الخوف يجتاحك ، كلما فكرت بقدوم الليل ، ما ان تذهب الشمس مودعة أحبابها ، منطلقة الى ناسها الآخرين في الدنيا البعيدة ، وكلما اذن الغروب بالانبثاق ، بلحظاته السحرية التي تأخذك بين شتلات الفكر ، تراود نفسك الفكرة تلو الفكرة ، كيف يمكنك ان تؤخري تلك اللحظات التي تشعرين بها انك ميتة ، وان قوة غاشمة تسيطر على أنفاسك ، وتسلب منك يقين الحب ، وجمال العاطفة ، وتجعلك خرقة بائسة لاحول لها ولا قوة ، محكوم عليها ان تلبي رغبة مسعورة للإجهاز عليها في كل لحظات عمرك الآيل للزوال ، والسنين الثكلى التي استحوذت فيها على ما بقي لديك من قوة إرادة ، ومن تصميم على رفض ما يراد بك ، كنت في حالة مشرقة ، رغم ان الجميع يشفق عليك ، يبكي بعمق طالبا منك الغفران ، انه عاجز عن تلبية رغبتك في وضع حد للظمأ القاتل ، الذي يعيث فسادا في ربوع نفسك ، المتطلعة الى حياة أخرى ، يقبلك ويرجوك السماح له بتطليقك ، كي تكوني حرة ، مع آخر يسعدك ، ويحقق لك القضاء على سعير السهد المتواصل.
-أحبك جنان ، لكني لا اقدر على تلبية رغبتك .
، وتعيشين في وضع مأساوي ، مع ان الكل يغبطك على النعمة التي تغرقين فيها حتى الثمالة ، من يمكن ان يحكم عليك ، ؟ ويجعلك في سجل الإحياء او الأموات ؟ وانت تشعرين ان قوة جهنمية تسلب منك حلاوة الحياة ، ولذة الحب ، وروعة ذلك التلاقي المحمود بينك وبين رجل تعرفين تمام المعرفة ، انه كل يوم يضع مسامير في نعش حياتك ، ويسقيك العلقم ، وجرعات كبيرة من السم الزعاف ، ويحكم عليك بالوأد كل ليلة ، هل يدرك احد الغابطين لك ، ما تنالينه من سم قاتل ، تجبرين كل ليلة على تجرعه رغم انفك ، وكل ما حلمت به من الوصول الى الأحلام وتحقيق الأماني مجرد أوهام ، من يمكن ان يمد إليك يديه لينتشلك من هذا اليم القاتل ، الذي يخنقك كل ليلة ، وتجدين نفسك غارقة في أعماق سحيقة ،لا قدرة لك على تحملها ، تطوفين فوق أمواج الكراهية، التي ينعشها في نفسك بأعماله الشيطانية ،وتصرفاته الهوجاء ، تجدينه مغرما بالإيقاع بك ، والقضاء على أي شعور بالرأفة، قد ينتعش في قلبك ، ذلك المسكين القانع بكل شيء ، والمحروم من أي لمسة قد تخلق فيك رغبة في مواصلة الحياة بشكلها ذاك .
ما تلبث الأماني ان تبني لها أعشاشا في نفسك ، وأنت تتهيئين لذلك الأرق الطويل
ترتدين الملابس الحسان ، وتتعطرين بأجود أنواع العطور الباريسية ، عله يغير طريقته الراغمة هذا اليوم ، ويدرك ان الأمر شراكة جميلة ، ترتوي بالكلمات الجميلة والعواطف المعبر عنها بصدق ، لكن أحلامك تجهضها يد عابثة ، تحاول النيل من إرادتك ، والقضاء على ما تبقى في داخلك، من تصمم جميل على وأد الهزيمة ، التي تبني لها بيوتا ، في أعماق قلبك المتيم لكل جميل ، يتجرع قناني الشراب الواحدة تلو الأخرى ، ويتقيأ ما شربه أمامك ، ويبصق بإصرار عجيب على إثارة نقمتك ، يرغمك على ملاعبته ، بأسنانه التي لم تر الفرشاة ، منذ زمن طويل ، ويذكرك بحقيقة تسعين الى تناسيها:
- ياه ، كما أنا قذر هذا المساء ، سوف استحم صباحا.
يهجم عليك ، يود افتراسك ، تموت فيك كل رغبة في الاندماج ، في هذه الحرب المسعورة ، وتتمنين الخلاص ان يأتي سريعا ، لينقذك من موت محقق يحل بك،
تصممين ان تضعي حدا لمتاعبك، التي تتناسل ، وشعورك بالمرارة المتفاقم في أعماقك ، لقد بلغ السيل الزبى ، وليس هناك أكثر سوءا ، مما تعيشينه باستمرار ، أما آن لك أن ترفضي هذا الخنوع الطويل؟
تقوين إرادتك ، عليك ان تنفذي قرارك ، العمر لحظة وينقضي
- لا أريد
تتراخي اليد الملتفة حولك ، تجدين ان القيد يزول ، ونظرات تساؤليه تنبعث من عيون تصرين على تجاهلها
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الجثمان
انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة
- لاأعرف ماذا تريدون ؟
تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران
- لم أفعل ما تقولون
تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور
- لم اسمع بمن تتهمون
- انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب
يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة
- ماذا تريدون
- يا ابن …….. ألا تدري ؟
- نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟
- قل كلمة واحدة
يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل
تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا
- اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي
ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،
- انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة
ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا
وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟
يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
- لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الطائشة
حاولت مرارا أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي ، ولكن عبثا ، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني ، لم اذنب في حياتي ، ولم أسبب الأذى لاحد ، وحاولت ان اكون مهذبا ، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس ، وتقدير الكبير والعطف على الصغير ، واعطاء كل ذي حق حقه ، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي ، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني ، وأتساءل بيني وبين نفسي
- هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟
غلام صغير يشب على حين غرة ، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات ، التي لم تكن تخطر على باله ، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف ، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين ، وشعرها الكستنائي الطويل ، المنسدل على كتفيها ، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير ، حاولت ان اتبعها ، دون ان اتفوه بكلمة ، موصلا اياها الى منزلها ، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها
يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي ، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة ، ولم اعلم عنهم عن طريق افراد اسرتي ،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.
تطول متابعتي لها
- مساء الخير
يثيرني انها لاترد على تحيتي ، احاول ان اقترب منها ، عيناها ترحبان بحذر ، ألقي تحيتي مرات أخر ، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب ، أمد يدي إليها ممسدا خدها ، وكأن شعورا من مس الكهرباء يوقفني ، تسكت هي ، وكانت شديدة الحياء ، اكرر المحاولة ، ترغب بابعادي ، ولكني كنت اقوى منها بكثير ، كنت أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي ، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني ، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي ، فجأة أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس ، كيف وصلوا هنا ، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم ، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت ، وأبشعها
- انها مخلوقة حقيرة ، لم يؤدبها ذووها
- انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟
- شعرها منسدل ، ولم تبذل جهدا في ربطه
- عليها اللعنة ، تتحرش بأولاد الناس ، والرجال الصالحين
يرانا ابن عمها ، فيسارع الى الوشاية بي والإيقاع بها
أتفاجأ بأبي
- ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا
- لم افعل شيئا
- لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها ، الا تستحي ؟
ابي رغم طيبته وسماحته ،إلا انه شديد الغضب في مثل هذه الامور
امسك عصا غليظة:
- سأؤدبك الآن يا ابن الكلب ، يبدو أنني لم أحسن تربيتك ، وتركتك حرا ، تتعدى على أعراض الناس ، ينقصني أن تتحرش بالجيران .
تتوالى علي صربات موجعات ، مما جعلني اصرخ
- مهلا ابي ، سوف اخبرك الحقيقة
يتوقف ابي ، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب
-انها السبب ابي ، كانت طائشة وخفيفة ، تضحك في الشارع
- تأدب ايها العاق ، كيف ايقنت انها طائشة ؟
- لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ
اجد ان الضربات تضعف قوتها
- ومالك وما ترتدي ؟
يقف ابي ليسترد قوته ، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها
- انها قليلة الادب
عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة ، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام ، خوفا من معاكسات الشباب
كنت ذلك الحين حدثا صغيرا ، لاأفقه من أمور الحياة شيئا ، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها ، أو تسبب اندلاع حريق ، لايذر شيئا ، ويأكل المذنب والبريء ورغم توالي الأعوام، فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني ، سألت عنها وعن أحوالها ، فلم يجبني احد
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
القزمة
جلست في غرفتي ، وحيدة ، لا أقوى على الحركة ، أفكر أن أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدميّ لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ، ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لا يحب الامتثال
اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،
- مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف.
أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي إلى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ، يقلقني ما حل بي ،
ولماذا اُخترت أنا من دون خلق الله الآمنين ، أن يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟
- مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن.
فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عُرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن أن تغير كلمات قليلة ، من توجه إنسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد أن كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟
- مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر..
أحاول أن استجيب للنداء المتكرر ، ولكنّ فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،
أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أدّيت امتحانات نصف العام ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب ..
- مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة
اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزّع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ، ومستواها الدراسي والأخلاقي..
لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب..
- مها :طالبة مجدّة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع..
أحاول أن اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، رأسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان تسودّ الطرق ، ويضمحلّ الوضوح
يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء.
تنطلق همهمة من بعض الطالبات ، كلمات المدير تنقلني إلى عوالم سحرية
– أحرزت مها نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة
وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع صوتا مألوفا يهمس :
- لكنّها قزمة..
تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مّضني حقيقته..
لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟
أحاول أن انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر أن انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد أنعم عليّ الصفات الحسان ، أسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحّون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير..
- قزمة ، قزمة ، قزمة
نعم. أنا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقّد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا أنا قزمة ، وبشكل واضح لا يمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة.
ولعله يدري بهذه الحقيقة ، التي يدركها كل ذي نظر
يصفو ذهني ، تعود إليّ إرادتي ، أنهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على آن اخط لنفسي مسيرتها الناجحة
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
حالة
تشعرين بألم حاد ، تفتقدين الهواء ، تبحثين عن نسمات قليلة ، تبدد ما اعتراك من ضيق ، وما استبد بك من قلق ، وما اعتراك من اختناق ، تحاولين أن تعبري عن ألمك الممض هذا ، فلا يسعفك الكلام ، يظل لسانك قابعا في مكانه ، يأبى التحرك ، تحاولين أن تجعلي يدك تتحرك ، لتعبر عما اعتراك ، يصيبك اليأس ويستبد بك الإحباط حين تجدين إن أعضاءك التي تأتمر بأمرك ، قد تركتك حائرة ، وأضحت كسولة تؤثر الراحة ، على الاستجابة لطلبك المبهم ، الناس يتحركون ، تنظرين الى أفواههم ، تجدين ان ألسنتهم تلوك كلاما غامضا ، لاتقد رين على سماعه ، تنظر إليك الأعين متسائلة عما أصابك ، وتبذلين جهدا خارقا كي تردي على النداءات الكثيرة ، والمتكررة من هؤلاء الأشخاص ، الذين تركوك حائرة بأيد مجهولة ، تبدد طاقتك ، دون أن يمدوا يد العون لك ، هالك انك كثيرا ما كنت تسارعين الى مساعدة من يحتاجك وقبل ان يطلبها منك ، اختناق رهيب يمسك بتلابيبك ، ويتركك صرعى عاجزة عن الدفاع ، أين أصحابك ؟ يا من علمتهم القيام بما تشائين من أمور ،
- الهواء ، الهواء أريد نسمة من الهواء
لا أحد يسمعك في هذا الزحام الرهيب ، تتكلمين كثيرا ، فلا ينطلق لسانك ، اليوم هو في إجازة ، لم يطلبها ، وكان يجب أن ينبئك قبل اتخاذ القرار ، أتراه ملّ منك ومن أحاديثك الكثيرة ، التي تبعث الساَمة وتدعو الى النفور ، فَاَثر ان يقوم بإضراب بسيط ،ولو ليوم واحد استجابة لمطالبيه العادلة في الراحة ، لقد كان خادمك المطيع ، ظل ينفذ إرادتك ، ولم يفكر لحظة في التخلي عنك والتخلي عن واجبه ، والقيام بنزهة بعيدا عن عينك ، وترصدك
- نسمة هواء من فضلكم
من يسمعك ، وكلهم لاه بما حوله ، يتحدثون بكثرة ، ولا تعرفين عم يدور حديثهم؟ ، أنت عاجزة عن فعل شيء ينجيك من هذا الموقف الصعب الذي تجدين نفسك فيه رغما عنك ، انك واثقة إنهم يتكلمون ـ تنظرين إليهم باندهاش ، ترين أيادي تتحرك ، وأفواه تصعد وتهبط ، وعيون تنظر ، تشير لك أيديهم ، مصاحبة لكلمات لاتسمعينها ، لحظات يفكرون بك ، ثم يعودون بعجلة الى ما كانوا مشغولين فيه من اهتمامات
- هواء ، هواء ، دعوني أتنفس قليلا.
من يسمعك سيدتي في هذا الخضم الهائل من البشر؟ ، الكل يتحدث ، والجميع أخرس لا يستطيع سماع الآخرين ، تناشدين لسانك الأثير على نفسك ، ان ينجدك لحظة هذا اليوم ، تستغيثين مطالبة ببعض الرأفة ، لكنه أبى اليوم ان يستمع لك ، لماذا هو غاضب عليك اليوم ؟ ولا يلبي طلبك ؟ ويبدو انه لايسمع رجاءك ولا يستجيب له ، ما باله اليوم قد انزوى مبتعدا عنك ،واثر الراحة متقاعسا عن همومك ، هل أغضبته مثلا ؟ وهل نطقت بكلمات لا تتفق مع قناعاته ، قد تكونين مرغمة إياه على التعبير عن قضايا لايؤمن بصحتها ، لماذا أجبرته على ذلك التصرف ، أما كان الأجدر بك أن تستشيريه أولا ، بما تزمعين التصريح به من أراء ، ثم تحجريه بإرادتك التي يجب ان تنفذ وعلى الفور
- هواء ، هواء ، أعطوني نسمة من هواء.
من يسمعك ؟ والجميع لاه عنك وعن همومك ، الكل يتحدث ، ألسن منطلقة ، وأفواه تتحرك صعودا وهبوطا ، وأنت تحاولين التعبير عن أوجاعك ، أبى ذراعاك التحرك ، يرفض كفك القيام بما تريدين ، لسانك ما زال مضربا عن الكلام ، والهواء معدوم ، وأنت تنشدين نسمة من هواء عليل ،يعيد الى نفسك راحتها المسلوبة ، والجميع مشغول بنفسه عنك.
- هواء ، هواء
أفواه تتحرك بقوة وإصرار غريب ، وأنت لا تعرفين عن أي شيء يدور الحديث ، تجلسين بينهم بعيدة عنهم ، تحاولين الإنصات الى ما يقولون ، تفشل محاولاتك ، وتذهب جهودك أدراج الرياح ، تناشدين لسانك ان يعود إليك ، بحكم الصداقة الطويلة الممتدة بينكما طوال سنين عمرك ، كنتما نعم الصديقين المخلصين ، لم يبتعد عنك لحظة واحدة ، صحبك في أيام الرضا والغضب ، لحظات الحزن والفرح ، هل شكرته يوما على حسن صنيعه ؟ وهل كا فئته ؟ لماذا أراك اليوم مندهشة لما قام به من ابتعاد عنك ؟ هل تخشين ان يطيل النأي عنك ، وان يسلوك ، وأنت عاجزة تماما عن العيش بدونه ، من يفهمك في هذا اليم الهائل من الوجوه الخرساء ، التي لاتتقن التعبير عن أنفسها ، إن فارقك صديقك الوفي وَاَثر الابتعاد عن سلاطتك المعهودة ، عليك ان تقري بفضله ، وان تعترفي بما قدمه لك من صنيع رائع ، وان تحاولي إقناعه أن يعود إليك ، فآنت عاجزة عن الحياة ، بعيدة عن مهاراته الجميلة ، وكفاءاته الأخذة بالتزايد ،حسب اعتراف الأحباب والأعداء ، ولكن أين أحبابك في هذا الزحام الرهيب ؟ لماذا تركوك محبطة مهيضة الجناح ، تبحثين عن السمير والأليف ، في دنيا عز فيها ، من يقف بجانبك معاونا او مؤيدا ، تتواصل استغاثتك بلسان قد ابتعد عنك وأيد ترفض الاستمرار في الاستماع إلى ما تشائين.
