الروائية صبيحة شبر

قصص قصيرة” لستَ أنت”

أبناء أبرار

أويت الى غرفتك النائية ، بعد أن غيرت ترتيب أثاثها ، ورغم صحتك المتدهورة ، حملت القطع الثقيلة ، ناقلة إياها من مكان الى آخر ، عل أحدا منهم يتذكرك في هذا اليوم ، الذي بدا منذ الصباح جميلا ، ساطع البهجة ، مزدانا بالروعة ، جمال الورود التي طلبت من جارتك ان تأتيك بها ، تعلمين أنهم يحبون رائحتها  الزكية ، التي تنبعث من مكان يبتهج بمرأى الورود البهية ، وبعطرها المهيمن على أجواء الاحتفالات الأليفة.

نقلت قطع الأثاث من مكانها المعتاد ، الى مكان  بدا لك أنها ستكون أجمل فيه ،  لم تستطيعي ان تبتاعي قطعة جديدة ، كانوا يعتمدون عليك ، في توفير طلباتهم التي لاتنتهي أبدا ، رغم أنهم يعملون ، وأنت بقلبك المفعم حنانا ، تسارعين الى تلبية ما يشيرون إليه ، من أنواع لاتخطر على البال ، يتفننون في العثور على لائحة ، مما يبعث الفرح الى نفوسهم ، وأنت تضنين على نفسك فيما هو ضروري لها ، وحتى الدواء .

  • راقبي صحتك سيدتي ، وخذي الدواء في أوقاته.

كل يوم لهم طلبات جديدة ،  لم تقدري  حيالها على الوفاء بما ينصحك به الطبيب ،

  • صحتي ممتازة ، والله وهبني قدرة على الاحتمال ، وهم أحبتي

تغير شكل الغرفة  ، بدا جميلا جديدا ، رغم أثاثها القديم ، الذي استطعت ان تقتنيه حين كانوا صغارا ، واحتفظت به ، ولكن اضطرتك الحاجة ، إلى بيع ما تبقى من أثاث المنزل ، حين توفى زوجك ، لم تعودي بحاجة الى الكثير ، هم أولى به ، سوف تعرضينه على البيع ، لتوفري بثمنه بعض ما يشتهون.

يوم جميل ، جهزت له نفسك ، هيأت أطعمة تعرفين ان أحبابك يرغبون بها ، ذهبت الى أسواق بعيدة ، لتوفيرها في هذا اليوم

المنزل الذي أويت اليه بعد تفرق الأبناء ، كل الى جهة بعيدة ، لمست فيه حنان السكان وتآلفهم ، لايضنون  عليك باللمسة الرقيقة ، والكلمة المشجعة ، التي تمنحك طاقة لاحتمال آلام  الحياة وأهوالها.

الوقت يمر ببطء ، وأنت تنظرين من النافذة ، حتما سيمرون عليك

ليقولوا تلك الكلمة العذبة ، التي طالما أسعدتك.

  • عيدك سعيد يا أمي

وكان المنزل مليئا بالمحبة ، وزوجك باسط ذراعيه الحانيتين ، يتغلبان على أية  هفوة من الأبناء غير مقصودة ، قد تسبب لك الألم

وأنت تسامحين ، وتغفرين الزلات العفوية ، وتتناسين حقوقك ، مؤدية واجبات الأم والصديقة ، والأخت الكبرى للأبناء ، انه يومك وسوف يهرعون لإسماعك الكلمة ، التي عشت طوال عمرك تستعدين لها

تعبت وجاهدت ، وبذلت سنين عمرك من اجل إسعادهم ، وتحملت الضرر وضحيت بما هو من حقك ، كي ترينهم رجالا يسعدون من حولهم ، وها أنت هذا اليوم تستعدين لسماع كلمتهم الحبيبة.

  • عيدك سعيد يا امي

تمر الساعات ثقيلة ، وأنت لهفى ، تنتظرين ان تهل سعادتك ، وان تسطع شمسك ، وتنبثق أقمار الحياة مغنية  لك ،  وقد  حققت انتشاءك ، ووصلت الى ما يحلم به قلبك ، من روعة المحبة التي تغمرنا بالغيث ،اذا ما سقطت قطراتها على نفوسنا الظمأى الى كلمات الحب،

حتما إنهم أولادك ، حريصون على هنائك ، سوف يسارعون الى غرفتك النائية ، ليلقوا عليك التحية ، مهنئين بيوم ليشبه الأيام الأخر  جمالا ، لأنهم لم ينسوك ، وسطعت شموس مودتهم على حياتك اليابسة ، فأنعشتها

  • أيامك هانئة أمي

تمضي الساعات ، ونظراتك معلقة على النافذة ، عل احدهم يسرع ، ليضع حدا لمعاناتك التي لاتنتهي ، أنت الثكلى وأبناؤك أحياء يرزقون

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

التشخيص

 أصبحت فرحة هذه الأيام ، مستبشرة ، أتفاءل بالخير الذي يغمر الغد ، ويحيط بالعمر القادم  فيحيله الى جمال اسر ، اغني بكل قوة  وادع نسمات الهواء العليلة تداعب وجنتي ، آن لي أن افرح ، وان أعانق الأحباب ، مهنئة إياهم بانبثاق فجر جديد لا الم فيه ، بعد أن ولت المعاناة ، وأشرق السرور في حياتي  ،بعد ان يئست من إمكانية اندمال جروح نفسي ، ومتاعب روحي ، وأوجاع البدن

ابتسم الطبيب مداعبا :

  • اضحكي للدنيا ، زالت متاعبك ، وولت عنك الأسقام

 نبأ سعيد طالما انتظرته بلهفة كبيرة ، ان تزول أوجاعي ، وان اهرق قناني الدواء الكثيرة المتراكمة من حولي ، فقد استطعت أخيرا ان اقضي على متاعبي الصحية ، واخفف من أسقام روحي

  • كنت مواظبة على استعمال الدواء كما نصحتك

 قناني كثيرة تتراكم من حولي ، وتأمرني بالانصياع لها ، و التقيد بما يقوله الطبيب ، وإلا انقلب الحال علي ، وولت صحتي ، وابتسم المرض الخبيث ساخرا من محاولاتي الكثيرة لوأده

دواء حين الاستيقاظ ، حبات تحت اللسان ، تذوب ببطء كبير ، ودواء  آخر في تمام الساعة العاشرة صباحا ، ودواء ثالث بعد طعام الغداء مباشرة ، ودواء رابع في الرابعة مساء ، وآخر قبل الإخلاد  الى النوم ، أحاول دائما الحرص على التوقيت ، لئلا اقع في مضاعفات لا  امن  شرها ، اليوم فقط بعد  مرور سنوات ثقيلة طوال ، يبشرني الطبيب ، أنني أحرزت تقدما ملموسا في وضعي الصحي ، وانه حان لي أن اضحك للدنيا ، التي طالما  عبست في وجهي ، وارتني وجهها الكالح ، وطبعها اللئيم ،

فرح كبير لاعهد لي به يهيمن على نفسي ، فاشعر ان شلالات من البهجة ، تحيطني بذراعيها الحانيتين ، وتطوقانني بما عهدت فيها من دفء اسر ، رحماك ربي ، يا من  تغير الحال الى نقيضها في لحظة واحدة ، سوف افتح مسامي جميعا لاستقبال الفرحة الكبيرة ، التي حلت أخيرا بأرضي ، وابتسمت مرحبة بقدومها الي ، بعد هذا الحرمان الطويل ، ألا ، أهلا بشروق الشمس التي ظننت انها آفلة دوما

  • يمكنك ان ترمي بقناني الدواء بعيدا ، لقد برئت ، ولكن احتفظي بدواء واحد ، ريثما يتم الاطمئنان التام على صحتك ، سوف  أحولك الى لجنة طبية مختصة ، للبت في أمرك ، مجرد شكليات ، ويغلق ملفك المرضي ، وتتحقق الفرحة الكبيرة ، وتزرع أرضك شتلات من الأمل ،، والثقة المنشودة ، سوف أكون في شعور من الغبطة والفخر ، أنني استطعت ان أقاتل الداء في أعماقك ، لأحولها إلى بساتين من الصحة والهناء.

 سعدا لي ، وبشرى أزفها لكل من واساني في محنتي ، وأرسل لي كلمات تشجيع ، في مصابي الجلل ، ونصحني ان أتسلح بالصبر والثبات ، فهما خير سلاح لمقاومة الآفات الفتاكة ، والسموم القاتلة ، وضمان أكيد للبرء من الإمراض الخطرة التي لاعلاج شاف لها

رسائل سأدبجها بيراعي ، شاكرة من كتب لي ، كلمات تحمل النصح والإرشاد ، وأنا أتلوى ، كغصن شجرة ، أصابتها الريح العاتية ، فقطعتها  من الجذور ، سأعلن للجميع ، من كان صادقا منهم أو مرائيا  ، انني استطعت بالصبر الذي وصفوه لي ، ان استرد عافيتي ، وان أعود الى  عهد الصحة والشباب ، اللذين سلبا مني ، ووضعت اليد عنوة على ما أتمتع به من ارادة قوية ، لايفلها حتى  الحديد

هنيئا لي ، أنني استطعت ان اجعل الطبيب المداوي ، يسترد ثقته بما وصفه لي من علاج طويل الأمد

  • احتفظي بدواء واحد ، لجنة مختصة سوف تنظر في حالتك ، وتمنحني شهادة تقدير انني استطعت ان أشفيك من المرض اللعين الذي أستوطنك.

 وقت قصير ، وتنتهي معاناتي ، واستطيع ان اضحك بملء فمي ، ان ارقص مستبشرة ككل المخلوقات الناطقة ، وان أعانق من أحب ، وان استقبل الشمس بعيون مفتوحة .

 اللجنة الطبية سوف تراني الآن ، وتختم مؤيدة ما وجده الطبيب المعالج ، من  ثورة في صحتي ، وسوف أعوض ما فاتني ، الدنيا ما زالت تفتح ذراعيها ، مرحبة بعودتي إليها بعد غياب أرغمت عليه، ، وليس بمحض إرادتي ، الا اضحكي أيتها الحياة معي ، ورحبي برجوعي الى أحضانك الحانية ، وصدرك الدافيء ، وأفيائك الجميلات

 يأتيك صوت ينادي :

  • السيدة سهاد

 تحليلات قليلة ، أشعة وتحليل للدم ، وينتهي كل شيء ، وتعودين ظافرة  مبتهجة ، لأنك انتصرت على جيوش العدوان التي عاثت فسادا في جسدك ونفسك.