- هواء ، أرجوكم نسمة من الهواء
الجميع أصم لا يسمع ، غير قادر على التواصل في بحر متلاطم الأمواج ، يشكو الناس الحرمان من الحب والفهم والتآزر.
تسمعين نفسك تصرخ مستغيثة:
- هواء ، هواء .
لاأحد يسمعك ، يقتلك الظمأ ، يخنقك العطش ، وقد هجرك اللسان ، وتراخت اليدان عن تلبية ما تريدين .
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
لست أنت
تصل هذا اليوم ، بعد انتظار طويل مدة خمس سنوات ، مرت علي كدهر بتعاستها وشدتها ، نسيت كل الامي ووحدتي وشدة غربتي ، طوال سفرك ، وفرحت من كل قلبي ، لانك قادم بعد السفر والبعاد ، اجهز نفسي وابدد مخاوفا انطلقت بعد كلام اخي
- أأنت مطمئنة اليه ؟ وقد نسي عائلته ، وعذب اباه ؟
اسكت شكوكي التي اطلقها سؤال أخي ، وأنت تعلم مدى العلاقة القوية التي تربطني باسرتي ، ابحث عن علل لك ، تمنعك من الاتصال بوالديك ، قد تكون مضطرا ، حائرا ، تعاني الغربة والتشتت ، وينطلق الى ذهني سؤال
- الغريب يذكر أهله ، ويحن الى أصدقائه وأحبابه
وأنت تمضي بلا وداع ، اعلل النفس انك لم تجد فرصة مناسبة ، للاتصال بي وتوديعي ، ولكن عائلتك التي تركتها وحيدة مريضة ، كيف طاوعك قلبك على نسيانها طوال خمس سنوات ، هل كنت تسهد الليل والنهار ؟
احضر نفسي لاستقبال عزيز على قلبي ، جاء بعد انتظار ، ترى كيف اصبحت ؟ وكنت الرقيق المحب ، وهل الرقيق الحنون يتناسى اباه الضعيف وأمه المعذبة ، ويتركهم لعذاب الوحدة وبرودة الشيخوخة دون استفسار ؟
اقمع اسئلة عديدة يطرحها عقل ما زال يعمل ، قد اجد لك عذرا انك لم تتصل بي ، ولكن ما علتك للانقطاع عن شخصين تعبا من اجلك ؟
لكل غائب حجته ، سوف تهل علي بعد غياب طويل ، وتشرح لي ما تعسر علي فهمه ، كنت تعاني في بلاد الغربة ، تدرس وتعمل كما يعمل الذاهبون الى هناك ، والطامحون الى احراز الدرجات الرفيعة والعلم الغزير.
اتناسى كل اساءاتك لوالديك العزيزين ، لقد حملتهما ما لاطاقة لهما به من عناء الحاجة ، باع والدك منزله ليبعث لك النقود ، وانت تتمتع ببلاد بعيدة ، ولا تبالي بما عانى ابوك الشيخ.
مالي ابعث اسئلة راقدة من عقالها ؟ لماذا تنهال على العديد من الاستفسارات عما فعلته في ديار الغربة ؟ هل تكون معذورا ، ولم تجد عملا يكفيك مؤونة السؤال فطلبت المال من ابيك ، وانت تعلم انه لايملك منه شيئا.
انتظرت هذه اللحظة خمسا من السنين ، وها اني راغبة باستقبالك ، بما انت أهل له من فرح ومسرة ، فكيف اضحيت بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن ؟ هل بقيت ذلك الانسان الحنون الذي يصفه ابواك ؟
طلبت ان استقبلك في منزلي ، ليكون اخي الوحيد حاضرا ، لانه اراد ان يثير خوفي منك
-هل تطمئنين اليه ؟ لقد باع ابوه المنزل البسيط الذي يسكن فيه من اجل ان يبعث له النقود.
– ساتي الى منزل اخيك غدا ، واليوم نلتقي في احد المقاهي القريبة.
قد تكون تغيرت الى الافضل ، من يدري ؟ خمس من السنوات ليس بالامر الهين ، كيف يمكن ان تكون ؟ بعد هذا الغياب ؟
الا تزال تؤمن بنفس الرأي القديم ؟ ان مضمون الشخص وجوهره افضل من الشكل ؟ كنت احاورك في هذا المفهوم ، لم تكن تريدني ان ارتدي الملابس الانيقة وان اضع المكياج ، تقول ان طبيعة الانسان احلى ، لهذا سوف اعمل بنصيحتك ، ولن اغير بشكلي ، فانا طبيعية لااميل الى التزويق والظهور بنقيض حقيقتي ، ساغير لباس العمل واتي اليك.
- ابوه الان يسكن في غرفة بائسة ، بعد ان توفيت امه ، يغسل ملابسه ، ويطهو طعامه ، وصحته ساءت ، ولا يملك اجرة الطبيب ، هل يمكنك ان تطمئني اليه ؟
استقبال بارد ، لم اجدك انت بدفئك القديم ، مخلوق اخر يشبهك ، اناقة مفرطة ، تبدو عليك الوجاهة والغنى ، لم اشعر انني خطيبتك ، وكيف لي بهذا الشعور وانت لم تتصل بي ابدا.
تجلس صامتا يظهر عليك الانقباض ، وانا اجد الاعذار لك ، قد تكون متعبا من نضال طويل استمر خمسة أعوام ، لكن الذي فجر بركانا من الاسئلة في داخلي ، ان سائلا يقترب منك
- من مال الله
تصرخ بوجهه صافعا اياه بقوة ، أ من اجل هذا سافرت ؟ وباع ابوك منزلا يأويه
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الصائمة
بعد دقائق ، يحين موعد أذان المغرب ، لم تجدي ما تضعينه على مائدة الإفطار ، انقطع الكهرباء ، واستمر انقطاعه أياما أربعة ، مما سبب تلف الأطعمة ، التي وضعتها في الثلاجة ، كنت تودين أن تجهزي بعض الأصناف ، التي تتزين بها مائدة الإفطار ، تتذكرين السنين الماضية ، حين كان المنزل يزهو بأفراد عائلتك المحبة ، وببعض الأصدقاء الذين يطيب لوالديك أن يكونوا معهم على تلك المائدة التي تزخر بالأطايب ، التي اشتهرت بإعدادها بيديك الماهرتين.
سافرت شقيقتك للمعالجة ، وبقيت وحدك ، أنت التي لم تري الدنيا ، ولم تدخلي الحياة ، قتلت الحروب أحبابك ، ووأدت الفرحة في قلبك المعنى ، بقيت في مكانك ، محرومة من الأليف الذي يضمك الى صدره ، تسمعين أصواتا بعيدة لإطلاق الرصاص ، ألا يرتاح الصائمون من هذه اللعلعة ، التي تربك منك الأنفاس وتقتل الشعور بالأمان ، ينعدم فيك الأمل ، ويخبو ضوءه ، الى متى المعاناة ؟ الا يكفي ما أريق من دماء زكية طيلة السنوات الماضية؟.
هلّ الشهر عليك بفرح ، وجاءك شعور من الحبور ، تكون أيامه منيرة ، ولياليه مثمرة بالعمل الصالح ، ولكن كيف يمكنك أن تقدمي المعونة لمن يحتاجها وأنت غير قادرة على المسير ، جارتك الطيبة التي كنت تشعرين أنها أم لك بعد وفاة الوالدة ، قد ودعت آلام الدنيا ، ورحلت وحيدة ، لم يبق بجانبها أحد من الأولاد والبنات ، وكأنها لم تنجب أحدا ، وجيرانك قد رحلوا نشدانا للأمان الذي تعذّر وجود بذوره في هذا المكان. ويبست شجرته واصفرت أوراقها ، وتكسرت منها الأغصان .
تشعلين الشمعة الطويلة ، بعد أن أعياك انتظار رجوع الكهرباء ، يمضك ما ألم بك من غربة وضياع آمال ، وتأملين أن تتحسن الحالة في الغد ، تتصلين بأختك المريضة ، لم تكوني بقادرة على فراقها ، ولكن مدينتك قد انعدمت فيها سبل الشفاء بعد أن تقاتل بنوها وترصد بعضهم بعضا بالعداوات.
- انا بخير ، اعتني بصحتك.
بقيت وحيدة ، ترنو نفسك إلى من يؤازرها في صقيع الغربة الذي تشتعلين فيه
- الله اكبر، الله اكبر
يأتيك صوت الرحمة ، ويهل عليك الاطمئنان.
تدخلين الى جوفك الظمآن ، بعض حبات من التمر ، وأنت تفكرين بشقيقتك المريضة ، مهما بلغ تعبك من الشدة الا انك أفضل صحة منها ،
- أختك بحاجة الى العناية المركزة
عائلتك كانت كبيرة قوية ، هاجر بعضهم ، ومات البعض الآخر
- اللهم ارحمهم جميعا ، الأحياء منهم والأموات
تتوالى أصوات إطلاق الرصاص ، وأنت تصغين ، كيف يمكن أن يطلقوا النار في شهر فضيل ؟
في العام الماضي كنتما معا ، أنتما الشقيقتان المتعاونتان ، تعين إحداكما الأخرى ، وتسندها ، الإنسان الوحيد ضعيف مسكين ، القوة مع الجماعة ، ولكن ماذا بإمكانك ان تفعلي ؟ وقد تبددت أسرتك الكبيرة ، وانفرط عقدها ، ومات أبواك الكريمان بعد ان أرهقت قلوبهما الأحزان.
تضعين ملاعق من الحساء في فمك.
- اعتني بصحتك جيدا ، تناولي كل عناصر الطعام.
سمعت النصيحة ونفذتها ، اشتريت المواد البانية ، ولم تكوني تعلمين : ان الكهرباء يستمر انقطاعها أياما أربعة ، أصاب التلف الطعام
تتناولين لقيمات من البطاطة ، التي وجدتها أمامك ، وصنعت منها صحنا ، أختك المريضة من يعتني بها ؟ من لك بشخص يسأل عنك ويرأف بحالك ، بعد أن انفرط العقد وتبدد الشمل ؟
تسمعين أصوات متفرقة ، لإطلاقات صادرة من بعيد ، ترغبين بالقراءة ، او مشاهدة التلفاز ، ولكن اليد قصيرة ، وأنت عاجزة
- الحمد لله
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
العانس
ارتديت أحسن ما لديك من ملابس ، ذهبت إلى مصففة الشعر ، لتعمل لك تصفيفة تليق بهذا اللقاء ، وضعت الأصباغ التي لم تكوني ترحبين بوضعها سابقا ، لقد بشروك انه قادم إليك ، وان السنين التي انتظرت فيها قدوم العريس لم تذهب هباء ، كنت تطمحين أن يحبك أحدهم ، بعد أن أعياك ان تجدي الحبيب الذي طالما حلمت به ، قد فر غير آبه بك ، لعله لم يكن يعلم : ان السهاد قد غلبك وأنت تفكرين به ، وتضعين الخطط كي يلتفت إليك ، ولكن كل محاولاتك ذهبت أدراج الرياح ، وأحب واحدة أخرى ، لم تكن أجمل منك ، فكتمت حزنك في القلب ، وقلت لنفسك ان الأمر لايعدو ان يكون حظا ، وانك لم تعتادي على ابتسام ذلك المخلوق بوجهك ، كان عابسا ، دائما أراك ظهره ، مات أبوك ، وأنت صغيرة ، ولم تجدي أبا رحيما يحنو عليك ، ويضمك الى صدره كشأن الآباء ، الذين كانت صديقاتك يقصصن عليك اهتمامهم ، وعطفهم وحبهم الكبير للبنات ، فحلمت برجل حنون ، يعوضك رأفة الأب المرحوم ، ويروي ظمأك الى الحب التي تجدين بذرته في أعماق قلبك تناديك. بكل حرارة المحروم .
أخبرتك صديقتك مها ، ان الرجل يريد الارتباط بك ، وان السفر والترحال في بلاد الله الواسعة ، قد أتعب قلبه ، وأضنى منه الفؤاد ، وانه يطمح بعد ذلك المسير ، الى الاستقرار ، في كنف زوجة عاقلة ، تعرف مميزات الأسرة الهادئة ، ولا تجري خلف التقليعات الغريبة ، وتعرف مالها ، وما عليها ، رحبت بالخبر ، رغم ما فيه من شروق قاسية ، الا انك تعبت من برودة الحياة ، التي وجدت نفسك وحيدة فيها ، ولم يقف بجانبك أحد من الأحباب والأصحاب ، وأين لك بالأحباب ؟ ، وقد فارقك الأب الحنون ، وأنت طفلة صغيرة ، من يهتم بأوجاع الأبناء ، ويحنو على ضعفهم مثل الأب ، فإذا ذهب بعيدا ، اختلت الموازين ، وتدهورت أحوال العالم ، وحل اليتم في الأفئدة ويبست القلوب.
تنظرين الى نفسك في المرآة ، أنت جميلة بكل المقاييس ، العالم من حولك أعمى ،
العيون واسعة كحيلة ، والصدر ناهد ، والأنف دقيق ، والحواجب كثيفة ، والرقبة طويلة ، والبشرة بيضاء صافية ، والشعر أسود طويل ، ينسدل فوق الكتفين ، والفم غليظ وكأنه خلق للتقبيل ، والخصر أهيف ، والورك عريض وووووو
تنظرين الى نفسك معجبة ، لقد زال حرمانك ، وهاهو قادم ، من يضع حدا لتعبك المرير ، وينهي معاناتك الباردة ، ويضمك اليه بلوعة المشتاق.
الهاتف يرن
- نعم ، صديقتي ، الرجل مشغول هذا اليوم ، سوف آتيك أنا بعد قليل.
- متى يأتي ؟
- ربما غدا
تضعين سماعة الهاتف ، وأنت جذلة ، سوف تنتهي متاعبك غدا ، وتهل عليك فرحة العيد ، بعد ان أوشك الهلال على الظهور.
- الرجل يبلغك تحياته ، وطلب مني ان أبلغك أنكما يجب ان تتفقا على بعض الأمور
- انا مستعدة
- لكل واحد منكما حريته المطلقة ان يفعل ما يشاء ، أنت متدينة ، تؤدين الفرائض ، وتحبين ان تقومي بالنوافل ، بعض الأحيان ، وهو لاديني يحب ان يكون حرا ، كما تحبين أنت ان تكوني حرة ، يمكن ان يشرب ويلعب الميسر ، ويجلب صديقاته الى المنزل ، كما انك حرة في ان تظلي على حجابك ، او أن تخلعيه ، أنت حرة كما هو حر ، يمكن ان تسافري الى أي مكان تشائين ، كما يمكن ان يسافر هو وقتما رغب.
تذهب صديقتك ، بعد ان تخبرك انها مكلفة بتبليغك طلبه ، ولأنك يجب الا تلوميها ، فليس لها ذنب ، ولماذا توجهين اللوم لها ، وهي تقوم بأنبائك آراءه ، تصعب عليك نفسك ، كيف تجعل الحياة ، أعزة القوم أذلة بعد تراكم الأيام وتوالي السنين ، فإذا الأذناب تصبح رؤوسا ، وإذا الأسود تتمرغ هاماتها بالتراب.
ولكن وضعك يؤلمك ، الى متى تظلين وحيدة منبوذة ؟ تقتلك البرودة ، وتفتك بنفسك اللامبالاة ، وتبدد طاقتك الغربة ، ظل رجل يدفئ بيتك المقرور ، ويضع حدا لمتاعبك.
- من قال انه يريحك ، هذا الذي يضع شروطا تعجيزية للارتباط ؟
وما الذي تخسرين ، أنت وحيدة معه او بدونه ، لماذا تترددين ؟ وافقي
سوف تزول بنظر الناس متاعبك ، لن تجدي نظرات الاستهانة والإشفاق ، تلاحقك أينما حللت ، نظرات ملؤها الرثاء من واقعك الأليم.
سوف توافقين على شروطه ، وترسمين على ثغرك ابتسامة السعيدات ، انك لم تقضي الليل وحيدة ، تتقلب على فراش قاس كالأشواك ، أنت زوجة ، وبجانبها رجل ، ملء السمع والبصر. لن تواجهي نظرات الشماتة ، بعد اليوم
غدا حين يأتي ، ستحل السعادة في وجدانك ، وينبعث صوتك مغردا مرحبا بالحدث السار
سوف تعتنين بنفسك ، وترتدين أجمل ملابسك ، وتصففين شعرك على أحدث طراز ، وتضعين عطورك الرائعة ، لقد وصفوك بالجميلة ، وحان لك ان تكوني جميلة حقا بعيون رجل ، وليس فقط بعيون النساء ، ليضع شروطه ، وأنت تتمسكين بما ترينه مناسبا لك ، كلاكما حر في التصرف كما يرغب ويريد.
لماذا أنت حزينة ؟ وما الذي تخشينه ؟ وليس في حياتك ما يمكن الخوف من فقدانه ؟ مرحبا به ، الفرحة حلت بأرضك ، والابتسامة رسمتها على شفاهك ، غدك سيكون أحلى من أيامك المنصرمات.
تسرّحين شعرك ،ويعلو صوتك مترنما ، بأعذب الأصوات ، أنت سعيدة الآن ، لقد ولت أيام السهد ، والقر الى غير رجعة.
يأتيك صوت مها مجددا
- عزيزتي ، حين أرسلني إليك ، أخبرك بشروطه ، بعث صديقتنا منى الى إحدى معارفنا ، لتخبرها بنفس الشروط
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
القســــــــــم
ما زالت رسائله تواصل الإنهمار علي ، سائلة إياي إن كنت غاضبا من تصرفه ، وكل مرة أجيبه بالنفي ، فهو عزيز لدي وأثير على نفسي ، ومن المستحيل أن يؤدي تصرفه الى غضبي ، أو إلى إثارة نقمتي ، كل ما في الأمر انه قد أثار حيرتي بأعماله التي لا أجد لها تفسيرا ، وانه يجعلني أشفق على نفسي ، فانا أحبه كثيرا ، رسالته الأخيرة تنبئني انه عرف أخيرا بحقيقة الأمر ، وانه تسرّع بإصدار حكمه على ظواهر الأمور ، وكان من واجبه أن يتريث قليلا ، ليتيقن من دو اخل نفوس البشر ، وتصرفاتهم الغريبة التي تدعو الى الاندهاش..
حاولت مرارا أن أتناسى الأمر ، مسدلا عليه ستار التغاضي ، ولكن رسائله ما فتئت تذكرني إنني شخص مجنيٌ عليه أحيانا ، بسبب طيبتي المفرطة او سذاجتي التي لا مبرر علميا لها..
لم يطلب مني احدهم القسم، على أمر من الأمور ، فقد كنت دائما موضع ثقة ، وأنا أتحرج من هذه المسألة ، لماذا يطلب شخص ما منك ، ان تقسم له بأغلظ الأيمان انك لم تقم بعمل؟؟ ، قد اتهمك به أحد المغرضين ، مررت بلحظات عصيبة كنت ألاحظ تكذيبا لما أقول على سنحة السامع ، ولكني حين أنظر إليه يسارع الى القول
- إني أفهم كلامك ، استمر
يقول أصدقائي إن وجهي كتاب مفتوح ، يمكن لمن يتحدث معي أن يلمس صدقي ، فإن كذبت ظهرت علامات الكذب ، واضحة على محياي..
ولكنً هذه المرة أتاني طلب ، من إنسان قريب مني ، أكن له كل الود ، أن أقسم وبكتاب الله أن ما تقوله هذه المرأة كذب واحتيال ،
أُخذت على حين غرة ، أردت أن أدافع عن نفسي ، فلم يشأ لساني ان يتحرك ، وشعرت ان قوة كبيرة تجثم على أنفاسي ، وتسلبني الإرادة ، وان خصمي أشد مكرا مني ودهاء ،وأنني كنت دائما سليم النية طاهر الطوية.
الرسالة الأخيرة أمامي ، تنبئني انه عرف الحقيقة أخيرا ، وانه تسرّع كثيرا في الحكم ، مما سبب التضحية بصديق عزيز ، من الصعب جدا العثور على مثاله في هذه الأيام…
أتتني السيدة زوجته ، تريد ان تستلف مني نقودا ، لأنها صرفت ما هو مخصص لإيجار المنزل ،في شراء حاجات خاصة لها ، وأنها لم ترد ان تخبره بالأمر ، لئلا يغضب ويثور ، وأنها سوف ترد لي ما أخذته بعد ثلاثة أيام حين تسأل أخاها ان يمنحها ما تريد .
تمضي الأيام الثلاثة ، والأسبوع ،ثم يمر شهر ، أكون بحاجة الى استرداد نقودي ، فأنا موظف ، ولا أملك فائضا من الأموال.
تفاجئني التهمة ،التي لم أكن أتوقعها أبدا ، ومن أخت لي ، وزوجة أعز صديق
- صديقك يراودني عن نفسي.
يستبد الغضب بصديق العمر ، وكأنه لم يعرفني أبدا.
- ليقسم كلاكما ، هذا القران
مشهد تمثيلي لممثلة ماهرة ، تبكي بحرارة لا مثيل لها ،وتقسم بأيمان مغلظة ،
- وحق كلام الله ، صديقك أتاني.
يستبد بي الغضب ، ولا أعلم كيفية التصرف، في هذا النوع من الأمور الذي يداهمك ، على حين غفلة منك ، ولم أستطع أن اغير طبيعتي ، التي تميل الى تصديق الناس ، وتبرير أعمالهم ، وخاصة إن كانوا أصدقاء خلص ، يعز مثيلهم في هذا الزمن الموبوء .
وها هي رسالته تأتيني ، فأقرأ فيها حرارة الصداقة التي إفتقدتها ، لعل الأيام تنسيني ما سببت لي من جروح .
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
وجاهة
المطعم في ازدحام رهيب ، حركة دائبة وطلبات لا تنتهي ، منذ اشتغلت فيه منذ ثلاث سنوات ، وأنا أتحرج من الظهور أمام الناس ، وأخشى ان يعرفني احد النزلاء او الضيوف الكثيرين ، الذين يترددون على هذا المكان ، فتسقط هيبتي ، وأصبح موضع هزء وسخرية من قبل الجميع ، انا رجل مسالم ، احرص دائما على إرضاء الجميع ، وان كانت الحكمة العربية تقول ( رضا الناس غاية لا تدرك) الا إنني اجتهدت كثيرا فيما مضى من أيامي لأحافظ على احترام الناس وتقديرهم ، الناس كلهم يحافظون على المظاهر ، ما شأنهم بما اعمل ، وان كان شغلي الذي يدر علي الربح الحلال محترما ، لم يراه الناس من الأعمال المحتقرة ؟، استطعت بالعمل الإضافي الذي أقوم به بعد الدوام الرسمي ، ان احصل على منزل محترم ، يحتوي على حديقة جميلة ، زرعتها بأنواع من الأشجار الباسقة ذات الثمار اللذيذة ، أشجار نخل فارعة ، وكروم تتسلق الجدران ، ورمان ، مع ورود مختلفة الألوان والأنواع ، رائحتها تخلب الألباب ، وتمتلك القلوب ، نصبت الأرجوحة التي طلبتها زوجتي الحبيبة ، نجلس في الأماسي التي تبقى لي ، بعد الانتهاء من عمليّ الاثنين ، ساعات قليلة ، اقضيها في راحة من عناء الأعمال الكثير ة ، والتي تثير في التعب طوال النهار ،
استمع الى أحاديث زوجتي التي لا تنقضي ، ومطالبها التي تتجدد كلما نفذت إحداها
- سيارتنا أصبحت قديمة الآن
المطعم في حركة دائبة ، استمع الى طلبات الزبائن ، وأنفذها في التو ، من طبيعتي ، أتميز بالنشاط ، لااحب الكسل والتباطؤ في الحركة ، ما ان يطلب مني احدهم شيئا حتى أسارع الى تلبيته على الفور ، هذا رزقي ، وعلي ان أحافظ عليه كما اعتني بعيني
أسجل كل ما يطلبونه مني ، شراب ، طعام على اختلاف أنواعه ، مطعمنا يقدم كل أنواع الأطعمة ، المشرقية والمغربية ، وأصنافا كثيرة من أنواع المقبلات والسلطات
هذا الصباح كان متعبا لي ، طلاب الثانوية ، يرهقونني بأسئلتهم التي لا تنتهي أبدا ، وخاصة الطالب المشاغب حسام ، يمطرني باستفساراته عن الأمور السياسية التي يعلم تمام العلم أنها من الأحاديث الممنوع التطرق اليها داخل الفصول ، سألني بوقاحة حاولت الا أبدي اهتمامي بها
- ما رأيك أستاذ ، هل يعتبر الشخص الخائف الجازع ، مخلوقا طبيعيا ؟ ألا ترى انه في منتهى درجات الجبن والخنوع ؟
أحاول أن أقنعه أنني موظف لدى الدولة وعلي ان أنفذ برامجها التعليمية ، دون التطرق الى الأمور السياسية التي أجدها تشتت أذهان الطلاب وتبدد انتباههم ، ولكن كل ما أقوم به لكسب هذا الطالب المشاغب الى صفي تبوء بالفشل الذريع ، رأسه جامدة ولا يقبل الإقناع ، تماما كما كنت أنا ، في مثل سنه.
ناقشتني أختي هذا الصباح بوضعي ، استنكرت هي ان أقوم وأنا الأستاذ بعمل النادل بعد ساعات العمل الرسمية ، وحين وضحت لها حالتي الصعبة ، وان راتبي المتواضع لا يكفي للقيام بمتطلبات أسرتي ، ظهر عليها الإنكار لكلامي
- أي أسرة ، زوجتك الأمية لوحدها ؟
انا رجل مسالم ، زوجتي امرأة ، ومن حقها ان تطلب مني ما تريد ، من يفيها حقوقها ، وهي جليسة المنزل لم تحصل على تعليم كاف.
وهذا الصباح حين ناقشني الطلاب بالأمور السياسية ، وكيف يكون الإنسان المحترم ، وان الشخص المناسب في المكان المناسب ، سمعت قهقهات مكتومة من الطلاب يحاولون إخفاءها ، كنت سابقا محل التقدير والاحترام ، وحين اخذ عصام هذا يقود الطلاب ، ويقنعهم بمناقشة الأمور الممنوع مناقشتها في حصة الدروس الاجتماعية. وجدت ان منزلتي التي كنت احرص عليها بين الطلاب ، قد أسيء إليها كثيرا
المطعم هذا المساء في حركة دائبة ،وازدحام قل نظيره في المساءات الماضية ، ربما لان غدا يوم عطلة رسمية ، الكراسي حول الموائد قد امتلأت بالضيوف ، وكل منهم يطلب شيئا مني ، أسجل الطلبات ورقم كل مائدة وأنواع طلباتها
- أنت ترهق نفسك بالعمل ، دعني أساعدك
مسكينة زوجتي تريد ان تعينني ، كيف يتأتى لها مساعدتي وهي لم تكمل الثانوية العامة
أنهيت تنفيذ ما طلبه الزبائن مني ،
- أيها النادل ، تعال هنا
يسكب الزبون العصير على المائدة آمرا إياي
- هيا أيها النادل ، امسح ما هرق مني من شراب
- اعتدت دائما ان اضبط أعصابي ، وألا أدع الزمام يفلت مني ، أتنفس بعمق ،محاولا إدخال ما تيسر من هواء الى رئتي المتعبتين ،بهدوء ذهبت الى المائدة المعنية ، ومسحت ما فيها من بلل ، ينطلق صوت أعرفه جيدا ، كم أتعبني شغبه
- مرحبا أستاذ
الروائية صبيحة شبر
قصص قصيرة” لستَ أنت”
أبناء أبرار
أويت الى غرفتك النائية ، بعد أن غيرت ترتيب أثاثها ، ورغم صحتك المتدهورة ، حملت القطع الثقيلة ، ناقلة إياها من مكان الى آخر ، عل أحدا منهم يتذكرك في هذا اليوم ، الذي بدا منذ الصباح جميلا ، ساطع البهجة ، مزدانا بالروعة ، جمال الورود التي طلبت من جارتك ان تأتيك بها ، تعلمين أنهم يحبون رائحتها الزكية ، التي تنبعث من مكان يبتهج بمرأى الورود البهية ، وبعطرها المهيمن على أجواء الاحتفالات الأليفة.
نقلت قطع الأثاث من مكانها المعتاد ، الى مكان بدا لك أنها ستكون أجمل فيه ، لم تستطيعي ان تبتاعي قطعة جديدة ، كانوا يعتمدون عليك ، في توفير طلباتهم التي لاتنتهي أبدا ، رغم أنهم يعملون ، وأنت بقلبك المفعم حنانا ، تسارعين الى تلبية ما يشيرون إليه ، من أنواع لاتخطر على البال ، يتفننون في العثور على لائحة ، مما يبعث الفرح الى نفوسهم ، وأنت تضنين على نفسك فيما هو ضروري لها ، وحتى الدواء .
- راقبي صحتك سيدتي ، وخذي الدواء في أوقاته.
كل يوم لهم طلبات جديدة ، لم تقدري حيالها على الوفاء بما ينصحك به الطبيب ،
- صحتي ممتازة ، والله وهبني قدرة على الاحتمال ، وهم أحبتي
تغير شكل الغرفة ، بدا جميلا جديدا ، رغم أثاثها القديم ، الذي استطعت ان تقتنيه حين كانوا صغارا ، واحتفظت به ، ولكن اضطرتك الحاجة ، إلى بيع ما تبقى من أثاث المنزل ، حين توفى زوجك ، لم تعودي بحاجة الى الكثير ، هم أولى به ، سوف تعرضينه على البيع ، لتوفري بثمنه بعض ما يشتهون.
يوم جميل ، جهزت له نفسك ، هيأت أطعمة تعرفين ان أحبابك يرغبون بها ، ذهبت الى أسواق بعيدة ، لتوفيرها في هذا اليوم
المنزل الذي أويت اليه بعد تفرق الأبناء ، كل الى جهة بعيدة ، لمست فيه حنان السكان وتآلفهم ، لايضنون عليك باللمسة الرقيقة ، والكلمة المشجعة ، التي تمنحك طاقة لاحتمال آلام الحياة وأهوالها.
الوقت يمر ببطء ، وأنت تنظرين من النافذة ، حتما سيمرون عليك
ليقولوا تلك الكلمة العذبة ، التي طالما أسعدتك.
- عيدك سعيد يا أمي
وكان المنزل مليئا بالمحبة ، وزوجك باسط ذراعيه الحانيتين ، يتغلبان على أية هفوة من الأبناء غير مقصودة ، قد تسبب لك الألم
وأنت تسامحين ، وتغفرين الزلات العفوية ، وتتناسين حقوقك ، مؤدية واجبات الأم والصديقة ، والأخت الكبرى للأبناء ، انه يومك وسوف يهرعون لإسماعك الكلمة ، التي عشت طوال عمرك تستعدين لها
تعبت وجاهدت ، وبذلت سنين عمرك من اجل إسعادهم ، وتحملت الضرر وضحيت بما هو من حقك ، كي ترينهم رجالا يسعدون من حولهم ، وها أنت هذا اليوم تستعدين لسماع كلمتهم الحبيبة.