  • انتظري قليلا

 لا تضرك لحظات من الانتظار ، وأنت واثقة أن الغلبة لك ، بعد ان اشتدت المعاناة ، وأقضت مضجعك الجراثيم ترتع في دمك ، ولا من منقذ يقيك من عدوانها الأليم.

  • السيدة سهاد ، يؤسفنا ان نخبرك ان تقرير الطبيب المعالج ، تنقصه الدقة العلمية ، وإننا بحاجة الى إجراء الفحوصات ومن جديد على حالتك ، فأنت تزدادين سوءا

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الصورة

انظر الى صورتي في المرآة ، ويرعبني ان تلك المخلوقة الغريبة عني ، تبتعد بجسمها ، راغبة عن لقائي ، وحين أحاول الابتعاد ، أجدها تقترب بحذر ، اسرق نظراتي إليها محاولة ان أبدو عديمة الاهتمام ، بما تسعى الوصول اليه من إثارة غضبي ، او التسبب في نقمتي ، الذي يدهشني ويرفع من درجة حيرتي ان هذه المخلوقة التي أراها ماثلة أمامي بغضب وترقب ، وكأنها مجبرة على القيام بعمل قذر لا تريده ، وترغب لو تمكنت من إبعاد نفسها عن تبعاته المؤلمة ، إنها بعيدة الشبه بي ، ولست ادري من جعلها عالقة بي ، ومن اخبرها أنها ظلي تريد الانعتاق من سلطاني ، والتحرر من سطوتي ؟ هل حاولت تقليدها مما أثار استياءها  ؟، وولد في نفسها شعورا كبيرا ، من الإحساس بالظلم وعدم الإنصاف ، او إنني قد نطقت ببعض الكلمات ، التي تتناقض تناقضا صارخا مع ما تدعوني اليه  ،من سلامة الموقف والثبات على الرأي ، أحاول ان أدافع عن صحة موقفي وإنني بريئة مما يريدون إلصاقه بي ، من مؤامرات بعيدة عن المنطق والصواب ، وكلما حاولت الاقتراب منها ، كي تتمكن من الاستماع الي لتبيان الأسباب التي دعتني الى نطق تلك الكلمات ، التي أثارت الحفيظة ، وجعلت سهام الاتهام تتوجه الي الواحدة تلو الأخرى ، وانا اطمح ان تدافع عني ،هذه الشخصية الغريبة التي أجدها أمامي ، وحين أريد التقرب تولي مذعورة ، فارة من لقائي ، ترى ماذا اخبروها عني ؟ وكنت أظن أنها لايمكن : ان تصدق بالوشايات الكثيرة الراغبة في تشويه موقفي ، واتهامي بما لم أقم به من مواقف ، ولم أفه به من أقوال ، اقترب منها طامعة في حسن إصغائها ، وفي كل مرة تجد ني اقترب ، تبتعد بسرعة كبيرة لاتدع لي مجالا للتصرف ، هل هي صورتي أنا ، ام صورة احد عذالي ، وانا لم اقم بما يثير العذل من أحد ، انظر اليها مليا محاولة استكنا ه تصرفاتها التي بدت أكثر غرابة ، مما هي عليه في باقي الأيام ، هل انا واهمة ؟ هل تتراءى لي أمور غريبة هذا اليوم ، نعم انها صورتي ، وان بدا شعري مختلفا ، وعيناي منطفئتين وكنت اظنهما متوقدتين ، ارفع يدي إشارة بالتحية ،فتدير وجهها عني ، من يمكن ان يلعب على صورتي ؟ مشوها سيرتي ، ناقلا لها كلاما لم أعن معناه الظاهر ، أحاول التحدث بصوت عال  ،علها تسمع وجهة نظري ، أفاجأ أنها تضع يديها على اذنيها  مغلقة إياهما عن سماع دفاعي ، ماذا افعل ؟ وقد سدت بوجهي المنافذ ، وأغلقت أمامي الأبواب ، اكتب كلمات على ورقة ، اعبر فيها عن شدة حزني لموقفها ، وابتعادها عني ، تمسك ورقتي وتمزقها وترميها بوجهي

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

التابعة

طالما أرهقتني بطلباتها العسيرة ، وانا  اسارع الى تلبية كل ما ترجوه ، وما تتمناه من أشياء قد تكون  بعيدة ، عن القدرة على التصديق ، وكثيرا ما كنت أسمع نصائح جادة من أشخاص معروفين بالانصاف وحب العدالة  ، انني يجب ان انتبه لنفسي ، وان أحرر ارادتي من الانصياع لرغباتها الكثيرة ، والتي يرهقني الوفاء بها ، وأمانيها المتزايدة على الدوام ، ما دامت تجد مني مسارعة الى تنفيذ ما تأمرني به ، استمع الى النصائح التي اعلم تمام العلم انها مخلصة لي ، ولكن ماذا افعل واليد قصيرة كما تعلمون ، وانا وحيدة والدي  ، وليس لي صديقات استمع لكلامهن ، واسير حسب مشيئتهن الا سلوى ، التي مهما بلغت سيطرتها على شخصي الضعيف المتواضع  ،الا انني أجد نفسي معزولة في هذا العالم الغريب ، ان خاصمتني يوما لتقاعسي عن تلبية طلباتها الشاقة المؤبدة ،  حالما انتهي من  اعداد واجباتي المدرسية  ،حتى أسارع الى منزل سلوى ، استمع بانبهار يثير فيها الفخر ، الى ما ترويه من حكايات ، اعرف انها مبالغ فيها كثيرا ، وقد لاتتضمن من الصحة الا خمسا في المائة ، ولكن ماذا افعل وانا غريبة ، لااحد يحدثني عن امره ويخبرني عن أحواله ، وكيف قضى نهاراته  ؟ ، الا تلك المخلوقة التي مهما قالوا عنها ، أنها متكبرة ومغرورة ،الا انني  اسارع الى منزلها كل يوم لأمتع نفسي برواياتها المثيرة للاعجاب .

ولا ابالي ان نعتني احدهم  ،باحدى الصفات البعيدة عن حقيقة شخصيتي ، كل ما ارجوه ان اكون قريبة من محمود ،  ذلك الرجل الذي طالما داعبت شخصيته خيالي ، اعرف انني امرأة لاتحسن التعبير عن نفسها ، لاتظهر عليها عواطفها ، ولكن من يعلم ؟ ربما عرف بحالي ، وما أقاسيه وانا ساهرة طوال ليلي ، أتضرع الى الله ان يجعله يرأف بحالي ، ولكن كيف يمكنه ان يهتم بأمري ؟ ، وانا شبه خرساء ، لااحسن الا خدمة صديقتي سلوى ، والتفاني في ارضائها.

خلقني الله هكذا ، لاأثير الالتفات ، مع انني أحمل صفات ناصعة ،كما يقول العارفون بكنه الامور وحقيقتها ، سلوى حبيبتي قد تعرف حالتي  ، وقد اقتدي انا بها ، فأصبح امراة تحظى بالاهتمام ، وانا لااطمح الا بان يراني محمود ، ويعرف كم أعاني من عذاب الوجد ، ومن عناء الهوى ،وما أقاسيه من ابتعاد الناس ، الذين لاأبالي بأمرهم  ، الا هو المخلوق الأثير

لااحسن رواية الاحاديث ، وان كنت اعرف الكثير من الحكايات  ، وحين اخبر سلوى باحدى الحكايات التي سمعتها ، تسارع هي الى اضافة التوابل والبهارات الى ما سمعته مني ، فتأتي قصتها اجمل من قصتي ، واشد فتنة ومهارة ، استمع اليها بشغف ، متناسية انها من قصصي انا.

احل لها التمارين المدرسية ، وأقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها خير قيام ، اذهب الى المكتبات لكتابة أحد البحوث ، الذي طلبه الاستاذ منها  ، وانا راضية مغتبطة ، ما دامت سلوى راضية عني ، وحين تأتي نتائج الامتحان اكون عالمة بها في البداية ، فانا لااحرز الا على الدرجات الدنيا ، اما سلوى المجتهدة اللبقة ، فانها تكون في مقدمة الناجحين والناجحات

اكوي لها ملابسها ، واخرج انا مرتدية لباسي بلا كوي ولا ترتيب ، انا طبيعية ، لااحسن تزويق الأمور ، والجري وراء المظاهر الخداعة ، كل ما في قلبي يظهر على لساني ، اقول للقبيح صراحة عن صفة القبح ، دون ان اخشى شيئا ، فابتعد عني الأصحاب ، وتجنبني الأحباب ، وكل منهم يجد انني لااحسن الصحبة ، ولا احترم الصداقة ،الا سلوى ، بقيت ملازمة لي ، تستقبلني في منزلها وتحدثني بحكاياتها الجميلة التي لاتنقضي.

انتم لا  تعرفون صديقتي سلوى ، الانسانة الخلوقة المبتسمة على الدوام ، الطموحة التي تحسن معاملة الناس ، الذين تهمهم المظاهر فقط ، ولا يحاولون ان يعرفوا شيئا عن الجوهر ،   يشتري لي ابي الملابس الانيقة وحين ارتديها ، تبدو على جسدي بالية عتيقة ، وحين ترتديها سلوى تبدو ساحرة الجمال ، الجميع يتغنى بفتنها وجلالها وبهائها ،  ان ذهبنا معا في نزهة او مشوار ، سارت أمامي والجميع ينظر اليها بافتتان واعجاب ، يظنون انني خادمتها ، مع انها صديقتي الوحيدة.

افرح حين تحقق سلوى احدى امنياتها الكثار ، ويتملكني السرور عندما تصل الى مبتغاها ، أحببت محمود بصمت ، دون ان احدث احدا بقصتي ، كنت اهديه وردة فيظن ان سلوى هي الواهبة.

جاءتني يوما لتزف لي البشرى

  • انت صديقتي الحبيبة ، وسوف تفرحين لفرحي

يتحدثون عن الحب والغيرة ، لماذا أغار ومحمود  لم يلتفت لي يوما  ؟، اخفي شعورا بالمرارة يحيط بي ، هل أظل هكذا شخصية هامشية ؟ وكيف أتغير ؟ والجميع يرى انني امّعه بائسة .