- عيدك سعيد يا امي
تمر الساعات ثقيلة ، وأنت لهفى ، تنتظرين ان تهل سعادتك ، وان تسطع شمسك ، وتنبثق أقمار الحياة مغنية لك ، وقد حققت انتشاءك ، ووصلت الى ما يحلم به قلبك ، من روعة المحبة التي تغمرنا بالغيث ،اذا ما سقطت قطراتها على نفوسنا الظمأى الى كلمات الحب،
حتما إنهم أولادك ، حريصون على هنائك ، سوف يسارعون الى غرفتك النائية ، ليلقوا عليك التحية ، مهنئين بيوم ليشبه الأيام الأخر جمالا ، لأنهم لم ينسوك ، وسطعت شموس مودتهم على حياتك اليابسة ، فأنعشتها
- أيامك هانئة أمي
تمضي الساعات ، ونظراتك معلقة على النافذة ، عل احدهم يسرع ، ليضع حدا لمعاناتك التي لاتنتهي ، أنت الثكلى وأبناؤك أحياء يرزقون
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
التشخيص
أصبحت فرحة هذه الأيام ، مستبشرة ، أتفاءل بالخير الذي يغمر الغد ، ويحيط بالعمر القادم فيحيله الى جمال اسر ، اغني بكل قوة وادع نسمات الهواء العليلة تداعب وجنتي ، آن لي أن افرح ، وان أعانق الأحباب ، مهنئة إياهم بانبثاق فجر جديد لا الم فيه ، بعد أن ولت المعاناة ، وأشرق السرور في حياتي ،بعد ان يئست من إمكانية اندمال جروح نفسي ، ومتاعب روحي ، وأوجاع البدن
ابتسم الطبيب مداعبا :
- اضحكي للدنيا ، زالت متاعبك ، وولت عنك الأسقام
نبأ سعيد طالما انتظرته بلهفة كبيرة ، ان تزول أوجاعي ، وان اهرق قناني الدواء الكثيرة المتراكمة من حولي ، فقد استطعت أخيرا ان اقضي على متاعبي الصحية ، واخفف من أسقام روحي
- كنت مواظبة على استعمال الدواء كما نصحتك
قناني كثيرة تتراكم من حولي ، وتأمرني بالانصياع لها ، و التقيد بما يقوله الطبيب ، وإلا انقلب الحال علي ، وولت صحتي ، وابتسم المرض الخبيث ساخرا من محاولاتي الكثيرة لوأده
دواء حين الاستيقاظ ، حبات تحت اللسان ، تذوب ببطء كبير ، ودواء آخر في تمام الساعة العاشرة صباحا ، ودواء ثالث بعد طعام الغداء مباشرة ، ودواء رابع في الرابعة مساء ، وآخر قبل الإخلاد الى النوم ، أحاول دائما الحرص على التوقيت ، لئلا اقع في مضاعفات لا امن شرها ، اليوم فقط بعد مرور سنوات ثقيلة طوال ، يبشرني الطبيب ، أنني أحرزت تقدما ملموسا في وضعي الصحي ، وانه حان لي أن اضحك للدنيا ، التي طالما عبست في وجهي ، وارتني وجهها الكالح ، وطبعها اللئيم ،
فرح كبير لاعهد لي به يهيمن على نفسي ، فاشعر ان شلالات من البهجة ، تحيطني بذراعيها الحانيتين ، وتطوقانني بما عهدت فيها من دفء اسر ، رحماك ربي ، يا من تغير الحال الى نقيضها في لحظة واحدة ، سوف افتح مسامي جميعا لاستقبال الفرحة الكبيرة ، التي حلت أخيرا بأرضي ، وابتسمت مرحبة بقدومها الي ، بعد هذا الحرمان الطويل ، ألا ، أهلا بشروق الشمس التي ظننت انها آفلة دوما
- يمكنك ان ترمي بقناني الدواء بعيدا ، لقد برئت ، ولكن احتفظي بدواء واحد ، ريثما يتم الاطمئنان التام على صحتك ، سوف أحولك الى لجنة طبية مختصة ، للبت في أمرك ، مجرد شكليات ، ويغلق ملفك المرضي ، وتتحقق الفرحة الكبيرة ، وتزرع أرضك شتلات من الأمل ،، والثقة المنشودة ، سوف أكون في شعور من الغبطة والفخر ، أنني استطعت ان أقاتل الداء في أعماقك ، لأحولها إلى بساتين من الصحة والهناء.
سعدا لي ، وبشرى أزفها لكل من واساني في محنتي ، وأرسل لي كلمات تشجيع ، في مصابي الجلل ، ونصحني ان أتسلح بالصبر والثبات ، فهما خير سلاح لمقاومة الآفات الفتاكة ، والسموم القاتلة ، وضمان أكيد للبرء من الإمراض الخطرة التي لاعلاج شاف لها
رسائل سأدبجها بيراعي ، شاكرة من كتب لي ، كلمات تحمل النصح والإرشاد ، وأنا أتلوى ، كغصن شجرة ، أصابتها الريح العاتية ، فقطعتها من الجذور ، سأعلن للجميع ، من كان صادقا منهم أو مرائيا ، انني استطعت بالصبر الذي وصفوه لي ، ان استرد عافيتي ، وان أعود الى عهد الصحة والشباب ، اللذين سلبا مني ، ووضعت اليد عنوة على ما أتمتع به من ارادة قوية ، لايفلها حتى الحديد
هنيئا لي ، أنني استطعت ان اجعل الطبيب المداوي ، يسترد ثقته بما وصفه لي من علاج طويل الأمد
- احتفظي بدواء واحد ، لجنة مختصة سوف تنظر في حالتك ، وتمنحني شهادة تقدير انني استطعت ان أشفيك من المرض اللعين الذي أستوطنك.
وقت قصير ، وتنتهي معاناتي ، واستطيع ان اضحك بملء فمي ، ان ارقص مستبشرة ككل المخلوقات الناطقة ، وان أعانق من أحب ، وان استقبل الشمس بعيون مفتوحة .
اللجنة الطبية سوف تراني الآن ، وتختم مؤيدة ما وجده الطبيب المعالج ، من ثورة في صحتي ، وسوف أعوض ما فاتني ، الدنيا ما زالت تفتح ذراعيها ، مرحبة بعودتي إليها بعد غياب أرغمت عليه، ، وليس بمحض إرادتي ، الا اضحكي أيتها الحياة معي ، ورحبي برجوعي الى أحضانك الحانية ، وصدرك الدافيء ، وأفيائك الجميلات
يأتيك صوت ينادي :
- السيدة سهاد
تحليلات قليلة ، أشعة وتحليل للدم ، وينتهي كل شيء ، وتعودين ظافرة مبتهجة ، لأنك انتصرت على جيوش العدوان التي عاثت فسادا في جسدك ونفسك.
- انتظري قليلا
لا تضرك لحظات من الانتظار ، وأنت واثقة أن الغلبة لك ، بعد ان اشتدت المعاناة ، وأقضت مضجعك الجراثيم ترتع في دمك ، ولا من منقذ يقيك من عدوانها الأليم.
- السيدة سهاد ، يؤسفنا ان نخبرك ان تقرير الطبيب المعالج ، تنقصه الدقة العلمية ، وإننا بحاجة الى إجراء الفحوصات ومن جديد على حالتك ، فأنت تزدادين سوءا
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الصورة
انظر الى صورتي في المرآة ، ويرعبني ان تلك المخلوقة الغريبة عني ، تبتعد بجسمها ، راغبة عن لقائي ، وحين أحاول الابتعاد ، أجدها تقترب بحذر ، اسرق نظراتي إليها محاولة ان أبدو عديمة الاهتمام ، بما تسعى الوصول اليه من إثارة غضبي ، او التسبب في نقمتي ، الذي يدهشني ويرفع من درجة حيرتي ان هذه المخلوقة التي أراها ماثلة أمامي بغضب وترقب ، وكأنها مجبرة على القيام بعمل قذر لا تريده ، وترغب لو تمكنت من إبعاد نفسها عن تبعاته المؤلمة ، إنها بعيدة الشبه بي ، ولست ادري من جعلها عالقة بي ، ومن اخبرها أنها ظلي تريد الانعتاق من سلطاني ، والتحرر من سطوتي ؟ هل حاولت تقليدها مما أثار استياءها ؟، وولد في نفسها شعورا كبيرا ، من الإحساس بالظلم وعدم الإنصاف ، او إنني قد نطقت ببعض الكلمات ، التي تتناقض تناقضا صارخا مع ما تدعوني اليه ،من سلامة الموقف والثبات على الرأي ، أحاول ان أدافع عن صحة موقفي وإنني بريئة مما يريدون إلصاقه بي ، من مؤامرات بعيدة عن المنطق والصواب ، وكلما حاولت الاقتراب منها ، كي تتمكن من الاستماع الي لتبيان الأسباب التي دعتني الى نطق تلك الكلمات ، التي أثارت الحفيظة ، وجعلت سهام الاتهام تتوجه الي الواحدة تلو الأخرى ، وانا اطمح ان تدافع عني ،هذه الشخصية الغريبة التي أجدها أمامي ، وحين أريد التقرب تولي مذعورة ، فارة من لقائي ، ترى ماذا اخبروها عني ؟ وكنت أظن أنها لايمكن : ان تصدق بالوشايات الكثيرة الراغبة في تشويه موقفي ، واتهامي بما لم أقم به من مواقف ، ولم أفه به من أقوال ، اقترب منها طامعة في حسن إصغائها ، وفي كل مرة تجد ني اقترب ، تبتعد بسرعة كبيرة لاتدع لي مجالا للتصرف ، هل هي صورتي أنا ، ام صورة احد عذالي ، وانا لم اقم بما يثير العذل من أحد ، انظر اليها مليا محاولة استكنا ه تصرفاتها التي بدت أكثر غرابة ، مما هي عليه في باقي الأيام ، هل انا واهمة ؟ هل تتراءى لي أمور غريبة هذا اليوم ، نعم انها صورتي ، وان بدا شعري مختلفا ، وعيناي منطفئتين وكنت اظنهما متوقدتين ، ارفع يدي إشارة بالتحية ،فتدير وجهها عني ، من يمكن ان يلعب على صورتي ؟ مشوها سيرتي ، ناقلا لها كلاما لم أعن معناه الظاهر ، أحاول التحدث بصوت عال ،علها تسمع وجهة نظري ، أفاجأ أنها تضع يديها على اذنيها مغلقة إياهما عن سماع دفاعي ، ماذا افعل ؟ وقد سدت بوجهي المنافذ ، وأغلقت أمامي الأبواب ، اكتب كلمات على ورقة ، اعبر فيها عن شدة حزني لموقفها ، وابتعادها عني ، تمسك ورقتي وتمزقها وترميها بوجهي
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
التابعة
طالما أرهقتني بطلباتها العسيرة ، وانا اسارع الى تلبية كل ما ترجوه ، وما تتمناه من أشياء قد تكون بعيدة ، عن القدرة على التصديق ، وكثيرا ما كنت أسمع نصائح جادة من أشخاص معروفين بالانصاف وحب العدالة ، انني يجب ان انتبه لنفسي ، وان أحرر ارادتي من الانصياع لرغباتها الكثيرة ، والتي يرهقني الوفاء بها ، وأمانيها المتزايدة على الدوام ، ما دامت تجد مني مسارعة الى تنفيذ ما تأمرني به ، استمع الى النصائح التي اعلم تمام العلم انها مخلصة لي ، ولكن ماذا افعل واليد قصيرة كما تعلمون ، وانا وحيدة والدي ، وليس لي صديقات استمع لكلامهن ، واسير حسب مشيئتهن الا سلوى ، التي مهما بلغت سيطرتها على شخصي الضعيف المتواضع ،الا انني أجد نفسي معزولة في هذا العالم الغريب ، ان خاصمتني يوما لتقاعسي عن تلبية طلباتها الشاقة المؤبدة ، حالما انتهي من اعداد واجباتي المدرسية ،حتى أسارع الى منزل سلوى ، استمع بانبهار يثير فيها الفخر ، الى ما ترويه من حكايات ، اعرف انها مبالغ فيها كثيرا ، وقد لاتتضمن من الصحة الا خمسا في المائة ، ولكن ماذا افعل وانا غريبة ، لااحد يحدثني عن امره ويخبرني عن أحواله ، وكيف قضى نهاراته ؟ ، الا تلك المخلوقة التي مهما قالوا عنها ، أنها متكبرة ومغرورة ،الا انني اسارع الى منزلها كل يوم لأمتع نفسي برواياتها المثيرة للاعجاب .
ولا ابالي ان نعتني احدهم ،باحدى الصفات البعيدة عن حقيقة شخصيتي ، كل ما ارجوه ان اكون قريبة من محمود ، ذلك الرجل الذي طالما داعبت شخصيته خيالي ، اعرف انني امرأة لاتحسن التعبير عن نفسها ، لاتظهر عليها عواطفها ، ولكن من يعلم ؟ ربما عرف بحالي ، وما أقاسيه وانا ساهرة طوال ليلي ، أتضرع الى الله ان يجعله يرأف بحالي ، ولكن كيف يمكنه ان يهتم بأمري ؟ ، وانا شبه خرساء ، لااحسن الا خدمة صديقتي سلوى ، والتفاني في ارضائها.
خلقني الله هكذا ، لاأثير الالتفات ، مع انني أحمل صفات ناصعة ،كما يقول العارفون بكنه الامور وحقيقتها ، سلوى حبيبتي قد تعرف حالتي ، وقد اقتدي انا بها ، فأصبح امراة تحظى بالاهتمام ، وانا لااطمح الا بان يراني محمود ، ويعرف كم أعاني من عذاب الوجد ، ومن عناء الهوى ،وما أقاسيه من ابتعاد الناس ، الذين لاأبالي بأمرهم ، الا هو المخلوق الأثير
لااحسن رواية الاحاديث ، وان كنت اعرف الكثير من الحكايات ، وحين اخبر سلوى باحدى الحكايات التي سمعتها ، تسارع هي الى اضافة التوابل والبهارات الى ما سمعته مني ، فتأتي قصتها اجمل من قصتي ، واشد فتنة ومهارة ، استمع اليها بشغف ، متناسية انها من قصصي انا.
احل لها التمارين المدرسية ، وأقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها خير قيام ، اذهب الى المكتبات لكتابة أحد البحوث ، الذي طلبه الاستاذ منها ، وانا راضية مغتبطة ، ما دامت سلوى راضية عني ، وحين تأتي نتائج الامتحان اكون عالمة بها في البداية ، فانا لااحرز الا على الدرجات الدنيا ، اما سلوى المجتهدة اللبقة ، فانها تكون في مقدمة الناجحين والناجحات
اكوي لها ملابسها ، واخرج انا مرتدية لباسي بلا كوي ولا ترتيب ، انا طبيعية ، لااحسن تزويق الأمور ، والجري وراء المظاهر الخداعة ، كل ما في قلبي يظهر على لساني ، اقول للقبيح صراحة عن صفة القبح ، دون ان اخشى شيئا ، فابتعد عني الأصحاب ، وتجنبني الأحباب ، وكل منهم يجد انني لااحسن الصحبة ، ولا احترم الصداقة ،الا سلوى ، بقيت ملازمة لي ، تستقبلني في منزلها وتحدثني بحكاياتها الجميلة التي لاتنقضي.
انتم لا تعرفون صديقتي سلوى ، الانسانة الخلوقة المبتسمة على الدوام ، الطموحة التي تحسن معاملة الناس ، الذين تهمهم المظاهر فقط ، ولا يحاولون ان يعرفوا شيئا عن الجوهر ، يشتري لي ابي الملابس الانيقة وحين ارتديها ، تبدو على جسدي بالية عتيقة ، وحين ترتديها سلوى تبدو ساحرة الجمال ، الجميع يتغنى بفتنها وجلالها وبهائها ، ان ذهبنا معا في نزهة او مشوار ، سارت أمامي والجميع ينظر اليها بافتتان واعجاب ، يظنون انني خادمتها ، مع انها صديقتي الوحيدة.
افرح حين تحقق سلوى احدى امنياتها الكثار ، ويتملكني السرور عندما تصل الى مبتغاها ، أحببت محمود بصمت ، دون ان احدث احدا بقصتي ، كنت اهديه وردة فيظن ان سلوى هي الواهبة.
جاءتني يوما لتزف لي البشرى
- انت صديقتي الحبيبة ، وسوف تفرحين لفرحي
يتحدثون عن الحب والغيرة ، لماذا أغار ومحمود لم يلتفت لي يوما ؟، اخفي شعورا بالمرارة يحيط بي ، هل أظل هكذا شخصية هامشية ؟ وكيف أتغير ؟ والجميع يرى انني امّعه بائسة .
أشعر احيانا بضرورة ان أتغير ، ولكن سرعان ما يصدمني سؤال غريب يلح علي باستمرار :
- لماذا التغير ؟ وحلمي الوحيد أفل نجمه واندثر.
ألعق جراحي وخيباتي وانا ارسم ابتسامة ، كل من رآها يعرف ان صاحبتها امراة بلهاء لايرجى شفاؤها
اتناسى اخفاقاتي ، والازم سلوى ، وألبي طلباتها
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
جارتي والحرب
تأخذ المراة الجارة ، بالتنقل بين غرف المنزل ، مرتبة ، منظفة الأثاث من الأوساخ العالقة ، ماسحة الغبار المتراكم ، بقطعة قديمة من قماش ، استمع الى صوت فيروز الجميل المنعش ، بعد أن هدني التعب ، وأمضني الترقب ، وحاولت الاستسلام للنوم ، فجاء متقطعا على غير رغبة مني ، اشعر ان جسدي منهك وروحي متعبة ، بذلك الألم الشديد والمتواصل ، والقلق المستمر ، ولكني حين رأيت جارتي تتنقل في أرجاء المنزل ، لتبعث بالحيوية المفقودة ، من جراء الإجهاد الطويل شعرت بنوع من السعادة ،كنت افتقده
اسمع صوتا خافتا للمذيع ، وهو يقرأ نشره الأخبار الأخيرة ، القتلى بالآلاف ، والجرحى يتكدسون على ممررات المستشفيات ، يحلمون بالشفاء العاجل ، بعد ان أصابت أرواحهم القنابل الفتاكة ،قبل ان تصيب منهم الأجساد
المراة النشطة ، خفيفة الحركة ، تتنقل كالنحلة من مكان الى آخر ، تدخل الى المطبخ لتهيئ لي طعاما مقويا ، يساعدني على استرجاع عافيتي الناقصة ،ويعين في الإكثار من در الحليب ، فكري مشغول ، والأوجاع تستبد بي ، ماذا يمكن ان يحل بهم ، ليمنعهم من المجيء الي كما هو دأبهم ، ولم اسمع الهاتف يرن ليطمئنني ، على سبب غيابهم الطويل ، كنت آمل ان استمع الى صوتهم الحنون المميز ، والذي يحمل لي غصونا خضراء من الحب والجمال
- حساء الخصروات غذاء مجرب ، وهو سهل الهضم ، لذيذ المذاق ، يساعدك في عملية الإرضاع
استمع للمراة القادمة الينا ، بعد ان أعياني الحال ، وأدركت ان الوالدة لا تستطيع المجيء ، على اثر المنع الجديد للسفر ، الذي طال كل المواطنين الا من استطاع ان يحصل على توصية من بعض مناطق النفوذ
خفت ان أكون وحيدة ، وأنا أترقب هذا الحدث السعيد ، الذي أشهده لأول مرة ، وكدت أموت خشية ، من عدم التمكن من استقباله
يستمر المذيع في إلقاء نشرته الإخبارية ، والعدد الكبير من القتلى والجرحى ، والمفقودين في تلك الديار الغريبة ، يفجعني ، أتساءل بيني وبين نفسي
- لم يشعل الحكام الحروب ؟ وما الفائدة منها ؟ ولماذا يحشرون الناس عنوة في تلك الجيوش ؟
تواصل المراة الجارة تنقلها ، في أنحاء المنزل الواسع ، الذي أصبحت غريبة فيه ، ومهجورة بعد ان سافر لأداء واجبه العسكري كما قال ،تساءلنا ، ماهو الاسم الجميل الذي نطلقه على وليدنا المرتقب ، عددنا الكثير من الأسماء الرائعة وذات المعاني السامية ، ولم نكن نفضل جنسا محددا ، كل ما يرزقه الله جميل
اسمع صوت تنظيف الصحون من المطبخ ، كانت كثيرة ، ولم اقو على أداء ذلك الواجب الثقيل ، بعد ان ثقل حملي ، وأصبح السير شديد العبء ،كذلك الوقوف الطويل ، وحتى الأشغال المنزلية التي كنت مدمنة عليها ، أضحت صحتى عاجزة عن القيام بها
تأتيني المراة بقدح من الحليب الساخن ، استرد فيه بعضا من العافية التي احتاج إليها ، في هذه المهمات العسيرة ،التي علي ان أقوم بها
لم يتصل بي كما وعدني ، وكان تواقا الى رؤية ولده البكر ، ولكن ماذا بالامكان فعله والبلاد في حرب مستعرة ؟
اشرب جرعات من الحليب ، تقف المراة بجانب سريري ، لم استطع ان أبادلها الحديث ، انا لا افقه لغتها ، وهي لاتعلم من العربية شيئا ، اشعر كما لو ان الله قيض لي أختا حبيبة في ديار ، ابتعد عني الأحباب فيها ، وهاجر الزوج مرغما على أداء واجب ثقيل ، يصرخ الطفل راغبا بالحنين ، محتجا على استقبال الحياة بمفرده ، وكان يحلم ان يكون الأب فرحا متهللا ، بقدومه السعيد
تعينني الجارة باحتضان الطفل ، وحالما يهدأ ويرغب عن الصراخ المحتج ، حتى أعيده الى المهد ، وكأن هذه الحركة البسيطة قد استنزفت قوتي
يواصل المذيع قراءة نشرة الأخبار ، القتلى والجرحى بالآلاف ، هل تدرك تلك المراة ان جيشنا يعمل فيهم قتلا وتجريحا ، كما يفعل جيشهم فينا ؟
تضع المراة يدها على جبهتي ، رغبة في قياس درجة الحرارة ، تنطق ببعض الكلمات التي لا افهمها ، تأتيني بطفلي الصغير ، وتعينني في إرضاعه ، تنبعث من المطبخ رائحة لأكلة شهية ، انتهت تلك المراة من تجهيزها لي ، تساعدني أولا في تناول الدواء الذي وصفه الطبيب ، تؤشر لي بيدها إشارة افهم منها النصيحة لي ، بالنوم بعد سهر متواصل ، تساعدني في تغيير ملابسي التي تبللت من جراء ارتفاع الحرارة وانخفاضها
تطمئن الى راحتي ، وتغلق الباب بهدوء بعد ان انتهت من عمل كل الأشياء
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
مجتمع القرود
ضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب ، رافعا صوته :
- الا تسمعين الكلام ؟ كم مرة ألقنك الدرس؟
القيود في معصمي ، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف ، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي ، وتقديم الكراسي للاستراحة ، حين يكون الجميع وقوفا.
جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة ، يستمعون الى رئيسهم ، بانتباه ، وانا قد أدمتني قدماي ، انظر الى محفلهم بتوسل ، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه ، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي.
وجوه خالية من التعبير ، تحسن الاصغاء ، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات ، حركات مدروسة بعناية فائقة ،
- لن ارفع صوتي ، ولن اتلف اعصابي .
أظل مصغية الى حديثه الحيادي ، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من أوامر
ينهمك جميع الحضور في حركاتهم ، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة ، سوف يعرضونها للبيع
- هذه المخلوقة لن تفهم
تعييني الكلمات ، وتنهك طاقتي على الاحتمال ، تهمتي كبيرة كما يبدو لي ، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها
- جماعتك ولوا الى غير رجعة.
اود ان احرك يدي ، وان اكون قادرة على المسير ، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة.
تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة ، وانا حيرى ، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء ، الذي وجدت انهم يتصفون به ، كلماتهم هادئة ، لاصراخ فيها ، ملابسهم أنيقة ، وحركاتهم واضحة ، وانا الغريبة بينهم ، لاافقه مما يراد مني ، ينطلف صوت الرئيس امرا :
- لقد نفذ صبري معك ، انتم معشر أغبياء ، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم.
اياديهم تتحرك باستمرار ، تنتج اشياء جميلة تفيدهم ، للحصول على الربح والاموال ، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون
- معشركم قوم اشقياء.
تتراكم امامهم كتب كثيرة ،قد تكدست عليها امواج من الغبار ، على مر سنين طويلة ، وانا قد أعياني الوقوف الطويل ، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب
ينظر الي الحاضرون باستغراب ، يتبادلون الكلام بينهم بلغة لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها :
- اضحكوا عليها ، كما ضحك عليكم قومها ، عاملوها بالمثل
يطيلون الي النظرات المتهكمة ، وانا بينهم صماء عمياء ، لاتفقه من لغتهم شيئا ، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه ، موضعا للهزء والسخرية ،من هؤلاء القوم الغرباء ، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين ، وضحك عليهم ، وسلبهم بعض ما يملكون ، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس ، او يسبب لها الأذى ، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية ، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع ، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين ، ليثيروا الضحك والاستهزاء.
يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي”
- انك لم تسيئي الينا ، ولكن قومك فعلوا
كم ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه ، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه ، ولكن محاولاتي تلك ، لم يكتب لها النجاح ، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون ، وينقذون انفسهم من العقاب ، ويكونون من الذكاء وشدة الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب ، والتصفيق والتهليل ، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع ، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم
وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل ، يأتيني صوت الرئيس قائلا:-
- لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك ، نحن نتوخى العدالة ، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت.
يصفق بيديه امرا :
- هاتوا القفص
لايجدون صعوبة في ادخالي داخله ، فانا مربوطة اليدين والقدمين
يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول :
- معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع ، ولا تسمن من جوع
يقلب الرئيس الكتاب الاول ، تتناثر صفحاته ، ينفخ فيها ، تتساقط الاوراق على البساط المزركش ، المنسوج بعناية
- جمعنا كل سمومكم ، وسوف نتخلص منها
كتب هائلة تتراكم ، طبقات فوق بعضها ، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان
أحاول ان اتذكر كم مضى لي ، في هذا المكان ، اين اصدقائي ، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟
- جنسكم أثبت فشله ، واستحق ان يباد.
انظر الى جبال الكتب المتراكمة ، والتي اصفرّت اوراقها بفعل هبوب الرياح الخريفية ، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة ، التي جعلوها جرداء
اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها ، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل ، فلا اعثر على المراد ، تذهب محاولاتي ادراج الرياح
– حكمتم العالم ، فسببتم الاضرار به ، وهذه جريمتكم النكراء ، سوف تبصرين انت نهايتها ، وانقاذنا من شرورها.
ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان ، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح ، يجعلها في وسط القاعة
- هاتوا نشعل الاوراق ، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة
يلتفت الرئيس الي ناصحا قومه :
- ذروها الى النار ، ليستمر الدفء ، ويسود الاستقرار
وجهة نظر
تأخرت في العودة الى منزلي ، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري ، فأظل أتابع الطلاب ، الى أن ينصرف آخرهم ، بصحبة أحد أبويه ، أيمم وجهي شطر المنزل ، الذي أطمح أن أجد فيه راحة ، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي ، حارقا أعصابي ، أتوجّه ماشية على قدمي ، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي ، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل ، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما..
كل شيء مهيأ في المنزل ، وليس علي الا عمل السلطة ، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق ، على موعد تناول الطعام ، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة ، وأوصيت ولدي اليافع ، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا ، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا.
هالني أن أجد في منزلي شخصا آخر ، لم أكن أتوقع أن يكون اليوم حاضرا ، وفي غيابي ،أخبرني إبني أنه سمع دقا خافتا على الباب ، وحين استفسر عمن يكون الطارق ، وجد امرأة لايعرفها ، أخبرته أنها صديقة أمه ، وهي تريد أن تكون وقت تناول الغداء ، ولأن ولدي قد علمناه منذ الصغر أن يحسن استقبال الضيوف ، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة ، فرّحب بها ، داعيا إياها الى الدخول والإنتظار ، فعودتي أصبحت وشيكة.
سألت الضيفة ماذا يكون طعام الغداء ؟
لم يكن ولدي يعرف ، دخلت مطبخي ، وفتحت القدور ، و عرفت ما هو موجود فيها ، فأرادت أن تضيف صنفا آخر تحبه ، لم يكن من الأطعمة المتوفرة ، فتناولت لحما من مجمدة الثلاجة ، وأنواعا من الخضر ، وشرعت في تقطيعها ، وضعتها على النار ، وأخذت تنتظر أوبتي ، وهي تشكو الجوع ، و تأخري في العودة
كان أبي في زيارتي ، وقد خرج من المنزل تلك الآونة ، وعاد رفقة زوجي ، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل ، قد دعا نفسه على طعام الغداء ، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.
الطريق طويل ، والسيارات تملأ المكان ، وعبور المشاة عسير جدا ، فالسائقون يحبون أن يصلوا الى منازلهم في أقل وقت ، بعد أن أمضوا نهاراتهم في عمل مضن، آن لهم أن يستريحوا منه
- أف ، تأخرت أمك ، أين تمضي بعد العمل ؟
- لا أحد لها غيرنا ، والطريق متعب
- إن تأخرت سوف أتناول طعامي ، أنا جائعة
وصلت المنزل ، فاجأني الوضع ، السيدة رأيتها مرتين فقط ، وفي مناسبات متباعدة
سمعت شكوى ولدي الصامتة ، وهدّأت من غضبه ، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها ، رغم عدم معرفتها بهم.
وضعت القدور على النار ، ليسخن الطعام ، ريثما أغير ملابسي ، جهّزت المائدة ، وضعت عليها الصحون والملاعق ، نقلت الأطعمة المطبوخة ، دعوت أفراد عائلتي
جميعنا كان صامتا ، لايعلم ماذا يقول ؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه ، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار ، شاكية من بؤس حالتها ، ونحن نحاول أن نطمئنها ، ان كل شيء سيتبدل ، وأنه بالجهد يحقق المرء أحلامه
طرحت علينا الضيفة سؤالا ، لم أعرف كيف أجيبها عنه
- أنت لديك ثلاثة رجال ، ولا واحد لي ، أعطيني واحدا منهم.
فكرت فليلا ، فلم أجد الجواب الشافي ، لكني نطقت أخيرا:
- ولدي ما زال صغيرا ، وليس بمقدوري أن أنجب غيره ، وأبي لايمكنني أن أمنحه لغير أمي ، وزوجي خذيه إن كان يرغب
نظر إليّ زوجي باستنكار ، وقام دون أن ينبس بشفة ، نظر أبي بعتاب
صرخ ولدي :
- لا أريد
- OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
احتفال تقييم
المدعوون كثيرون ، ازدحمت القاعة بهم ، وامتلأت المقاعد بمئات من الحاضرين ، الذين اطلعوا على الدعوة العامة ،في الصحافة الورقية والتلفاز ، كنت شخصية عامة ، يشار اليك بالبنان ، تتكلمين في أي موضوع يطرح عليك التحدث فيه ، وتناقشين بهدوء ، ما تسمعين به من آراء ، لم يكن صوتك يعلو ، فقد كنت تؤمنين إيمانا راسخا ، ان ارتفاع الصوت ينتج غالبا عن الخواء الفكري ، وعدم امتلاك الحجج والبراهين التي تقنع الخصم ، وتفحمه بالحجة الدامغة ، كما يقول علماء الإقناع ، والمحاججة ، والنقاش الهادئ المستنير.
جلس المتكلمون الأربعة في مقاعدهم ، وطلبوا منك الجلوس في وسطهم ، اثنان منهم على يمينك ، والاثنان الآخران على يسارك.
يغبطك حضور الجماهير العريضة الى مكان الاحتفال ، ويملؤك اعتزازا وثقة بنفسك ، لقد استطعت ان تحققي شيئا ، وأن تثبتي جدارتك في شأن من شؤون الحياة ، وان يكون لسانك منطلقا في الوقت الذي يزيد الطلب عليه ، وحججك قوية ، ساطعة أمام العيان.