أشعر احيانا بضرورة ان أتغير ، ولكن سرعان ما يصدمني سؤال غريب يلح علي باستمرار :

  • لماذا التغير ؟ وحلمي الوحيد أفل نجمه واندثر.

ألعق جراحي وخيباتي وانا ارسم ابتسامة ، كل من رآها يعرف ان صاحبتها امراة بلهاء لايرجى شفاؤها

اتناسى اخفاقاتي ، والازم سلوى ، وألبي طلباتها

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

جارتي والحرب

تأخذ المراة الجارة ، بالتنقل بين غرف المنزل ، مرتبة ، منظفة الأثاث  من الأوساخ العالقة ، ماسحة الغبار المتراكم ، بقطعة قديمة من قماش ، استمع الى صوت فيروز الجميل المنعش ، بعد أن هدني التعب ، وأمضني الترقب ، وحاولت الاستسلام للنوم ، فجاء متقطعا  على غير رغبة مني ، اشعر ان جسدي منهك وروحي متعبة  ، بذلك الألم الشديد والمتواصل ، والقلق المستمر ، ولكني حين رأيت جارتي تتنقل في أرجاء المنزل ، لتبعث بالحيوية المفقودة ، من جراء الإجهاد الطويل شعرت بنوع من السعادة  ،كنت افتقده

 اسمع صوتا خافتا للمذيع ، وهو يقرأ نشره الأخبار الأخيرة ، القتلى بالآلاف ، والجرحى يتكدسون على  ممررات المستشفيات ، يحلمون بالشفاء العاجل ، بعد ان أصابت أرواحهم القنابل الفتاكة ،قبل ان تصيب منهم الأجساد

المراة النشطة ، خفيفة الحركة ، تتنقل كالنحلة من مكان الى آخر ، تدخل الى المطبخ لتهيئ لي طعاما مقويا ، يساعدني على استرجاع عافيتي الناقصة ،ويعين في الإكثار من در الحليب ، فكري مشغول ، والأوجاع تستبد بي ، ماذا يمكن ان  يحل بهم ، ليمنعهم من المجيء الي كما  هو دأبهم ، ولم اسمع الهاتف يرن ليطمئنني ، على سبب غيابهم الطويل ، كنت آمل ان استمع الى صوتهم الحنون المميز ، والذي يحمل لي غصونا خضراء من الحب والجمال

  • حساء الخصروات غذاء مجرب ، وهو سهل الهضم ، لذيذ المذاق ، يساعدك في عملية الإرضاع

 استمع للمراة القادمة الينا ، بعد ان أعياني الحال ، وأدركت ان الوالدة لا تستطيع المجيء ، على اثر المنع الجديد للسفر ، الذي طال كل المواطنين الا من استطاع ان يحصل على توصية من بعض مناطق النفوذ

خفت ان أكون وحيدة ، وأنا أترقب هذا الحدث السعيد ، الذي أشهده لأول مرة ، وكدت أموت خشية ، من عدم التمكن من استقباله

يستمر المذيع في إلقاء نشرته الإخبارية ،  والعدد الكبير من القتلى والجرحى ، والمفقودين في تلك الديار الغريبة ، يفجعني ، أتساءل بيني وبين نفسي

  • لم يشعل الحكام الحروب ؟ وما الفائدة منها ؟ ولماذا يحشرون الناس عنوة في تلك الجيوش ؟

تواصل المراة الجارة تنقلها ، في أنحاء المنزل الواسع ، الذي أصبحت غريبة فيه ، ومهجورة بعد ان سافر لأداء واجبه العسكري كما قال ،تساءلنا ، ماهو الاسم الجميل الذي نطلقه على وليدنا المرتقب ، عددنا الكثير من الأسماء الرائعة وذات المعاني السامية ، ولم نكن نفضل جنسا محددا ، كل ما يرزقه الله جميل

اسمع صوت  تنظيف الصحون من المطبخ  ، كانت كثيرة ، ولم اقو على أداء ذلك الواجب الثقيل ، بعد ان ثقل حملي ،  وأصبح السير شديد العبء  ،كذلك الوقوف الطويل ، وحتى الأشغال المنزلية التي كنت مدمنة عليها ، أضحت صحتى عاجزة عن القيام بها

 تأتيني المراة  بقدح من الحليب الساخن ، استرد فيه بعضا من العافية التي احتاج إليها ، في هذه المهمات العسيرة  ،التي علي ان أقوم بها

لم يتصل بي كما وعدني ، وكان  تواقا الى رؤية ولده البكر  ، ولكن ماذا بالامكان فعله والبلاد في حرب مستعرة ؟

اشرب جرعات من الحليب ، تقف المراة بجانب سريري ، لم استطع ان أبادلها الحديث ، انا لا افقه لغتها ، وهي لاتعلم من العربية شيئا ،  اشعر كما لو ان الله قيض لي أختا حبيبة في ديار ، ابتعد عني الأحباب فيها ،  وهاجر الزوج مرغما على أداء واجب ثقيل ، يصرخ الطفل راغبا بالحنين ، محتجا على استقبال  الحياة بمفرده ، وكان يحلم ان يكون الأب فرحا متهللا ، بقدومه السعيد

تعينني الجارة باحتضان الطفل  ، وحالما يهدأ  ويرغب عن الصراخ المحتج ، حتى أعيده الى المهد ،  وكأن هذه الحركة البسيطة قد استنزفت قوتي

يواصل المذيع قراءة نشرة الأخبار ، القتلى والجرحى بالآلاف ، هل تدرك تلك المراة ان جيشنا يعمل فيهم قتلا وتجريحا ، كما يفعل جيشهم فينا ؟

 تضع المراة يدها على جبهتي ، رغبة في قياس درجة الحرارة ، تنطق ببعض الكلمات التي لا افهمها ، تأتيني بطفلي الصغير ، وتعينني في إرضاعه ، تنبعث من المطبخ رائحة  لأكلة شهية ، انتهت تلك المراة من تجهيزها لي   ، تساعدني أولا في تناول الدواء الذي وصفه الطبيب ، تؤشر لي بيدها إشارة افهم منها النصيحة لي ، بالنوم بعد سهر متواصل ،  تساعدني في تغيير ملابسي التي تبللت من جراء ارتفاع الحرارة وانخفاضها

تطمئن الى راحتي ، وتغلق الباب بهدوء بعد ان انتهت من عمل كل الأشياء

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

مجتمع القرود

ضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب ، رافعا صوته :

  • الا تسمعين الكلام ؟ كم مرة ألقنك الدرس؟

 القيود في معصمي ، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف ، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي ، وتقديم الكراسي للاستراحة ، حين يكون الجميع وقوفا.

 جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة ، يستمعون الى رئيسهم ، بانتباه ، وانا قد أدمتني قدماي ، انظر الى محفلهم بتوسل ، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه ، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي.

 وجوه خالية من التعبير ، تحسن الاصغاء ، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات ، حركات مدروسة بعناية فائقة ،

  • لن ارفع صوتي ، ولن اتلف اعصابي .

                أظل مصغية الى حديثه الحيادي ، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من  أوامر

   ينهمك جميع الحضور في حركاتهم ، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة ، سوف يعرضونها للبيع

  • هذه المخلوقة لن تفهم

تعييني الكلمات ، وتنهك طاقتي على الاحتمال ، تهمتي كبيرة كما يبدو لي ، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها

  • جماعتك ولوا الى غير رجعة.

اود ان احرك يدي ، وان اكون قادرة على المسير ، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة.

تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة ، وانا حيرى ، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء ، الذي وجدت انهم يتصفون به ، كلماتهم هادئة ، لاصراخ فيها ، ملابسهم أنيقة ، وحركاتهم واضحة ، وانا الغريبة بينهم ، لاافقه مما يراد  مني ، ينطلف صوت الرئيس امرا :

  • لقد نفذ صبري معك ، انتم معشر أغبياء ، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم.

  اياديهم تتحرك باستمرار ، تنتج اشياء جميلة تفيدهم ، للحصول على الربح والاموال ، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون

  • معشركم قوم اشقياء.

  تتراكم امامهم كتب  كثيرة  ،قد تكدست عليها  امواج من الغبار ، على مر سنين طويلة ، وانا قد أعياني الوقوف الطويل ، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب

ينظر الي الحاضرون باستغراب ، يتبادلون الكلام بينهم بلغة  لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها :

  • اضحكوا عليها ، كما ضحك عليكم قومها ، عاملوها بالمثل

 يطيلون الي النظرات المتهكمة ، وانا بينهم صماء عمياء ، لاتفقه من لغتهم شيئا ، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه ، موضعا للهزء والسخرية ،من هؤلاء القوم الغرباء ، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين ، وضحك عليهم ، وسلبهم بعض ما يملكون ، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس ، او يسبب لها الأذى ، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية ، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع ، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين ، ليثيروا الضحك والاستهزاء.

 يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي”

  • انك لم تسيئي الينا ، ولكن قومك فعلوا

 كم  ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه ، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه ، ولكن محاولاتي تلك ، لم يكتب لها النجاح ، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون ، وينقذون انفسهم من العقاب ، ويكونون من الذكاء وشدة  الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب ، والتصفيق والتهليل  ، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع ، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم

 وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل ، يأتيني صوت الرئيس قائلا:-

  • لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك ، نحن نتوخى العدالة ، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت.

 يصفق بيديه امرا :

  • هاتوا القفص

 لايجدون صعوبة في ادخالي داخله ، فانا مربوطة اليدين والقدمين

 يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول :

  • معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع ، ولا تسمن من جوع

 يقلب الرئيس الكتاب الاول ، تتناثر صفحاته ، ينفخ فيها ، تتساقط الاوراق على البساط المزركش ، المنسوج بعناية

  • جمعنا كل سمومكم ، وسوف نتخلص منها

 كتب هائلة تتراكم ، طبقات فوق بعضها ، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان

 أحاول ان اتذكر كم مضى لي ، في هذا المكان ، اين اصدقائي ، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟

  • جنسكم أثبت فشله ، واستحق ان يباد.

انظر الى  جبال الكتب المتراكمة ، والتي اصفرّت اوراقها بفعل  هبوب الرياح الخريفية  ، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة  ، التي جعلوها جرداء

اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها ، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل ، فلا اعثر على المراد ، تذهب محاولاتي ادراج الرياح

– حكمتم العالم ، فسببتم الاضرار به ، وهذه جريمتكم النكراء ، سوف تبصرين  انت نهايتها ، وانقاذنا من شرورها.

 ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان ، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح ، يجعلها في وسط القاعة

  • هاتوا نشعل الاوراق ، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة

يلتفت الرئيس الي  ناصحا قومه :

  • ذروها الى النار ، ليستمر الدفء ، ويسود الاستقرار

وجهة نظر

تأخرت في العودة الى منزلي ، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري ، فأظل أتابع الطلاب ، الى أن ينصرف آخرهم ، بصحبة أحد أبويه ، أيمم وجهي شطر المنزل ، الذي أطمح أن أجد فيه راحة ، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي ، حارقا أعصابي ، أتوجّه  ماشية على قدمي ، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي ، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل ، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما..

كل شيء مهيأ في المنزل ، وليس علي الا عمل السلطة ، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق ، على موعد تناول الطعام ، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة ، وأوصيت ولدي اليافع ، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا ، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا.

 هالني أن أجد في منزلي شخصا آخر ، لم أكن أتوقع أن يكون اليوم حاضرا ، وفي غيابي ،أخبرني إبني أنه سمع دقا خافتا على الباب ، وحين استفسر عمن يكون الطارق ، وجد امرأة لايعرفها ، أخبرته أنها صديقة أمه ، وهي تريد أن تكون وقت تناول الغداء ، ولأن ولدي قد علمناه منذ الصغر أن يحسن استقبال الضيوف ، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة ، فرّحب بها ، داعيا إياها الى الدخول والإنتظار ، فعودتي أصبحت وشيكة.

سألت  الضيفة ماذا يكون طعام الغداء ؟

لم يكن ولدي يعرف ، دخلت مطبخي ، وفتحت القدور ، و عرفت ما هو موجود فيها ، فأرادت أن تضيف صنفا آخر تحبه ، لم يكن من الأطعمة المتوفرة ، فتناولت لحما من  مجمدة الثلاجة ، وأنواعا من الخضر ، وشرعت في تقطيعها ، وضعتها على النار ،  وأخذت تنتظر أوبتي  ، وهي تشكو الجوع ، و تأخري في العودة

 كان أبي في زيارتي ،  وقد خرج من المنزل تلك الآونة ، وعاد رفقة زوجي ، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل  ، قد دعا نفسه على طعام الغداء ، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.

الطريق طويل ، والسيارات تملأ المكان ، وعبور المشاة عسير جدا  ، فالسائقون يحبون أن يصلوا الى منازلهم في أقل وقت ، بعد أن أمضوا نهاراتهم في عمل مضن،  آن لهم أن يستريحوا منه

  • أف ، تأخرت أمك ، أين تمضي بعد العمل ؟
  • لا أحد لها غيرنا ، والطريق متعب
  • إن تأخرت سوف أتناول طعامي ، أنا جائعة

  وصلت المنزل ، فاجأني الوضع ، السيدة رأيتها مرتين  فقط ، وفي مناسبات متباعدة

 سمعت شكوى ولدي الصامتة ، وهدّأت من غضبه ، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها ، رغم عدم معرفتها بهم.

وضعت القدور على النار ،  ليسخن الطعام ، ريثما أغير ملابسي ، جهّزت المائدة ، وضعت عليها الصحون والملاعق ،  نقلت الأطعمة المطبوخة  ، دعوت أفراد عائلتي

جميعنا كان صامتا ، لايعلم ماذا يقول ؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه ، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار ، شاكية من بؤس حالتها ، ونحن نحاول أن نطمئنها ، ان كل شيء سيتبدل ، وأنه بالجهد يحقق المرء أحلامه

طرحت علينا الضيفة سؤالا ، لم أعرف كيف أجيبها عنه

  • أنت لديك ثلاثة رجال ، ولا واحد لي ، أعطيني واحدا منهم.

 فكرت فليلا ،  فلم أجد الجواب الشافي ، لكني نطقت أخيرا:

  • ولدي ما زال صغيرا ، وليس بمقدوري أن أنجب غيره ، وأبي لايمكنني أن أمنحه لغير أمي ، وزوجي خذيه إن كان يرغب

نظر إليّ زوجي باستنكار ، وقام دون أن  ينبس بشفة ، نظر أبي بعتاب

  صرخ ولدي  :

  • لا أريد
  • OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

احتفال تقييم

المدعوون كثيرون ، ازدحمت القاعة بهم ، وامتلأت المقاعد بمئات من الحاضرين ، الذين اطلعوا على  الدعوة العامة  ،في الصحافة الورقية والتلفاز ، كنت شخصية عامة ، يشار اليك بالبنان ، تتكلمين في أي موضوع يطرح عليك  التحدث فيه ، وتناقشين بهدوء ، ما تسمعين به من آراء ، لم يكن صوتك يعلو ، فقد كنت تؤمنين إيمانا راسخا ، ان ارتفاع الصوت ينتج غالبا عن الخواء الفكري ، وعدم امتلاك الحجج والبراهين التي تقنع الخصم ، وتفحمه  بالحجة الدامغة ، كما يقول علماء الإقناع ، والمحاججة ، والنقاش الهادئ المستنير.

جلس المتكلمون الأربعة في مقاعدهم ، وطلبوا منك الجلوس في وسطهم ، اثنان منهم على يمينك ، والاثنان الآخران على يسارك.

 يغبطك حضور الجماهير العريضة الى مكان الاحتفال ، ويملؤك اعتزازا وثقة بنفسك ، لقد استطعت ان تحققي شيئا ، وأن تثبتي جدارتك في شأن من شؤون الحياة ، وان يكون لسانك منطلقا في الوقت الذي يزيد الطلب عليه ، وحججك قوية ، ساطعة أمام العيان.

  • سيداتي ، سادتي ، أهلا بحضوركم الكريم ، نرحب اليوم بشخصية عامة ، أثبتت نجاحها الكبير ، وفصاحتها المثيرة للإعجاب في أي مجال ، تتطرق إليه

 حاولت  ان تخبريه ، بأمر الاحتفال ، الذي يطمحون فيه إلى تقييم مسيرتك الخطابية ، والتي أثبت جدارتك ونجاحك اللافتين للنظر فيها ، ولكنك تراجعت في آخر لحظة ، وآثرت ان تكوني وحدك في هذا اليوم ، كما هو الشأن في المرات السابقة ، التي كنت تحضرين فيها احتفالات عامة ، فينطلق لسانك الفصيح مؤيدا ، وجهة النظر التي تريدين تقويتها ، ويستمع إليك الحاضرون بصمت ، وهدوء ، تسكت الأصوات جميعا ، ولا يسمع الا صوتك الرخيم ، يتفوه بأعذب العبارات وأقوى الجمل ، عارضا مختلف الآراء ، ومبينا تعدد وجهات النظر ، وحين تصلين الى نهاية خطابك ، وقد أثبت بالدلائل والبراهين صحة رأيك ، وصواب فكرتك ، تنطلق الأكف بالتصفيق المتواصل ، وأنت تنظرين مستبشرة الى رضا الجماهير العريضة.

كثيرا ما تناول سيرتك السابقة بالسخرية منها ، ومن تقليل شأنها ، وإنها هزيلة جدا ، وانك يجب الا تبالغي  ، في تكبير ما وصلت اليه من نجاح ، فأنت ما زلت في مكانك ولم تحققي شيئا.

 ينطلق الصوت متكلما:

  • أنها مثال ناصع في النجاح ، وتحقيق الهدف ، وفي تحدي الصعاب ، والوصول إلى الغاية.

 كنت في بداية عهدك به ، تظنين انه عازم على إبعاد شبح الغرور ، عن نفسك الحساسة ، وان هذا الماّل يصيب عادة من كان يمتلك الثقة بنفسه ، ورضا الجماهير عنه.

  • إنها قدوة للأجيال الصاعدة ، في ضرورة النضال ، والاستهانة بالعراقيل ، التي توضع أمام العازمين على السير المثابر ، والإصرار المستمر.

 يحدثك عن الأيام التي حققت نجاحا فيها ، وكتبت عن تلك النجاحات الصحف ، وتناولتها وكالات الأنباء ساخرا ، مستهزئا :

  • لم تحققي شيئا ، لأنك امرأة أيدك الناس ، وصفقت لك الجماهير معلنة استحسانها ، ان حاولت اليوم إعادة مجدك القديم ، لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع ، لاتعودي ، الأيام حين تسير ، لاتعود الى الوراء ، وأنت لاتملكين صوتا جهوريا ، ويصيبك التعب منذ البداية.
  • إنها خطيبة مفوهة ، أمدتنا بالكثير من الخطب الرائعة ، البليغة ، والساحرة في البيان ، وهي مدرسة في أصول الخطابة الصحيحة ، والهيمنة على عقول الجماهير.

  ينتهي المتحدثون في إيراد ما تتمتعين به من خلال ، تسر بها الأذن ، وترنو إليها القلوب ، وتميل  الى سماعها الأفئدة.

  • تركت الفصاحة عامين اثنين ، لأعمال منزلية ، و الآن تعود إليها ، بكل جمالها القديم ، نترك السيدة مها تحدثكم بسطور قليلة ، عن تجربتها في هذا المضمار الصعب واللذيذ.

 تتزاحم الكلمات في فكرك ، ولا تملكين القوة لإطلاقها ، تتيه منك الإرادة ، ويتراجع ما عرف عنك من عزم ، وصوت داخلك ينطلق عنيفا : لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع.

 تصفق الجماهير بحرارة ، منتظرة ان تلبي النداء ، يبرد التصفيق ، ينظر إليك المحتفلون باستغراب.