- سيداتي ، سادتي ، أهلا بحضوركم الكريم ، نرحب اليوم بشخصية عامة ، أثبتت نجاحها الكبير ، وفصاحتها المثيرة للإعجاب في أي مجال ، تتطرق إليه
حاولت ان تخبريه ، بأمر الاحتفال ، الذي يطمحون فيه إلى تقييم مسيرتك الخطابية ، والتي أثبت جدارتك ونجاحك اللافتين للنظر فيها ، ولكنك تراجعت في آخر لحظة ، وآثرت ان تكوني وحدك في هذا اليوم ، كما هو الشأن في المرات السابقة ، التي كنت تحضرين فيها احتفالات عامة ، فينطلق لسانك الفصيح مؤيدا ، وجهة النظر التي تريدين تقويتها ، ويستمع إليك الحاضرون بصمت ، وهدوء ، تسكت الأصوات جميعا ، ولا يسمع الا صوتك الرخيم ، يتفوه بأعذب العبارات وأقوى الجمل ، عارضا مختلف الآراء ، ومبينا تعدد وجهات النظر ، وحين تصلين الى نهاية خطابك ، وقد أثبت بالدلائل والبراهين صحة رأيك ، وصواب فكرتك ، تنطلق الأكف بالتصفيق المتواصل ، وأنت تنظرين مستبشرة الى رضا الجماهير العريضة.
كثيرا ما تناول سيرتك السابقة بالسخرية منها ، ومن تقليل شأنها ، وإنها هزيلة جدا ، وانك يجب الا تبالغي ، في تكبير ما وصلت اليه من نجاح ، فأنت ما زلت في مكانك ولم تحققي شيئا.
ينطلق الصوت متكلما:
- أنها مثال ناصع في النجاح ، وتحقيق الهدف ، وفي تحدي الصعاب ، والوصول إلى الغاية.
كنت في بداية عهدك به ، تظنين انه عازم على إبعاد شبح الغرور ، عن نفسك الحساسة ، وان هذا الماّل يصيب عادة من كان يمتلك الثقة بنفسه ، ورضا الجماهير عنه.
- إنها قدوة للأجيال الصاعدة ، في ضرورة النضال ، والاستهانة بالعراقيل ، التي توضع أمام العازمين على السير المثابر ، والإصرار المستمر.
يحدثك عن الأيام التي حققت نجاحا فيها ، وكتبت عن تلك النجاحات الصحف ، وتناولتها وكالات الأنباء ساخرا ، مستهزئا :
- لم تحققي شيئا ، لأنك امرأة أيدك الناس ، وصفقت لك الجماهير معلنة استحسانها ، ان حاولت اليوم إعادة مجدك القديم ، لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع ، لاتعودي ، الأيام حين تسير ، لاتعود الى الوراء ، وأنت لاتملكين صوتا جهوريا ، ويصيبك التعب منذ البداية.
- إنها خطيبة مفوهة ، أمدتنا بالكثير من الخطب الرائعة ، البليغة ، والساحرة في البيان ، وهي مدرسة في أصول الخطابة الصحيحة ، والهيمنة على عقول الجماهير.
ينتهي المتحدثون في إيراد ما تتمتعين به من خلال ، تسر بها الأذن ، وترنو إليها القلوب ، وتميل الى سماعها الأفئدة.
- تركت الفصاحة عامين اثنين ، لأعمال منزلية ، و الآن تعود إليها ، بكل جمالها القديم ، نترك السيدة مها تحدثكم بسطور قليلة ، عن تجربتها في هذا المضمار الصعب واللذيذ.
تتزاحم الكلمات في فكرك ، ولا تملكين القوة لإطلاقها ، تتيه منك الإرادة ، ويتراجع ما عرف عنك من عزم ، وصوت داخلك ينطلق عنيفا : لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع.
تصفق الجماهير بحرارة ، منتظرة ان تلبي النداء ، يبرد التصفيق ، ينظر إليك المحتفلون باستغراب.
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الانقلاب
الخوف يجتاحك ، كلما فكرت بقدوم الليل ، ما ان تذهب الشمس مودعة أحبابها ، منطلقة الى ناسها الآخرين في الدنيا البعيدة ، وكلما اذن الغروب بالانبثاق ، بلحظاته السحرية التي تأخذك بين شتلات الفكر ، تراود نفسك الفكرة تلو الفكرة ، كيف يمكنك ان تؤخري تلك اللحظات التي تشعرين بها انك ميتة ، وان قوة غاشمة تسيطر على أنفاسك ، وتسلب منك يقين الحب ، وجمال العاطفة ، وتجعلك خرقة بائسة لاحول لها ولا قوة ، محكوم عليها ان تلبي رغبة مسعورة للإجهاز عليها في كل لحظات عمرك الآيل للزوال ، والسنين الثكلى التي استحوذت فيها على ما بقي لديك من قوة إرادة ، ومن تصميم على رفض ما يراد بك ، كنت في حالة مشرقة ، رغم ان الجميع يشفق عليك ، يبكي بعمق طالبا منك الغفران ، انه عاجز عن تلبية رغبتك في وضع حد للظمأ القاتل ، الذي يعيث فسادا في ربوع نفسك ، المتطلعة الى حياة أخرى ، يقبلك ويرجوك السماح له بتطليقك ، كي تكوني حرة ، مع آخر يسعدك ، ويحقق لك القضاء على سعير السهد المتواصل.
-أحبك جنان ، لكني لا اقدر على تلبية رغبتك .
، وتعيشين في وضع مأساوي ، مع ان الكل يغبطك على النعمة التي تغرقين فيها حتى الثمالة ، من يمكن ان يحكم عليك ، ؟ ويجعلك في سجل الإحياء او الأموات ؟ وانت تشعرين ان قوة جهنمية تسلب منك حلاوة الحياة ، ولذة الحب ، وروعة ذلك التلاقي المحمود بينك وبين رجل تعرفين تمام المعرفة ، انه كل يوم يضع مسامير في نعش حياتك ، ويسقيك العلقم ، وجرعات كبيرة من السم الزعاف ، ويحكم عليك بالوأد كل ليلة ، هل يدرك احد الغابطين لك ، ما تنالينه من سم قاتل ، تجبرين كل ليلة على تجرعه رغم انفك ، وكل ما حلمت به من الوصول الى الأحلام وتحقيق الأماني مجرد أوهام ، من يمكن ان يمد إليك يديه لينتشلك من هذا اليم القاتل ، الذي يخنقك كل ليلة ، وتجدين نفسك غارقة في أعماق سحيقة ،لا قدرة لك على تحملها ، تطوفين فوق أمواج الكراهية، التي ينعشها في نفسك بأعماله الشيطانية ،وتصرفاته الهوجاء ، تجدينه مغرما بالإيقاع بك ، والقضاء على أي شعور بالرأفة، قد ينتعش في قلبك ، ذلك المسكين القانع بكل شيء ، والمحروم من أي لمسة قد تخلق فيك رغبة في مواصلة الحياة بشكلها ذاك .
ما تلبث الأماني ان تبني لها أعشاشا في نفسك ، وأنت تتهيئين لذلك الأرق الطويل
ترتدين الملابس الحسان ، وتتعطرين بأجود أنواع العطور الباريسية ، عله يغير طريقته الراغمة هذا اليوم ، ويدرك ان الأمر شراكة جميلة ، ترتوي بالكلمات الجميلة والعواطف المعبر عنها بصدق ، لكن أحلامك تجهضها يد عابثة ، تحاول النيل من إرادتك ، والقضاء على ما تبقى في داخلك، من تصمم جميل على وأد الهزيمة ، التي تبني لها بيوتا ، في أعماق قلبك المتيم لكل جميل ، يتجرع قناني الشراب الواحدة تلو الأخرى ، ويتقيأ ما شربه أمامك ، ويبصق بإصرار عجيب على إثارة نقمتك ، يرغمك على ملاعبته ، بأسنانه التي لم تر الفرشاة ، منذ زمن طويل ، ويذكرك بحقيقة تسعين الى تناسيها:
- ياه ، كما أنا قذر هذا المساء ، سوف استحم صباحا.
يهجم عليك ، يود افتراسك ، تموت فيك كل رغبة في الاندماج ، في هذه الحرب المسعورة ، وتتمنين الخلاص ان يأتي سريعا ، لينقذك من موت محقق يحل بك،
تصممين ان تضعي حدا لمتاعبك، التي تتناسل ، وشعورك بالمرارة المتفاقم في أعماقك ، لقد بلغ السيل الزبى ، وليس هناك أكثر سوءا ، مما تعيشينه باستمرار ، أما آن لك أن ترفضي هذا الخنوع الطويل؟
تقوين إرادتك ، عليك ان تنفذي قرارك ، العمر لحظة وينقضي
- لا أريد
تتراخي اليد الملتفة حولك ، تجدين ان القيد يزول ، ونظرات تساؤليه تنبعث من عيون تصرين على تجاهلها
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الجثمان
انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة
- لاأعرف ماذا تريدون ؟
تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران
- لم أفعل ما تقولون
تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور
- لم اسمع بمن تتهمون
- انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب
يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة
- ماذا تريدون
- يا ابن …….. ألا تدري ؟
- نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟
- قل كلمة واحدة
يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل
تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا
- اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي
ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،
- انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة
ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا
وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟
يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
- لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الطائشة
حاولت مرارا أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي ، ولكن عبثا ، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني ، لم اذنب في حياتي ، ولم أسبب الأذى لاحد ، وحاولت ان اكون مهذبا ، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس ، وتقدير الكبير والعطف على الصغير ، واعطاء كل ذي حق حقه ، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي ، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني ، وأتساءل بيني وبين نفسي
- هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟
غلام صغير يشب على حين غرة ، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات ، التي لم تكن تخطر على باله ، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف ، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين ، وشعرها الكستنائي الطويل ، المنسدل على كتفيها ، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير ، حاولت ان اتبعها ، دون ان اتفوه بكلمة ، موصلا اياها الى منزلها ، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها
يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي ، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة ، ولم اعلم عنهم عن طريق افراد اسرتي ،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.
تطول متابعتي لها
- مساء الخير
يثيرني انها لاترد على تحيتي ، احاول ان اقترب منها ، عيناها ترحبان بحذر ، ألقي تحيتي مرات أخر ، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب ، أمد يدي إليها ممسدا خدها ، وكأن شعورا من مس الكهرباء يوقفني ، تسكت هي ، وكانت شديدة الحياء ، اكرر المحاولة ، ترغب بابعادي ، ولكني كنت اقوى منها بكثير ، كنت أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي ، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني ، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي ، فجأة أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس ، كيف وصلوا هنا ، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم ، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت ، وأبشعها
- انها مخلوقة حقيرة ، لم يؤدبها ذووها
- انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟
- شعرها منسدل ، ولم تبذل جهدا في ربطه
- عليها اللعنة ، تتحرش بأولاد الناس ، والرجال الصالحين
يرانا ابن عمها ، فيسارع الى الوشاية بي والإيقاع بها
أتفاجأ بأبي
- ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا
- لم افعل شيئا
- لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها ، الا تستحي ؟
ابي رغم طيبته وسماحته ،إلا انه شديد الغضب في مثل هذه الامور
امسك عصا غليظة:
- سأؤدبك الآن يا ابن الكلب ، يبدو أنني لم أحسن تربيتك ، وتركتك حرا ، تتعدى على أعراض الناس ، ينقصني أن تتحرش بالجيران .
تتوالى علي صربات موجعات ، مما جعلني اصرخ
- مهلا ابي ، سوف اخبرك الحقيقة
يتوقف ابي ، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب
-انها السبب ابي ، كانت طائشة وخفيفة ، تضحك في الشارع
- تأدب ايها العاق ، كيف ايقنت انها طائشة ؟
- لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ
اجد ان الضربات تضعف قوتها
- ومالك وما ترتدي ؟
يقف ابي ليسترد قوته ، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها
- انها قليلة الادب
عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة ، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام ، خوفا من معاكسات الشباب
كنت ذلك الحين حدثا صغيرا ، لاأفقه من أمور الحياة شيئا ، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها ، أو تسبب اندلاع حريق ، لايذر شيئا ، ويأكل المذنب والبريء ورغم توالي الأعوام، فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني ، سألت عنها وعن أحوالها ، فلم يجبني احد
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
القزمة
جلست في غرفتي ، وحيدة ، لا أقوى على الحركة ، أفكر أن أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدميّ لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ، ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لا يحب الامتثال
اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،
- مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف.
أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي إلى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ، يقلقني ما حل بي ،
ولماذا اُخترت أنا من دون خلق الله الآمنين ، أن يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟
- مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن.
فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عُرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن أن تغير كلمات قليلة ، من توجه إنسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد أن كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟
- مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر..
أحاول أن استجيب للنداء المتكرر ، ولكنّ فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،
أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أدّيت امتحانات نصف العام ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب ..
- مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة
اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزّع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ، ومستواها الدراسي والأخلاقي..
لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب..
- مها :طالبة مجدّة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع..
أحاول أن اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، رأسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان تسودّ الطرق ، ويضمحلّ الوضوح
يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء.
تنطلق همهمة من بعض الطالبات ، كلمات المدير تنقلني إلى عوالم سحرية
– أحرزت مها نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة
وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع صوتا مألوفا يهمس :
- لكنّها قزمة..
تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مّضني حقيقته..
لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟
أحاول أن انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر أن انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد أنعم عليّ الصفات الحسان ، أسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحّون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير..
- قزمة ، قزمة ، قزمة
نعم. أنا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقّد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا أنا قزمة ، وبشكل واضح لا يمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة.
ولعله يدري بهذه الحقيقة ، التي يدركها كل ذي نظر
يصفو ذهني ، تعود إليّ إرادتي ، أنهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على آن اخط لنفسي مسيرتها الناجحة
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
حالة
تشعرين بألم حاد ، تفتقدين الهواء ، تبحثين عن نسمات قليلة ، تبدد ما اعتراك من ضيق ، وما استبد بك من قلق ، وما اعتراك من اختناق ، تحاولين أن تعبري عن ألمك الممض هذا ، فلا يسعفك الكلام ، يظل لسانك قابعا في مكانه ، يأبى التحرك ، تحاولين أن تجعلي يدك تتحرك ، لتعبر عما اعتراك ، يصيبك اليأس ويستبد بك الإحباط حين تجدين إن أعضاءك التي تأتمر بأمرك ، قد تركتك حائرة ، وأضحت كسولة تؤثر الراحة ، على الاستجابة لطلبك المبهم ، الناس يتحركون ، تنظرين الى أفواههم ، تجدين ان ألسنتهم تلوك كلاما غامضا ، لاتقد رين على سماعه ، تنظر إليك الأعين متسائلة عما أصابك ، وتبذلين جهدا خارقا كي تردي على النداءات الكثيرة ، والمتكررة من هؤلاء الأشخاص ، الذين تركوك حائرة بأيد مجهولة ، تبدد طاقتك ، دون أن يمدوا يد العون لك ، هالك انك كثيرا ما كنت تسارعين الى مساعدة من يحتاجك وقبل ان يطلبها منك ، اختناق رهيب يمسك بتلابيبك ، ويتركك صرعى عاجزة عن الدفاع ، أين أصحابك ؟ يا من علمتهم القيام بما تشائين من أمور ،
- الهواء ، الهواء أريد نسمة من الهواء
لا أحد يسمعك في هذا الزحام الرهيب ، تتكلمين كثيرا ، فلا ينطلق لسانك ، اليوم هو في إجازة ، لم يطلبها ، وكان يجب أن ينبئك قبل اتخاذ القرار ، أتراه ملّ منك ومن أحاديثك الكثيرة ، التي تبعث الساَمة وتدعو الى النفور ، فَاَثر ان يقوم بإضراب بسيط ،ولو ليوم واحد استجابة لمطالبيه العادلة في الراحة ، لقد كان خادمك المطيع ، ظل ينفذ إرادتك ، ولم يفكر لحظة في التخلي عنك والتخلي عن واجبه ، والقيام بنزهة بعيدا عن عينك ، وترصدك
- نسمة هواء من فضلكم
من يسمعك ، وكلهم لاه بما حوله ، يتحدثون بكثرة ، ولا تعرفين عم يدور حديثهم؟ ، أنت عاجزة عن فعل شيء ينجيك من هذا الموقف الصعب الذي تجدين نفسك فيه رغما عنك ، انك واثقة إنهم يتكلمون ـ تنظرين إليهم باندهاش ، ترين أيادي تتحرك ، وأفواه تصعد وتهبط ، وعيون تنظر ، تشير لك أيديهم ، مصاحبة لكلمات لاتسمعينها ، لحظات يفكرون بك ، ثم يعودون بعجلة الى ما كانوا مشغولين فيه من اهتمامات
- هواء ، هواء ، دعوني أتنفس قليلا.