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الانقلاب

الخوف يجتاحك ، كلما فكرت بقدوم الليل ، ما ان تذهب الشمس  مودعة أحبابها ، منطلقة الى ناسها الآخرين في الدنيا البعيدة ،  وكلما اذن الغروب بالانبثاق ، بلحظاته السحرية التي تأخذك  بين شتلات الفكر ، تراود نفسك الفكرة تلو الفكرة ، كيف يمكنك ان تؤخري تلك اللحظات التي تشعرين بها انك ميتة ، وان قوة غاشمة تسيطر على أنفاسك ، وتسلب منك يقين الحب ، وجمال العاطفة ، وتجعلك خرقة بائسة لاحول لها ولا قوة ، محكوم عليها ان تلبي رغبة مسعورة للإجهاز عليها في كل لحظات عمرك الآيل للزوال ، والسنين الثكلى التي استحوذت فيها على ما بقي لديك من قوة إرادة ، ومن تصميم على رفض ما يراد بك ، كنت في حالة مشرقة ، رغم ان الجميع يشفق عليك  ، يبكي بعمق طالبا منك الغفران ، انه عاجز عن تلبية رغبتك في وضع حد للظمأ القاتل ، الذي يعيث فسادا في ربوع نفسك ، المتطلعة الى حياة أخرى ، يقبلك ويرجوك السماح له بتطليقك ، كي تكوني حرة ، مع آخر يسعدك ، ويحقق لك القضاء على سعير السهد المتواصل.

-أحبك جنان ، لكني لا اقدر على تلبية رغبتك .

، وتعيشين في وضع مأساوي ، مع ان الكل يغبطك على النعمة التي تغرقين فيها حتى الثمالة ، من يمكن ان يحكم عليك ، ؟ ويجعلك في سجل الإحياء او الأموات ؟ وانت تشعرين ان قوة جهنمية تسلب منك حلاوة الحياة ، ولذة الحب ، وروعة ذلك التلاقي المحمود بينك وبين رجل تعرفين تمام المعرفة ، انه كل يوم يضع مسامير في نعش حياتك  ، ويسقيك العلقم ، وجرعات كبيرة من السم الزعاف  ، ويحكم عليك بالوأد  كل ليلة ، هل يدرك احد الغابطين لك ، ما تنالينه  من سم قاتل ، تجبرين كل ليلة على تجرعه رغم انفك ، وكل ما حلمت به من  الوصول الى الأحلام وتحقيق الأماني مجرد أوهام ، من يمكن ان يمد إليك يديه لينتشلك من هذا اليم القاتل ، الذي يخنقك كل ليلة ، وتجدين نفسك غارقة في أعماق سحيقة ،لا قدرة لك على تحملها ، تطوفين فوق أمواج الكراهية، التي ينعشها في نفسك بأعماله الشيطانية ،وتصرفاته الهوجاء ، تجدينه  مغرما بالإيقاع بك ، والقضاء على أي شعور بالرأفة، قد ينتعش في قلبك ، ذلك المسكين القانع بكل شيء ، والمحروم من أي لمسة  قد تخلق فيك رغبة في مواصلة الحياة بشكلها ذاك .

 ما تلبث الأماني ان تبني لها أعشاشا في نفسك ، وأنت  تتهيئين لذلك الأرق الطويل

ترتدين  الملابس الحسان ، وتتعطرين بأجود أنواع العطور الباريسية ، عله يغير طريقته الراغمة هذا اليوم ، ويدرك ان الأمر شراكة جميلة ، ترتوي  بالكلمات الجميلة والعواطف المعبر عنها بصدق ، لكن أحلامك تجهضها يد عابثة ، تحاول النيل من إرادتك ، والقضاء على ما تبقى في داخلك، من تصمم جميل على وأد الهزيمة ، التي تبني لها بيوتا ، في أعماق قلبك المتيم لكل جميل ، يتجرع قناني الشراب الواحدة تلو الأخرى ، ويتقيأ ما شربه أمامك ، ويبصق  بإصرار عجيب على إثارة نقمتك ، يرغمك على ملاعبته ، بأسنانه التي لم تر الفرشاة ، منذ زمن طويل  ، ويذكرك بحقيقة تسعين الى تناسيها:

  • ياه ، كما أنا قذر هذا المساء ، سوف استحم صباحا.

  يهجم عليك ، يود افتراسك ، تموت فيك كل رغبة في الاندماج ، في هذه الحرب المسعورة ، وتتمنين الخلاص ان يأتي سريعا ، لينقذك من موت محقق يحل بك،

 تصممين ان تضعي حدا لمتاعبك، التي تتناسل ، وشعورك بالمرارة المتفاقم في أعماقك ، لقد بلغ السيل الزبى ، وليس هناك أكثر سوءا ، مما تعيشينه باستمرار ، أما آن لك أن ترفضي هذا الخنوع الطويل؟

تقوين إرادتك ، عليك ان تنفذي قرارك ، العمر لحظة وينقضي

  • لا أريد

 تتراخي اليد الملتفة حولك ، تجدين ان القيد يزول ، ونظرات تساؤليه تنبعث من عيون تصرين على تجاهلها

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الجثمان

 

انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع  لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ،  وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان  الرؤية ،  منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة

  • لاأعرف ماذا تريدون ؟

 تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء  مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران

  • لم أفعل ما تقولون

 تنهال  عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان  ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور

  • لم اسمع بمن تتهمون
  • انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب

 يعلق  من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة

  • ماذا تريدون
  • يا ابن …….. ألا تدري ؟
  • نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو  ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ،  يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟  يلبون حاجته بعد فراق ؟
  • قل كلمة واحدة

يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب  عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك  ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل

تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا

  • اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي

 ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم  ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان  ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،

  • انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة

 ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم  يمسكون به ، لينجوا

وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر  مجيئهم العمر كله ؟

يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:

  • لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الطائشة

حاولت مرارا  أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي ، ولكن عبثا ، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني ، لم اذنب في حياتي ، ولم أسبب الأذى لاحد ، وحاولت ان اكون مهذبا ، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس ، وتقدير الكبير والعطف على الصغير ، واعطاء كل ذي حق حقه ، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي ، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني ، وأتساءل بيني وبين نفسي

  • هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟

 غلام صغير يشب على حين غرة ، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات ، التي لم تكن تخطر على باله ، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف ، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين ، وشعرها الكستنائي الطويل ، المنسدل على كتفيها ، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير ، حاولت ان اتبعها ، دون ان اتفوه بكلمة ، موصلا اياها الى منزلها ، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها

يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي ، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة ، ولم اعلم عنهم عن طريق  افراد اسرتي  ،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.

 تطول متابعتي لها

  • مساء الخير

 يثيرني انها لاترد على تحيتي ، احاول ان اقترب منها ، عيناها ترحبان بحذر ، ألقي  تحيتي مرات  أخر  ، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب ، أمد يدي إليها ممسدا خدها ، وكأن  شعورا من مس الكهرباء يوقفني ، تسكت هي ، وكانت شديدة الحياء ، اكرر المحاولة ، ترغب بابعادي ، ولكني كنت اقوى منها بكثير ، كنت  أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي ، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني ، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي ، فجأة  أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس ، كيف وصلوا هنا ، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم ، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت ، وأبشعها

  • انها مخلوقة حقيرة ، لم يؤدبها ذووها
  • انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟
  • شعرها منسدل ، ولم تبذل جهدا في ربطه
  • عليها اللعنة ، تتحرش بأولاد الناس ، والرجال الصالحين

 يرانا ابن عمها ، فيسارع الى الوشاية بي  والإيقاع بها

أتفاجأ بأبي

  • ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا
  • لم افعل شيئا
  • لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها ، الا تستحي ؟

 ابي رغم طيبته وسماحته  ،إلا انه  شديد الغضب في مثل هذه الامور

امسك عصا  غليظة:

  • سأؤدبك الآن يا ابن الكلب  ، يبدو أنني لم أحسن تربيتك ، وتركتك حرا ، تتعدى على أعراض الناس ، ينقصني أن تتحرش بالجيران .

 تتوالى علي صربات موجعات ، مما جعلني اصرخ

  • مهلا ابي ، سوف اخبرك الحقيقة

 يتوقف ابي ، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب

-انها السبب ابي ، كانت طائشة وخفيفة ، تضحك في الشارع

  • تأدب ايها العاق ، كيف ايقنت انها طائشة ؟
  • لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ

 اجد ان الضربات تضعف قوتها

  • ومالك وما ترتدي ؟

 يقف ابي ليسترد قوته ، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها

  • انها قليلة الادب

 عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة ، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام ، خوفا من معاكسات الشباب

 كنت ذلك الحين حدثا  صغيرا ، لاأفقه من أمور الحياة شيئا ، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها ، أو تسبب اندلاع حريق ، لايذر شيئا ، ويأكل المذنب والبريء  ورغم توالي الأعوام،  فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني ، سألت عنها وعن أحوالها ، فلم يجبني  احد

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

القزمة

 جلست في غرفتي ، وحيدة ، لا أقوى على الحركة ، أفكر أن أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدميّ لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ،  ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لا يحب الامتثال

اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،

  • مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف.

أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي إلى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ،   يقلقني ما حل بي ،

ولماذا اُخترت أنا  من دون خلق الله الآمنين ، أن يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟

  • مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن.

 فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عُرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن أن تغير كلمات قليلة ، من توجه إنسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد أن كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟

  • مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر..

 أحاول أن استجيب للنداء المتكرر ، ولكنّ فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،

أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أدّيت امتحانات نصف العام  ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب ..

  • مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة

          اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزّع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ،  ومستواها الدراسي والأخلاقي..

لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب..

  • مها :طالبة مجدّة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع..

أحاول أن اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، رأسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان  تسودّ الطرق ،  ويضمحلّ الوضوح

 يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء.

تنطلق همهمة من بعض الطالبات ،   كلمات المدير تنقلني إلى عوالم سحرية

– أحرزت مها   نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة

وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع  صوتا مألوفا يهمس :

  • لكنّها قزمة..

 تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مّضني حقيقته..

لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟

أحاول أن انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر أن انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد أنعم عليّ الصفات الحسان ، أسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحّون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير..

  • قزمة ، قزمة ، قزمة

 نعم. أنا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقّد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا أنا قزمة ، وبشكل واضح لا يمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية  ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة.