من يسمعك سيدتي في هذا الخضم الهائل من البشر؟ ، الكل يتحدث ، والجميع أخرس لا يستطيع سماع الآخرين ، تناشدين لسانك الأثير على نفسك ، ان ينجدك لحظة هذا اليوم ، تستغيثين مطالبة ببعض الرأفة ، لكنه أبى اليوم ان يستمع لك ، لماذا هو غاضب عليك اليوم ؟ ولا يلبي طلبك ؟ ويبدو انه لايسمع رجاءك ولا يستجيب له ، ما باله اليوم قد انزوى مبتعدا عنك ،واثر الراحة متقاعسا عن همومك ، هل أغضبته مثلا ؟ وهل نطقت بكلمات لا تتفق مع قناعاته ، قد تكونين مرغمة إياه على التعبير عن قضايا لايؤمن بصحتها ، لماذا أجبرته على ذلك التصرف ، أما كان الأجدر بك أن تستشيريه أولا ، بما تزمعين التصريح به من أراء ، ثم تحجريه بإرادتك التي يجب ان تنفذ وعلى الفور
- هواء ، هواء ، أعطوني نسمة من هواء.
من يسمعك ؟ والجميع لاه عنك وعن همومك ، الكل يتحدث ، ألسن منطلقة ، وأفواه تتحرك صعودا وهبوطا ، وأنت تحاولين التعبير عن أوجاعك ، أبى ذراعاك التحرك ، يرفض كفك القيام بما تريدين ، لسانك ما زال مضربا عن الكلام ، والهواء معدوم ، وأنت تنشدين نسمة من هواء عليل ،يعيد الى نفسك راحتها المسلوبة ، والجميع مشغول بنفسه عنك.
- هواء ، هواء
أفواه تتحرك بقوة وإصرار غريب ، وأنت لا تعرفين عن أي شيء يدور الحديث ، تجلسين بينهم بعيدة عنهم ، تحاولين الإنصات الى ما يقولون ، تفشل محاولاتك ، وتذهب جهودك أدراج الرياح ، تناشدين لسانك ان يعود إليك ، بحكم الصداقة الطويلة الممتدة بينكما طوال سنين عمرك ، كنتما نعم الصديقين المخلصين ، لم يبتعد عنك لحظة واحدة ، صحبك في أيام الرضا والغضب ، لحظات الحزن والفرح ، هل شكرته يوما على حسن صنيعه ؟ وهل كا فئته ؟ لماذا أراك اليوم مندهشة لما قام به من ابتعاد عنك ؟ هل تخشين ان يطيل النأي عنك ، وان يسلوك ، وأنت عاجزة تماما عن العيش بدونه ، من يفهمك في هذا اليم الهائل من الوجوه الخرساء ، التي لاتتقن التعبير عن أنفسها ، إن فارقك صديقك الوفي وَاَثر الابتعاد عن سلاطتك المعهودة ، عليك ان تقري بفضله ، وان تعترفي بما قدمه لك من صنيع رائع ، وان تحاولي إقناعه أن يعود إليك ، فآنت عاجزة عن الحياة ، بعيدة عن مهاراته الجميلة ، وكفاءاته الأخذة بالتزايد ،حسب اعتراف الأحباب والأعداء ، ولكن أين أحبابك في هذا الزحام الرهيب ؟ لماذا تركوك محبطة مهيضة الجناح ، تبحثين عن السمير والأليف ، في دنيا عز فيها ، من يقف بجانبك معاونا او مؤيدا ، تتواصل استغاثتك بلسان قد ابتعد عنك وأيد ترفض الاستمرار في الاستماع إلى ما تشائين.
- هواء ، أرجوكم نسمة من الهواء
الجميع أصم لا يسمع ، غير قادر على التواصل في بحر متلاطم الأمواج ، يشكو الناس الحرمان من الحب والفهم والتآزر.
تسمعين نفسك تصرخ مستغيثة:
- هواء ، هواء .
لاأحد يسمعك ، يقتلك الظمأ ، يخنقك العطش ، وقد هجرك اللسان ، وتراخت اليدان عن تلبية ما تريدين .
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
لست أنت
تصل هذا اليوم ، بعد انتظار طويل مدة خمس سنوات ، مرت علي كدهر بتعاستها وشدتها ، نسيت كل الامي ووحدتي وشدة غربتي ، طوال سفرك ، وفرحت من كل قلبي ، لانك قادم بعد السفر والبعاد ، اجهز نفسي وابدد مخاوفا انطلقت بعد كلام اخي
- أأنت مطمئنة اليه ؟ وقد نسي عائلته ، وعذب اباه ؟
اسكت شكوكي التي اطلقها سؤال أخي ، وأنت تعلم مدى العلاقة القوية التي تربطني باسرتي ، ابحث عن علل لك ، تمنعك من الاتصال بوالديك ، قد تكون مضطرا ، حائرا ، تعاني الغربة والتشتت ، وينطلق الى ذهني سؤال
- الغريب يذكر أهله ، ويحن الى أصدقائه وأحبابه
وأنت تمضي بلا وداع ، اعلل النفس انك لم تجد فرصة مناسبة ، للاتصال بي وتوديعي ، ولكن عائلتك التي تركتها وحيدة مريضة ، كيف طاوعك قلبك على نسيانها طوال خمس سنوات ، هل كنت تسهد الليل والنهار ؟
احضر نفسي لاستقبال عزيز على قلبي ، جاء بعد انتظار ، ترى كيف اصبحت ؟ وكنت الرقيق المحب ، وهل الرقيق الحنون يتناسى اباه الضعيف وأمه المعذبة ، ويتركهم لعذاب الوحدة وبرودة الشيخوخة دون استفسار ؟
اقمع اسئلة عديدة يطرحها عقل ما زال يعمل ، قد اجد لك عذرا انك لم تتصل بي ، ولكن ما علتك للانقطاع عن شخصين تعبا من اجلك ؟
لكل غائب حجته ، سوف تهل علي بعد غياب طويل ، وتشرح لي ما تعسر علي فهمه ، كنت تعاني في بلاد الغربة ، تدرس وتعمل كما يعمل الذاهبون الى هناك ، والطامحون الى احراز الدرجات الرفيعة والعلم الغزير.
اتناسى كل اساءاتك لوالديك العزيزين ، لقد حملتهما ما لاطاقة لهما به من عناء الحاجة ، باع والدك منزله ليبعث لك النقود ، وانت تتمتع ببلاد بعيدة ، ولا تبالي بما عانى ابوك الشيخ.
مالي ابعث اسئلة راقدة من عقالها ؟ لماذا تنهال على العديد من الاستفسارات عما فعلته في ديار الغربة ؟ هل تكون معذورا ، ولم تجد عملا يكفيك مؤونة السؤال فطلبت المال من ابيك ، وانت تعلم انه لايملك منه شيئا.
انتظرت هذه اللحظة خمسا من السنين ، وها اني راغبة باستقبالك ، بما انت أهل له من فرح ومسرة ، فكيف اضحيت بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن ؟ هل بقيت ذلك الانسان الحنون الذي يصفه ابواك ؟
طلبت ان استقبلك في منزلي ، ليكون اخي الوحيد حاضرا ، لانه اراد ان يثير خوفي منك
-هل تطمئنين اليه ؟ لقد باع ابوه المنزل البسيط الذي يسكن فيه من اجل ان يبعث له النقود.
– ساتي الى منزل اخيك غدا ، واليوم نلتقي في احد المقاهي القريبة.
قد تكون تغيرت الى الافضل ، من يدري ؟ خمس من السنوات ليس بالامر الهين ، كيف يمكن ان تكون ؟ بعد هذا الغياب ؟
الا تزال تؤمن بنفس الرأي القديم ؟ ان مضمون الشخص وجوهره افضل من الشكل ؟ كنت احاورك في هذا المفهوم ، لم تكن تريدني ان ارتدي الملابس الانيقة وان اضع المكياج ، تقول ان طبيعة الانسان احلى ، لهذا سوف اعمل بنصيحتك ، ولن اغير بشكلي ، فانا طبيعية لااميل الى التزويق والظهور بنقيض حقيقتي ، ساغير لباس العمل واتي اليك.
- ابوه الان يسكن في غرفة بائسة ، بعد ان توفيت امه ، يغسل ملابسه ، ويطهو طعامه ، وصحته ساءت ، ولا يملك اجرة الطبيب ، هل يمكنك ان تطمئني اليه ؟
استقبال بارد ، لم اجدك انت بدفئك القديم ، مخلوق اخر يشبهك ، اناقة مفرطة ، تبدو عليك الوجاهة والغنى ، لم اشعر انني خطيبتك ، وكيف لي بهذا الشعور وانت لم تتصل بي ابدا.
تجلس صامتا يظهر عليك الانقباض ، وانا اجد الاعذار لك ، قد تكون متعبا من نضال طويل استمر خمسة أعوام ، لكن الذي فجر بركانا من الاسئلة في داخلي ، ان سائلا يقترب منك
- من مال الله
تصرخ بوجهه صافعا اياه بقوة ، أ من اجل هذا سافرت ؟ وباع ابوك منزلا يأويه
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
الصائمة
بعد دقائق ، يحين موعد أذان المغرب ، لم تجدي ما تضعينه على مائدة الإفطار ، انقطع الكهرباء ، واستمر انقطاعه أياما أربعة ، مما سبب تلف الأطعمة ، التي وضعتها في الثلاجة ، كنت تودين أن تجهزي بعض الأصناف ، التي تتزين بها مائدة الإفطار ، تتذكرين السنين الماضية ، حين كان المنزل يزهو بأفراد عائلتك المحبة ، وببعض الأصدقاء الذين يطيب لوالديك أن يكونوا معهم على تلك المائدة التي تزخر بالأطايب ، التي اشتهرت بإعدادها بيديك الماهرتين.
سافرت شقيقتك للمعالجة ، وبقيت وحدك ، أنت التي لم تري الدنيا ، ولم تدخلي الحياة ، قتلت الحروب أحبابك ، ووأدت الفرحة في قلبك المعنى ، بقيت في مكانك ، محرومة من الأليف الذي يضمك الى صدره ، تسمعين أصواتا بعيدة لإطلاق الرصاص ، ألا يرتاح الصائمون من هذه اللعلعة ، التي تربك منك الأنفاس وتقتل الشعور بالأمان ، ينعدم فيك الأمل ، ويخبو ضوءه ، الى متى المعاناة ؟ الا يكفي ما أريق من دماء زكية طيلة السنوات الماضية؟.
هلّ الشهر عليك بفرح ، وجاءك شعور من الحبور ، تكون أيامه منيرة ، ولياليه مثمرة بالعمل الصالح ، ولكن كيف يمكنك أن تقدمي المعونة لمن يحتاجها وأنت غير قادرة على المسير ، جارتك الطيبة التي كنت تشعرين أنها أم لك بعد وفاة الوالدة ، قد ودعت آلام الدنيا ، ورحلت وحيدة ، لم يبق بجانبها أحد من الأولاد والبنات ، وكأنها لم تنجب أحدا ، وجيرانك قد رحلوا نشدانا للأمان الذي تعذّر وجود بذوره في هذا المكان. ويبست شجرته واصفرت أوراقها ، وتكسرت منها الأغصان .
تشعلين الشمعة الطويلة ، بعد أن أعياك انتظار رجوع الكهرباء ، يمضك ما ألم بك من غربة وضياع آمال ، وتأملين أن تتحسن الحالة في الغد ، تتصلين بأختك المريضة ، لم تكوني بقادرة على فراقها ، ولكن مدينتك قد انعدمت فيها سبل الشفاء بعد أن تقاتل بنوها وترصد بعضهم بعضا بالعداوات.
- انا بخير ، اعتني بصحتك.
بقيت وحيدة ، ترنو نفسك إلى من يؤازرها في صقيع الغربة الذي تشتعلين فيه
- الله اكبر، الله اكبر
يأتيك صوت الرحمة ، ويهل عليك الاطمئنان.
تدخلين الى جوفك الظمآن ، بعض حبات من التمر ، وأنت تفكرين بشقيقتك المريضة ، مهما بلغ تعبك من الشدة الا انك أفضل صحة منها ،
- أختك بحاجة الى العناية المركزة
عائلتك كانت كبيرة قوية ، هاجر بعضهم ، ومات البعض الآخر
- اللهم ارحمهم جميعا ، الأحياء منهم والأموات
تتوالى أصوات إطلاق الرصاص ، وأنت تصغين ، كيف يمكن أن يطلقوا النار في شهر فضيل ؟
في العام الماضي كنتما معا ، أنتما الشقيقتان المتعاونتان ، تعين إحداكما الأخرى ، وتسندها ، الإنسان الوحيد ضعيف مسكين ، القوة مع الجماعة ، ولكن ماذا بإمكانك ان تفعلي ؟ وقد تبددت أسرتك الكبيرة ، وانفرط عقدها ، ومات أبواك الكريمان بعد ان أرهقت قلوبهما الأحزان.
تضعين ملاعق من الحساء في فمك.
- اعتني بصحتك جيدا ، تناولي كل عناصر الطعام.
سمعت النصيحة ونفذتها ، اشتريت المواد البانية ، ولم تكوني تعلمين : ان الكهرباء يستمر انقطاعها أياما أربعة ، أصاب التلف الطعام
تتناولين لقيمات من البطاطة ، التي وجدتها أمامك ، وصنعت منها صحنا ، أختك المريضة من يعتني بها ؟ من لك بشخص يسأل عنك ويرأف بحالك ، بعد أن انفرط العقد وتبدد الشمل ؟
تسمعين أصوات متفرقة ، لإطلاقات صادرة من بعيد ، ترغبين بالقراءة ، او مشاهدة التلفاز ، ولكن اليد قصيرة ، وأنت عاجزة
- الحمد لله
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
العانس
ارتديت أحسن ما لديك من ملابس ، ذهبت إلى مصففة الشعر ، لتعمل لك تصفيفة تليق بهذا اللقاء ، وضعت الأصباغ التي لم تكوني ترحبين بوضعها سابقا ، لقد بشروك انه قادم إليك ، وان السنين التي انتظرت فيها قدوم العريس لم تذهب هباء ، كنت تطمحين أن يحبك أحدهم ، بعد أن أعياك ان تجدي الحبيب الذي طالما حلمت به ، قد فر غير آبه بك ، لعله لم يكن يعلم : ان السهاد قد غلبك وأنت تفكرين به ، وتضعين الخطط كي يلتفت إليك ، ولكن كل محاولاتك ذهبت أدراج الرياح ، وأحب واحدة أخرى ، لم تكن أجمل منك ، فكتمت حزنك في القلب ، وقلت لنفسك ان الأمر لايعدو ان يكون حظا ، وانك لم تعتادي على ابتسام ذلك المخلوق بوجهك ، كان عابسا ، دائما أراك ظهره ، مات أبوك ، وأنت صغيرة ، ولم تجدي أبا رحيما يحنو عليك ، ويضمك الى صدره كشأن الآباء ، الذين كانت صديقاتك يقصصن عليك اهتمامهم ، وعطفهم وحبهم الكبير للبنات ، فحلمت برجل حنون ، يعوضك رأفة الأب المرحوم ، ويروي ظمأك الى الحب التي تجدين بذرته في أعماق قلبك تناديك. بكل حرارة المحروم .