 ولعله يدري بهذه الحقيقة ،  التي يدركها كل ذي نظر

يصفو ذهني ، تعود إليّ إرادتي ، أنهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على آن اخط لنفسي مسيرتها الناجحة

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

حالة

تشعرين بألم حاد ، تفتقدين الهواء ، تبحثين عن نسمات قليلة ، تبدد ما اعتراك من ضيق ، وما استبد بك من قلق ، وما اعتراك من اختناق ، تحاولين أن تعبري عن ألمك الممض هذا ، فلا يسعفك الكلام ، يظل لسانك قابعا في مكانه ، يأبى التحرك ، تحاولين أن تجعلي يدك تتحرك ، لتعبر عما اعتراك ، يصيبك اليأس ويستبد بك الإحباط حين تجدين إن أعضاءك التي تأتمر بأمرك ، قد تركتك حائرة ، وأضحت كسولة تؤثر الراحة ، على الاستجابة لطلبك المبهم ، الناس يتحركون ، تنظرين الى أفواههم ، تجدين ان ألسنتهم تلوك كلاما غامضا ، لاتقد رين على سماعه ، تنظر إليك الأعين متسائلة عما أصابك ، وتبذلين جهدا خارقا كي تردي على النداءات الكثيرة ، والمتكررة من هؤلاء الأشخاص ، الذين تركوك حائرة بأيد مجهولة ، تبدد طاقتك ، دون أن يمدوا يد العون لك ، هالك انك كثيرا ما كنت تسارعين الى مساعدة من يحتاجك وقبل ان يطلبها منك ، اختناق رهيب يمسك بتلابيبك ، ويتركك صرعى عاجزة عن الدفاع ، أين أصحابك ؟ يا من علمتهم القيام بما تشائين من أمور ،

  • الهواء ، الهواء أريد نسمة من الهواء

لا أحد  يسمعك في هذا الزحام الرهيب ، تتكلمين كثيرا ، فلا ينطلق لسانك ، اليوم هو في إجازة ، لم يطلبها ، وكان يجب أن ينبئك  قبل اتخاذ القرار ، أتراه ملّ منك ومن أحاديثك الكثيرة ، التي تبعث الساَمة وتدعو الى النفور ، فَاَثر ان يقوم بإضراب بسيط  ،ولو ليوم واحد استجابة لمطالبيه العادلة في الراحة  ، لقد كان خادمك المطيع ، ظل ينفذ إرادتك ، ولم يفكر لحظة في التخلي عنك والتخلي عن واجبه  ،  والقيام بنزهة بعيدا عن عينك ، وترصدك

  • نسمة هواء من فضلكم

 من يسمعك ، وكلهم لاه بما حوله ، يتحدثون بكثرة ، ولا تعرفين عم يدور حديثهم؟ ، أنت عاجزة عن فعل شيء ينجيك من هذا الموقف الصعب الذي تجدين نفسك فيه رغما عنك  ، انك واثقة إنهم يتكلمون ـ تنظرين إليهم باندهاش ، ترين أيادي تتحرك ، وأفواه تصعد وتهبط ، وعيون تنظر ، تشير لك أيديهم ، مصاحبة لكلمات لاتسمعينها ، لحظات يفكرون بك  ، ثم يعودون بعجلة الى ما كانوا مشغولين فيه من اهتمامات

  • هواء ، هواء ، دعوني أتنفس قليلا.

من يسمعك سيدتي في هذا الخضم الهائل من البشر؟ ، الكل يتحدث ، والجميع أخرس لا يستطيع سماع الآخرين ، تناشدين لسانك الأثير على نفسك ، ان ينجدك لحظة هذا اليوم ، تستغيثين مطالبة ببعض الرأفة ، لكنه أبى اليوم ان يستمع لك ،  لماذا هو غاضب عليك اليوم ؟ ولا يلبي طلبك ؟ ويبدو انه لايسمع رجاءك ولا يستجيب له ، ما باله اليوم قد انزوى مبتعدا عنك ،واثر الراحة متقاعسا عن همومك ، هل أغضبته مثلا ؟ وهل نطقت بكلمات لا تتفق مع قناعاته ، قد تكونين  مرغمة إياه على التعبير  عن قضايا لايؤمن بصحتها ، لماذا أجبرته على ذلك التصرف ، أما كان الأجدر بك أن تستشيريه أولا ، بما تزمعين التصريح به  من أراء ، ثم تحجريه بإرادتك التي يجب ان تنفذ وعلى الفور

  • هواء ، هواء ، أعطوني نسمة من هواء.

 من يسمعك ؟ والجميع لاه عنك وعن همومك ، الكل يتحدث ، ألسن منطلقة ، وأفواه تتحرك صعودا وهبوطا ، وأنت تحاولين التعبير عن أوجاعك ، أبى ذراعاك التحرك ، يرفض كفك القيام بما تريدين ، لسانك ما زال مضربا عن الكلام ، والهواء معدوم ، وأنت تنشدين نسمة من هواء عليل ،يعيد الى نفسك راحتها المسلوبة ، والجميع مشغول بنفسه عنك.

  • هواء ، هواء

 أفواه تتحرك بقوة وإصرار غريب ، وأنت لا تعرفين عن أي شيء يدور الحديث ، تجلسين بينهم بعيدة عنهم ، تحاولين الإنصات الى ما يقولون ، تفشل محاولاتك ، وتذهب جهودك أدراج الرياح ، تناشدين لسانك ان يعود إليك ، بحكم الصداقة الطويلة الممتدة بينكما طوال سنين عمرك ، كنتما نعم الصديقين المخلصين ، لم يبتعد عنك لحظة واحدة ، صحبك في أيام الرضا والغضب ، لحظات الحزن والفرح ، هل شكرته يوما على حسن صنيعه ؟ وهل كا فئته ؟ لماذا أراك اليوم مندهشة لما قام به من ابتعاد عنك ؟ هل تخشين ان يطيل  النأي عنك ، وان يسلوك ،  وأنت عاجزة تماما عن العيش بدونه ، من يفهمك في هذا اليم الهائل من الوجوه الخرساء ، التي لاتتقن التعبير عن أنفسها ، إن فارقك صديقك الوفي وَاَثر الابتعاد عن سلاطتك المعهودة ، عليك ان تقري بفضله ، وان تعترفي بما قدمه لك من صنيع رائع ، وان تحاولي إقناعه أن يعود إليك ، فآنت عاجزة عن الحياة ، بعيدة عن مهاراته الجميلة ، وكفاءاته الأخذة بالتزايد  ،حسب اعتراف الأحباب والأعداء ، ولكن أين أحبابك في هذا الزحام الرهيب ؟ لماذا تركوك محبطة مهيضة الجناح ، تبحثين عن السمير والأليف ، في دنيا عز فيها ، من يقف بجانبك معاونا او مؤيدا ، تتواصل استغاثتك بلسان قد ابتعد عنك وأيد ترفض الاستمرار في الاستماع إلى ما تشائين.

  • هواء ، أرجوكم نسمة من الهواء

 الجميع أصم لا يسمع ، غير قادر على التواصل في بحر متلاطم الأمواج ، يشكو الناس الحرمان من الحب والفهم والتآزر.

تسمعين نفسك تصرخ مستغيثة:

  • هواء ، هواء .

 لاأحد يسمعك ، يقتلك الظمأ ، يخنقك العطش ،  وقد هجرك اللسان ، وتراخت اليدان عن تلبية ما تريدين .

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

لست أنت

تصل هذا اليوم ، بعد انتظار طويل مدة خمس سنوات ، مرت علي كدهر بتعاستها وشدتها ، نسيت كل الامي ووحدتي وشدة غربتي ، طوال سفرك ،  وفرحت من كل قلبي ، لانك قادم بعد السفر والبعاد ، اجهز نفسي وابدد مخاوفا انطلقت بعد كلام اخي

  • أأنت مطمئنة اليه ؟ وقد نسي عائلته ، وعذب اباه ؟

 اسكت  شكوكي التي اطلقها سؤال أخي  ، وأنت تعلم مدى العلاقة القوية التي تربطني باسرتي ، ابحث عن علل لك ، تمنعك من الاتصال بوالديك ، قد تكون مضطرا ، حائرا ، تعاني الغربة والتشتت ، وينطلق الى ذهني سؤال

  • الغريب يذكر أهله ، ويحن الى أصدقائه وأحبابه

 وأنت تمضي بلا وداع ، اعلل النفس انك لم تجد فرصة مناسبة ، للاتصال بي وتوديعي ، ولكن عائلتك التي تركتها وحيدة مريضة ، كيف طاوعك قلبك على نسيانها طوال خمس سنوات ، هل كنت تسهد الليل والنهار ؟

 احضر نفسي لاستقبال عزيز على قلبي ، جاء بعد انتظار ، ترى كيف اصبحت ؟ وكنت الرقيق المحب ، وهل الرقيق الحنون يتناسى  اباه الضعيف وأمه المعذبة ، ويتركهم لعذاب الوحدة وبرودة الشيخوخة دون استفسار ؟

اقمع اسئلة عديدة يطرحها عقل ما زال يعمل ، قد اجد لك عذرا انك لم تتصل بي ، ولكن ما علتك للانقطاع عن شخصين تعبا من اجلك ؟

لكل غائب حجته ، سوف تهل علي بعد غياب طويل ، وتشرح لي ما تعسر علي فهمه ، كنت تعاني في بلاد الغربة ، تدرس وتعمل كما يعمل الذاهبون الى هناك ، والطامحون الى احراز الدرجات الرفيعة والعلم الغزير.

اتناسى كل اساءاتك لوالديك العزيزين ، لقد حملتهما ما لاطاقة لهما به من عناء الحاجة ، باع والدك منزله ليبعث لك النقود ، وانت تتمتع ببلاد بعيدة ، ولا تبالي بما عانى ابوك الشيخ.

مالي ابعث اسئلة راقدة من عقالها ؟ لماذا تنهال على العديد من الاستفسارات عما فعلته في ديار الغربة ؟ هل تكون معذورا ، ولم تجد عملا يكفيك مؤونة السؤال فطلبت المال من ابيك ، وانت تعلم انه لايملك منه شيئا.

انتظرت هذه اللحظة خمسا من السنين ، وها اني راغبة باستقبالك ، بما انت أهل  له من فرح ومسرة ، فكيف اضحيت بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن ؟ هل بقيت ذلك الانسان الحنون الذي يصفه ابواك ؟

طلبت ان استقبلك  في منزلي ، ليكون اخي الوحيد حاضرا ، لانه اراد ان يثير خوفي منك

-هل تطمئنين اليه ؟ لقد باع ابوه المنزل البسيط الذي يسكن فيه من اجل ان يبعث له النقود.

– ساتي الى منزل اخيك غدا ، واليوم نلتقي في احد المقاهي القريبة.