أخبرتك صديقتك مها ، ان الرجل يريد الارتباط بك ، وان السفر والترحال في بلاد الله الواسعة ، قد أتعب قلبه ، وأضنى منه الفؤاد ، وانه يطمح بعد ذلك المسير ، الى الاستقرار ، في كنف زوجة عاقلة ، تعرف مميزات الأسرة الهادئة ، ولا تجري خلف التقليعات الغريبة ، وتعرف مالها ، وما عليها ، رحبت بالخبر ، رغم ما فيه من شروق قاسية ، الا انك تعبت من برودة الحياة ، التي وجدت نفسك وحيدة فيها ، ولم يقف بجانبك أحد من الأحباب والأصحاب ، وأين لك بالأحباب ؟ ، وقد فارقك الأب الحنون ، وأنت طفلة صغيرة ، من يهتم بأوجاع الأبناء ، ويحنو على ضعفهم مثل الأب ، فإذا ذهب بعيدا ، اختلت الموازين ، وتدهورت أحوال العالم ، وحل اليتم في الأفئدة ويبست القلوب.
تنظرين الى نفسك في المرآة ، أنت جميلة بكل المقاييس ، العالم من حولك أعمى ،
العيون واسعة كحيلة ، والصدر ناهد ، والأنف دقيق ، والحواجب كثيفة ، والرقبة طويلة ، والبشرة بيضاء صافية ، والشعر أسود طويل ، ينسدل فوق الكتفين ، والفم غليظ وكأنه خلق للتقبيل ، والخصر أهيف ، والورك عريض وووووو
تنظرين الى نفسك معجبة ، لقد زال حرمانك ، وهاهو قادم ، من يضع حدا لتعبك المرير ، وينهي معاناتك الباردة ، ويضمك اليه بلوعة المشتاق.
الهاتف يرن
- نعم ، صديقتي ، الرجل مشغول هذا اليوم ، سوف آتيك أنا بعد قليل.
- متى يأتي ؟
- ربما غدا
تضعين سماعة الهاتف ، وأنت جذلة ، سوف تنتهي متاعبك غدا ، وتهل عليك فرحة العيد ، بعد ان أوشك الهلال على الظهور.
- الرجل يبلغك تحياته ، وطلب مني ان أبلغك أنكما يجب ان تتفقا على بعض الأمور
- انا مستعدة
- لكل واحد منكما حريته المطلقة ان يفعل ما يشاء ، أنت متدينة ، تؤدين الفرائض ، وتحبين ان تقومي بالنوافل ، بعض الأحيان ، وهو لاديني يحب ان يكون حرا ، كما تحبين أنت ان تكوني حرة ، يمكن ان يشرب ويلعب الميسر ، ويجلب صديقاته الى المنزل ، كما انك حرة في ان تظلي على حجابك ، او أن تخلعيه ، أنت حرة كما هو حر ، يمكن ان تسافري الى أي مكان تشائين ، كما يمكن ان يسافر هو وقتما رغب.
تذهب صديقتك ، بعد ان تخبرك انها مكلفة بتبليغك طلبه ، ولأنك يجب الا تلوميها ، فليس لها ذنب ، ولماذا توجهين اللوم لها ، وهي تقوم بأنبائك آراءه ، تصعب عليك نفسك ، كيف تجعل الحياة ، أعزة القوم أذلة بعد تراكم الأيام وتوالي السنين ، فإذا الأذناب تصبح رؤوسا ، وإذا الأسود تتمرغ هاماتها بالتراب.
ولكن وضعك يؤلمك ، الى متى تظلين وحيدة منبوذة ؟ تقتلك البرودة ، وتفتك بنفسك اللامبالاة ، وتبدد طاقتك الغربة ، ظل رجل يدفئ بيتك المقرور ، ويضع حدا لمتاعبك.
- من قال انه يريحك ، هذا الذي يضع شروطا تعجيزية للارتباط ؟
وما الذي تخسرين ، أنت وحيدة معه او بدونه ، لماذا تترددين ؟ وافقي
سوف تزول بنظر الناس متاعبك ، لن تجدي نظرات الاستهانة والإشفاق ، تلاحقك أينما حللت ، نظرات ملؤها الرثاء من واقعك الأليم.
سوف توافقين على شروطه ، وترسمين على ثغرك ابتسامة السعيدات ، انك لم تقضي الليل وحيدة ، تتقلب على فراش قاس كالأشواك ، أنت زوجة ، وبجانبها رجل ، ملء السمع والبصر. لن تواجهي نظرات الشماتة ، بعد اليوم
غدا حين يأتي ، ستحل السعادة في وجدانك ، وينبعث صوتك مغردا مرحبا بالحدث السار
سوف تعتنين بنفسك ، وترتدين أجمل ملابسك ، وتصففين شعرك على أحدث طراز ، وتضعين عطورك الرائعة ، لقد وصفوك بالجميلة ، وحان لك ان تكوني جميلة حقا بعيون رجل ، وليس فقط بعيون النساء ، ليضع شروطه ، وأنت تتمسكين بما ترينه مناسبا لك ، كلاكما حر في التصرف كما يرغب ويريد.
لماذا أنت حزينة ؟ وما الذي تخشينه ؟ وليس في حياتك ما يمكن الخوف من فقدانه ؟ مرحبا به ، الفرحة حلت بأرضك ، والابتسامة رسمتها على شفاهك ، غدك سيكون أحلى من أيامك المنصرمات.
تسرّحين شعرك ،ويعلو صوتك مترنما ، بأعذب الأصوات ، أنت سعيدة الآن ، لقد ولت أيام السهد ، والقر الى غير رجعة.
يأتيك صوت مها مجددا
- عزيزتي ، حين أرسلني إليك ، أخبرك بشروطه ، بعث صديقتنا منى الى إحدى معارفنا ، لتخبرها بنفس الشروط
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
القســــــــــم
ما زالت رسائله تواصل الإنهمار علي ، سائلة إياي إن كنت غاضبا من تصرفه ، وكل مرة أجيبه بالنفي ، فهو عزيز لدي وأثير على نفسي ، ومن المستحيل أن يؤدي تصرفه الى غضبي ، أو إلى إثارة نقمتي ، كل ما في الأمر انه قد أثار حيرتي بأعماله التي لا أجد لها تفسيرا ، وانه يجعلني أشفق على نفسي ، فانا أحبه كثيرا ، رسالته الأخيرة تنبئني انه عرف أخيرا بحقيقة الأمر ، وانه تسرّع بإصدار حكمه على ظواهر الأمور ، وكان من واجبه أن يتريث قليلا ، ليتيقن من دو اخل نفوس البشر ، وتصرفاتهم الغريبة التي تدعو الى الاندهاش..
حاولت مرارا أن أتناسى الأمر ، مسدلا عليه ستار التغاضي ، ولكن رسائله ما فتئت تذكرني إنني شخص مجنيٌ عليه أحيانا ، بسبب طيبتي المفرطة او سذاجتي التي لا مبرر علميا لها..
لم يطلب مني احدهم القسم، على أمر من الأمور ، فقد كنت دائما موضع ثقة ، وأنا أتحرج من هذه المسألة ، لماذا يطلب شخص ما منك ، ان تقسم له بأغلظ الأيمان انك لم تقم بعمل؟؟ ، قد اتهمك به أحد المغرضين ، مررت بلحظات عصيبة كنت ألاحظ تكذيبا لما أقول على سنحة السامع ، ولكني حين أنظر إليه يسارع الى القول
- إني أفهم كلامك ، استمر
يقول أصدقائي إن وجهي كتاب مفتوح ، يمكن لمن يتحدث معي أن يلمس صدقي ، فإن كذبت ظهرت علامات الكذب ، واضحة على محياي..
ولكنً هذه المرة أتاني طلب ، من إنسان قريب مني ، أكن له كل الود ، أن أقسم وبكتاب الله أن ما تقوله هذه المرأة كذب واحتيال ،
أُخذت على حين غرة ، أردت أن أدافع عن نفسي ، فلم يشأ لساني ان يتحرك ، وشعرت ان قوة كبيرة تجثم على أنفاسي ، وتسلبني الإرادة ، وان خصمي أشد مكرا مني ودهاء ،وأنني كنت دائما سليم النية طاهر الطوية.
الرسالة الأخيرة أمامي ، تنبئني انه عرف الحقيقة أخيرا ، وانه تسرّع كثيرا في الحكم ، مما سبب التضحية بصديق عزيز ، من الصعب جدا العثور على مثاله في هذه الأيام…
أتتني السيدة زوجته ، تريد ان تستلف مني نقودا ، لأنها صرفت ما هو مخصص لإيجار المنزل ،في شراء حاجات خاصة لها ، وأنها لم ترد ان تخبره بالأمر ، لئلا يغضب ويثور ، وأنها سوف ترد لي ما أخذته بعد ثلاثة أيام حين تسأل أخاها ان يمنحها ما تريد .
تمضي الأيام الثلاثة ، والأسبوع ،ثم يمر شهر ، أكون بحاجة الى استرداد نقودي ، فأنا موظف ، ولا أملك فائضا من الأموال.
تفاجئني التهمة ،التي لم أكن أتوقعها أبدا ، ومن أخت لي ، وزوجة أعز صديق
- صديقك يراودني عن نفسي.
يستبد الغضب بصديق العمر ، وكأنه لم يعرفني أبدا.
- ليقسم كلاكما ، هذا القران
مشهد تمثيلي لممثلة ماهرة ، تبكي بحرارة لا مثيل لها ،وتقسم بأيمان مغلظة ،
- وحق كلام الله ، صديقك أتاني.
يستبد بي الغضب ، ولا أعلم كيفية التصرف، في هذا النوع من الأمور الذي يداهمك ، على حين غفلة منك ، ولم أستطع أن اغير طبيعتي ، التي تميل الى تصديق الناس ، وتبرير أعمالهم ، وخاصة إن كانوا أصدقاء خلص ، يعز مثيلهم في هذا الزمن الموبوء .
وها هي رسالته تأتيني ، فأقرأ فيها حرارة الصداقة التي إفتقدتها ، لعل الأيام تنسيني ما سببت لي من جروح .
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
وجاهة
المطعم في ازدحام رهيب ، حركة دائبة وطلبات لا تنتهي ، منذ اشتغلت فيه منذ ثلاث سنوات ، وأنا أتحرج من الظهور أمام الناس ، وأخشى ان يعرفني احد النزلاء او الضيوف الكثيرين ، الذين يترددون على هذا المكان ، فتسقط هيبتي ، وأصبح موضع هزء وسخرية من قبل الجميع ، انا رجل مسالم ، احرص دائما على إرضاء الجميع ، وان كانت الحكمة العربية تقول ( رضا الناس غاية لا تدرك) الا إنني اجتهدت كثيرا فيما مضى من أيامي لأحافظ على احترام الناس وتقديرهم ، الناس كلهم يحافظون على المظاهر ، ما شأنهم بما اعمل ، وان كان شغلي الذي يدر علي الربح الحلال محترما ، لم يراه الناس من الأعمال المحتقرة ؟، استطعت بالعمل الإضافي الذي أقوم به بعد الدوام الرسمي ، ان احصل على منزل محترم ، يحتوي على حديقة جميلة ، زرعتها بأنواع من الأشجار الباسقة ذات الثمار اللذيذة ، أشجار نخل فارعة ، وكروم تتسلق الجدران ، ورمان ، مع ورود مختلفة الألوان والأنواع ، رائحتها تخلب الألباب ، وتمتلك القلوب ، نصبت الأرجوحة التي طلبتها زوجتي الحبيبة ، نجلس في الأماسي التي تبقى لي ، بعد الانتهاء من عمليّ الاثنين ، ساعات قليلة ، اقضيها في راحة من عناء الأعمال الكثير ة ، والتي تثير في التعب طوال النهار ،
استمع الى أحاديث زوجتي التي لا تنقضي ، ومطالبها التي تتجدد كلما نفذت إحداها
- سيارتنا أصبحت قديمة الآن
المطعم في حركة دائبة ، استمع الى طلبات الزبائن ، وأنفذها في التو ، من طبيعتي ، أتميز بالنشاط ، لااحب الكسل والتباطؤ في الحركة ، ما ان يطلب مني احدهم شيئا حتى أسارع الى تلبيته على الفور ، هذا رزقي ، وعلي ان أحافظ عليه كما اعتني بعيني
أسجل كل ما يطلبونه مني ، شراب ، طعام على اختلاف أنواعه ، مطعمنا يقدم كل أنواع الأطعمة ، المشرقية والمغربية ، وأصنافا كثيرة من أنواع المقبلات والسلطات
هذا الصباح كان متعبا لي ، طلاب الثانوية ، يرهقونني بأسئلتهم التي لا تنتهي أبدا ، وخاصة الطالب المشاغب حسام ، يمطرني باستفساراته عن الأمور السياسية التي يعلم تمام العلم أنها من الأحاديث الممنوع التطرق اليها داخل الفصول ، سألني بوقاحة حاولت الا أبدي اهتمامي بها
- ما رأيك أستاذ ، هل يعتبر الشخص الخائف الجازع ، مخلوقا طبيعيا ؟ ألا ترى انه في منتهى درجات الجبن والخنوع ؟
أحاول أن أقنعه أنني موظف لدى الدولة وعلي ان أنفذ برامجها التعليمية ، دون التطرق الى الأمور السياسية التي أجدها تشتت أذهان الطلاب وتبدد انتباههم ، ولكن كل ما أقوم به لكسب هذا الطالب المشاغب الى صفي تبوء بالفشل الذريع ، رأسه جامدة ولا يقبل الإقناع ، تماما كما كنت أنا ، في مثل سنه.
ناقشتني أختي هذا الصباح بوضعي ، استنكرت هي ان أقوم وأنا الأستاذ بعمل النادل بعد ساعات العمل الرسمية ، وحين وضحت لها حالتي الصعبة ، وان راتبي المتواضع لا يكفي للقيام بمتطلبات أسرتي ، ظهر عليها الإنكار لكلامي
- أي أسرة ، زوجتك الأمية لوحدها ؟
انا رجل مسالم ، زوجتي امرأة ، ومن حقها ان تطلب مني ما تريد ، من يفيها حقوقها ، وهي جليسة المنزل لم تحصل على تعليم كاف.
وهذا الصباح حين ناقشني الطلاب بالأمور السياسية ، وكيف يكون الإنسان المحترم ، وان الشخص المناسب في المكان المناسب ، سمعت قهقهات مكتومة من الطلاب يحاولون إخفاءها ، كنت سابقا محل التقدير والاحترام ، وحين اخذ عصام هذا يقود الطلاب ، ويقنعهم بمناقشة الأمور الممنوع مناقشتها في حصة الدروس الاجتماعية. وجدت ان منزلتي التي كنت احرص عليها بين الطلاب ، قد أسيء إليها كثيرا
المطعم هذا المساء في حركة دائبة ،وازدحام قل نظيره في المساءات الماضية ، ربما لان غدا يوم عطلة رسمية ، الكراسي حول الموائد قد امتلأت بالضيوف ، وكل منهم يطلب شيئا مني ، أسجل الطلبات ورقم كل مائدة وأنواع طلباتها
- أنت ترهق نفسك بالعمل ، دعني أساعدك
مسكينة زوجتي تريد ان تعينني ، كيف يتأتى لها مساعدتي وهي لم تكمل الثانوية العامة
أنهيت تنفيذ ما طلبه الزبائن مني ،
- أيها النادل ، تعال هنا
يسكب الزبون العصير على المائدة آمرا إياي
- هيا أيها النادل ، امسح ما هرق مني من شراب
- اعتدت دائما ان اضبط أعصابي ، وألا أدع الزمام يفلت مني ، أتنفس بعمق ،محاولا إدخال ما تيسر من هواء الى رئتي المتعبتين ،بهدوء ذهبت الى المائدة المعنية ، ومسحت ما فيها من بلل ، ينطلق صوت أعرفه جيدا ، كم أتعبني شغبه
- مرحبا أستاذ