قد تكون تغيرت الى الافضل ، من يدري ؟ خمس من السنوات ليس بالامر الهين ، كيف يمكن ان تكون ؟ بعد هذا الغياب ؟

الا تزال تؤمن بنفس الرأي القديم ؟ ان مضمون  الشخص وجوهره افضل من الشكل ؟ كنت احاورك في هذا المفهوم ، لم تكن تريدني ان ارتدي الملابس الانيقة وان اضع المكياج ، تقول ان طبيعة الانسان احلى ، لهذا سوف اعمل بنصيحتك ، ولن اغير بشكلي ، فانا طبيعية لااميل الى التزويق والظهور بنقيض حقيقتي ، ساغير لباس العمل واتي اليك.

  • ابوه الان يسكن في غرفة بائسة ، بعد ان توفيت امه ، يغسل ملابسه ، ويطهو طعامه ، وصحته ساءت ، ولا يملك اجرة الطبيب ، هل يمكنك ان تطمئني اليه ؟

 استقبال بارد ، لم اجدك انت بدفئك القديم ، مخلوق اخر يشبهك ، اناقة مفرطة ، تبدو عليك الوجاهة والغنى ، لم اشعر انني خطيبتك ، وكيف لي بهذا الشعور وانت لم تتصل بي ابدا.

تجلس صامتا يظهر عليك الانقباض ، وانا اجد الاعذار لك ، قد تكون متعبا من نضال طويل استمر خمسة أعوام ، لكن الذي فجر بركانا من الاسئلة في داخلي ، ان سائلا يقترب منك

  • من مال الله

   تصرخ بوجهه صافعا اياه بقوة ،  أ من اجل هذا سافرت ؟ وباع ابوك منزلا يأويه

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الصائمة

بعد دقائق ، يحين موعد أذان المغرب ، لم تجدي ما تضعينه على مائدة الإفطار ، انقطع الكهرباء ، واستمر انقطاعه أياما أربعة ، مما سبب تلف الأطعمة ، التي وضعتها في الثلاجة ، كنت تودين أن تجهزي بعض الأصناف ، التي تتزين بها مائدة الإفطار ، تتذكرين السنين الماضية ، حين كان المنزل يزهو بأفراد عائلتك المحبة ، وببعض الأصدقاء الذين يطيب لوالديك أن  يكونوا معهم على تلك المائدة التي تزخر بالأطايب ، التي اشتهرت  بإعدادها بيديك الماهرتين.

 سافرت شقيقتك للمعالجة ، وبقيت وحدك ، أنت التي لم تري الدنيا ، ولم تدخلي الحياة ، قتلت الحروب أحبابك ، ووأدت الفرحة في قلبك المعنى ، بقيت في مكانك ، محرومة من الأليف الذي يضمك الى صدره ، تسمعين أصواتا بعيدة لإطلاق الرصاص ، ألا يرتاح الصائمون من هذه اللعلعة ، التي تربك منك الأنفاس وتقتل الشعور بالأمان ، ينعدم فيك الأمل ، ويخبو ضوءه ، الى متى المعاناة ؟ الا يكفي ما أريق من دماء زكية طيلة السنوات الماضية؟.

هلّ الشهر عليك بفرح  ، وجاءك شعور من الحبور ، تكون أيامه منيرة ، ولياليه مثمرة بالعمل الصالح ، ولكن كيف يمكنك أن تقدمي المعونة لمن يحتاجها وأنت   غير قادرة على المسير ، جارتك الطيبة التي كنت تشعرين أنها أم لك بعد وفاة الوالدة ، قد ودعت آلام  الدنيا ، ورحلت وحيدة ، لم يبق بجانبها أحد من الأولاد والبنات ،  وكأنها لم تنجب أحدا ، وجيرانك قد رحلوا نشدانا للأمان الذي تعذّر وجود بذوره في هذا المكان. ويبست شجرته واصفرت أوراقها ، وتكسرت منها الأغصان .

تشعلين الشمعة الطويلة ، بعد أن أعياك انتظار رجوع الكهرباء ، يمضك ما ألم بك من غربة وضياع آمال ،  وتأملين أن تتحسن الحالة في الغد ، تتصلين بأختك المريضة ، لم تكوني  بقادرة على فراقها ، ولكن مدينتك قد انعدمت فيها  سبل الشفاء بعد أن تقاتل بنوها وترصد بعضهم بعضا بالعداوات.

  • انا بخير ، اعتني بصحتك.

 بقيت وحيدة ، ترنو نفسك إلى من يؤازرها في صقيع الغربة الذي تشتعلين فيه

  • الله اكبر، الله اكبر

 يأتيك صوت الرحمة ، ويهل عليك الاطمئنان.

تدخلين الى جوفك الظمآن ، بعض حبات من التمر ، وأنت تفكرين بشقيقتك المريضة ، مهما بلغ تعبك من الشدة الا انك أفضل صحة منها ،

  • أختك بحاجة الى العناية المركزة

 عائلتك كانت كبيرة  قوية ، هاجر بعضهم ، ومات البعض الآخر

  • اللهم ارحمهم جميعا ، الأحياء منهم والأموات

 تتوالى أصوات إطلاق الرصاص ، وأنت تصغين ، كيف يمكن أن يطلقوا النار في شهر فضيل ؟

 في العام الماضي كنتما معا ، أنتما الشقيقتان المتعاونتان ، تعين إحداكما الأخرى ، وتسندها ، الإنسان الوحيد ضعيف مسكين ، القوة مع الجماعة ، ولكن ماذا بإمكانك ان تفعلي ؟ وقد تبددت أسرتك الكبيرة ، وانفرط عقدها ، ومات أبواك الكريمان بعد ان أرهقت قلوبهما الأحزان.

تضعين ملاعق من الحساء في فمك.

  • اعتني بصحتك جيدا ، تناولي كل عناصر الطعام.

 سمعت النصيحة ونفذتها ، اشتريت المواد البانية ، ولم تكوني تعلمين : ان الكهرباء يستمر انقطاعها أياما أربعة ، أصاب التلف الطعام

تتناولين لقيمات من البطاطة  ، التي وجدتها أمامك ، وصنعت منها صحنا ، أختك المريضة من يعتني بها ؟ من لك بشخص يسأل عنك ويرأف بحالك ، بعد أن انفرط العقد وتبدد الشمل ؟

 تسمعين أصوات متفرقة ، لإطلاقات صادرة من بعيد ، ترغبين بالقراءة ، او مشاهدة التلفاز ، ولكن اليد قصيرة ، وأنت عاجزة

  • الحمد لله

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

العانس

ارتديت أحسن ما لديك من ملابس ، ذهبت إلى مصففة الشعر ، لتعمل لك تصفيفة تليق بهذا اللقاء ،  وضعت الأصباغ التي لم تكوني ترحبين بوضعها سابقا ، لقد بشروك انه قادم إليك ، وان السنين التي انتظرت فيها قدوم العريس لم تذهب هباء ، كنت تطمحين أن يحبك أحدهم ، بعد أن أعياك ان تجدي الحبيب الذي طالما حلمت به ، قد فر غير آبه بك  ، لعله لم يكن يعلم : ان السهاد قد غلبك وأنت تفكرين به ، وتضعين الخطط  كي  يلتفت إليك ، ولكن كل محاولاتك ذهبت أدراج الرياح ، وأحب واحدة أخرى ، لم تكن أجمل منك ،  فكتمت حزنك في القلب ، وقلت لنفسك ان الأمر لايعدو ان يكون حظا ، وانك لم تعتادي على ابتسام  ذلك المخلوق بوجهك ، كان عابسا ، دائما  أراك ظهره ، مات أبوك ، وأنت صغيرة ، ولم تجدي أبا رحيما يحنو عليك ، ويضمك الى صدره كشأن الآباء ، الذين كانت صديقاتك  يقصصن عليك اهتمامهم ، وعطفهم وحبهم الكبير للبنات ، فحلمت برجل حنون ، يعوضك رأفة الأب المرحوم ، ويروي ظمأك الى الحب التي تجدين بذرته في  أعماق قلبك تناديك. بكل حرارة المحروم .

أخبرتك صديقتك مها ، ان الرجل يريد الارتباط بك ، وان السفر والترحال في بلاد الله الواسعة ، قد أتعب قلبه ، وأضنى منه الفؤاد ، وانه يطمح بعد ذلك المسير ، الى الاستقرار ، في كنف زوجة عاقلة ، تعرف مميزات الأسرة الهادئة ، ولا تجري خلف التقليعات الغريبة ، وتعرف مالها ، وما عليها ، رحبت بالخبر ، رغم ما فيه من شروق قاسية ، الا انك تعبت من برودة الحياة ، التي وجدت نفسك وحيدة فيها ، ولم يقف بجانبك أحد من الأحباب والأصحاب ، وأين لك بالأحباب ؟ ، وقد فارقك الأب الحنون ، وأنت طفلة صغيرة ، من يهتم بأوجاع الأبناء ، ويحنو على ضعفهم مثل الأب ، فإذا ذهب بعيدا ، اختلت الموازين ، وتدهورت أحوال العالم ، وحل اليتم في الأفئدة ويبست القلوب.

تنظرين الى نفسك في المرآة ، أنت جميلة بكل المقاييس ، العالم من حولك أعمى ،

العيون واسعة كحيلة ، والصدر ناهد ، والأنف دقيق ، والحواجب كثيفة ، والرقبة طويلة ، والبشرة بيضاء صافية ، والشعر أسود طويل ، ينسدل فوق الكتفين ، والفم غليظ وكأنه خلق للتقبيل ،  والخصر أهيف ، والورك عريض وووووو

 تنظرين الى نفسك معجبة ، لقد زال حرمانك ، وهاهو قادم ، من يضع حدا لتعبك المرير ، وينهي معاناتك الباردة ، ويضمك اليه بلوعة المشتاق.

الهاتف يرن

  • نعم ، صديقتي ، الرجل مشغول هذا اليوم ، سوف آتيك أنا بعد قليل.
  • متى يأتي ؟
  • ربما غدا

 تضعين سماعة الهاتف ، وأنت جذلة ، سوف تنتهي متاعبك غدا ، وتهل عليك فرحة العيد ، بعد ان أوشك الهلال على الظهور.

  • الرجل يبلغك تحياته ، وطلب مني ان أبلغك أنكما يجب ان تتفقا على بعض الأمور
  • انا مستعدة
  • لكل واحد منكما حريته المطلقة ان يفعل ما يشاء ، أنت متدينة ، تؤدين الفرائض ، وتحبين ان تقومي بالنوافل ، بعض الأحيان ، وهو لاديني يحب ان يكون حرا ، كما تحبين أنت ان تكوني حرة ، يمكن ان يشرب ويلعب الميسر ، ويجلب صديقاته الى المنزل ، كما انك حرة في ان تظلي على حجابك ، او أن تخلعيه ، أنت حرة كما هو حر ، يمكن ان تسافري الى أي مكان تشائين ، كما يمكن ان يسافر هو وقتما رغب.

تذهب صديقتك ، بعد ان تخبرك انها مكلفة بتبليغك طلبه ، ولأنك يجب الا تلوميها ، فليس لها ذنب ، ولماذا توجهين اللوم لها ، وهي تقوم بأنبائك آراءه ، تصعب عليك نفسك ، كيف تجعل الحياة ، أعزة القوم أذلة بعد تراكم الأيام وتوالي السنين ، فإذا الأذناب تصبح رؤوسا ، وإذا الأسود تتمرغ هاماتها بالتراب.

ولكن وضعك يؤلمك ، الى متى تظلين وحيدة منبوذة ؟ تقتلك البرودة ، وتفتك بنفسك اللامبالاة ، وتبدد طاقتك الغربة ، ظل رجل يدفئ  بيتك المقرور ، ويضع حدا لمتاعبك.

  • من قال انه يريحك ، هذا الذي يضع شروطا تعجيزية للارتباط ؟

وما الذي تخسرين ، أنت وحيدة  معه او بدونه ، لماذا تترددين ؟ وافقي

سوف تزول بنظر الناس متاعبك ، لن تجدي نظرات الاستهانة والإشفاق ، تلاحقك أينما حللت ، نظرات ملؤها الرثاء من واقعك الأليم.

سوف توافقين على شروطه ، وترسمين على ثغرك ابتسامة السعيدات ، انك لم تقضي الليل وحيدة ، تتقلب على فراش قاس كالأشواك ، أنت زوجة ، وبجانبها رجل ، ملء السمع والبصر. لن تواجهي نظرات الشماتة ، بعد اليوم

غدا حين يأتي ، ستحل السعادة في وجدانك ، وينبعث صوتك مغردا مرحبا بالحدث السار

سوف تعتنين بنفسك ، وترتدين أجمل  ملابسك ، وتصففين شعرك على أحدث طراز ، وتضعين عطورك الرائعة ،  لقد وصفوك بالجميلة ، وحان لك ان تكوني جميلة حقا بعيون رجل ، وليس فقط بعيون النساء  ، ليضع شروطه ، وأنت تتمسكين بما ترينه مناسبا لك ، كلاكما حر في التصرف كما يرغب ويريد.

لماذا أنت حزينة ؟ وما الذي تخشينه ؟ وليس في حياتك ما يمكن الخوف من فقدانه ؟ مرحبا به ، الفرحة حلت بأرضك ، والابتسامة رسمتها على شفاهك ، غدك سيكون أحلى  من أيامك المنصرمات.

تسرّحين شعرك  ،ويعلو صوتك مترنما ، بأعذب الأصوات ، أنت سعيدة الآن ، لقد ولت أيام السهد ، والقر الى غير رجعة.

يأتيك صوت مها مجددا

  • عزيزتي ، حين أرسلني إليك ، أخبرك بشروطه ، بعث صديقتنا منى الى إحدى معارفنا ، لتخبرها بنفس الشروط

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

القســــــــــم

 ما زالت رسائله تواصل الإنهمار علي ،  سائلة إياي إن كنت غاضبا من تصرفه ، وكل مرة أجيبه بالنفي ، فهو عزيز لدي وأثير على نفسي ، ومن المستحيل أن يؤدي تصرفه الى غضبي ، أو إلى إثارة نقمتي ، كل ما في الأمر انه قد أثار حيرتي  بأعماله التي لا أجد  لها تفسيرا ، وانه  يجعلني أشفق على نفسي ، فانا أحبه كثيرا ،  رسالته الأخيرة تنبئني انه عرف أخيرا بحقيقة الأمر ، وانه تسرّع بإصدار حكمه على ظواهر الأمور ، وكان من واجبه أن يتريث قليلا ، ليتيقن  من دو اخل نفوس البشر ، وتصرفاتهم الغريبة التي تدعو الى الاندهاش..

حاولت مرارا أن أتناسى الأمر ، مسدلا عليه ستار التغاضي ، ولكن رسائله ما فتئت تذكرني إنني  شخص مجنيٌ عليه أحيانا ، بسبب طيبتي المفرطة او سذاجتي التي لا مبرر علميا لها..

لم يطلب مني احدهم القسم، على أمر من الأمور ، فقد كنت دائما موضع ثقة ، وأنا أتحرج من هذه المسألة ، لماذا يطلب شخص ما منك ، ان تقسم له بأغلظ الأيمان انك لم تقم بعمل؟؟ ، قد اتهمك به أحد المغرضين ، مررت بلحظات عصيبة كنت ألاحظ تكذيبا لما أقول على سنحة السامع ، ولكني حين أنظر إليه يسارع الى القول

  • إني أفهم كلامك ، استمر

  يقول أصدقائي إن وجهي كتاب مفتوح ، يمكن لمن يتحدث معي أن يلمس صدقي ، فإن كذبت ظهرت علامات الكذب ، واضحة على محياي..

ولكنً هذه المرة أتاني طلب ، من إنسان قريب مني ، أكن له كل الود ، أن أقسم وبكتاب الله أن ما  تقوله هذه المرأة كذب واحتيال ،

أُخذت  على حين غرة ، أردت أن أدافع عن نفسي ،  فلم يشأ لساني ان يتحرك ، وشعرت ان قوة كبيرة تجثم على أنفاسي ، وتسلبني الإرادة  ،  وان خصمي أشد مكرا مني ودهاء ،وأنني كنت دائما سليم النية طاهر الطوية.

الرسالة الأخيرة أمامي ، تنبئني انه عرف الحقيقة أخيرا ، وانه تسرّع كثيرا في الحكم  ، مما سبب التضحية بصديق عزيز ، من الصعب جدا العثور على مثاله  في هذه الأيام…

أتتني السيدة زوجته ، تريد ان تستلف مني نقودا ، لأنها صرفت ما هو مخصص لإيجار المنزل ،في شراء حاجات  خاصة لها ، وأنها لم ترد ان تخبره بالأمر ، لئلا يغضب ويثور ، وأنها سوف ترد لي ما أخذته بعد ثلاثة أيام حين تسأل أخاها ان يمنحها ما تريد .

تمضي الأيام الثلاثة ، والأسبوع  ،ثم يمر شهر ، أكون بحاجة الى استرداد نقودي ، فأنا   موظف ، ولا أملك فائضا من الأموال.

تفاجئني التهمة ،التي لم أكن أتوقعها أبدا ، ومن أخت لي ، وزوجة أعز صديق

  • صديقك يراودني عن نفسي.

 يستبد الغضب بصديق العمر ، وكأنه لم يعرفني أبدا.

  • ليقسم كلاكما ، هذا القران

 مشهد تمثيلي لممثلة ماهرة ، تبكي بحرارة لا مثيل لها ،وتقسم بأيمان مغلظة ،

  • وحق كلام الله ، صديقك أتاني.

                      يستبد بي الغضب ، ولا أعلم كيفية التصرف، في هذا النوع من الأمور الذي يداهمك ، على حين غفلة منك ، ولم أستطع أن اغير طبيعتي ، التي تميل الى تصديق الناس ، وتبرير أعمالهم ، وخاصة إن كانوا أصدقاء خلص ، يعز مثيلهم في هذا الزمن الموبوء .

 وها هي رسالته تأتيني ، فأقرأ فيها حرارة الصداقة  التي إفتقدتها ، لعل الأيام تنسيني ما سببت لي من جروح .

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

وجاهة

المطعم في ازدحام رهيب ، حركة دائبة وطلبات لا تنتهي ، منذ اشتغلت فيه منذ ثلاث سنوات ، وأنا أتحرج من الظهور أمام الناس ، وأخشى ان يعرفني احد النزلاء او الضيوف الكثيرين ، الذين يترددون على هذا المكان ، فتسقط هيبتي ، وأصبح موضع هزء وسخرية من قبل الجميع ، انا رجل مسالم ، احرص دائما على إرضاء الجميع ، وان كانت الحكمة العربية تقول ( رضا الناس غاية لا تدرك) الا إنني اجتهدت كثيرا فيما مضى من أيامي لأحافظ على احترام الناس وتقديرهم ، الناس كلهم يحافظون على المظاهر ، ما شأنهم بما اعمل ، وان كان شغلي الذي يدر علي الربح الحلال محترما ، لم يراه الناس من الأعمال المحتقرة  ؟، استطعت بالعمل الإضافي الذي أقوم به بعد الدوام الرسمي ، ان احصل على منزل محترم  ،  يحتوي على حديقة جميلة ، زرعتها بأنواع من الأشجار الباسقة ذات الثمار اللذيذة ، أشجار نخل فارعة  ، وكروم تتسلق الجدران ، ورمان ، مع ورود مختلفة الألوان والأنواع ، رائحتها تخلب الألباب ، وتمتلك القلوب ، نصبت الأرجوحة التي طلبتها زوجتي الحبيبة ، نجلس في الأماسي التي تبقى لي ، بعد الانتهاء من عمليّ الاثنين ، ساعات قليلة ، اقضيها في راحة من عناء الأعمال الكثير ة ، والتي تثير في التعب طوال النهار  ،

استمع الى أحاديث زوجتي التي لا تنقضي ، ومطالبها التي تتجدد كلما نفذت إحداها

  • سيارتنا أصبحت قديمة الآن

 المطعم في حركة دائبة ، استمع الى طلبات الزبائن ، وأنفذها في التو ، من طبيعتي ، أتميز بالنشاط ، لااحب الكسل والتباطؤ في الحركة ، ما ان يطلب مني احدهم شيئا  حتى أسارع الى تلبيته على الفور ، هذا رزقي ، وعلي ان أحافظ عليه كما اعتني بعيني

أسجل كل ما يطلبونه مني ، شراب ، طعام على اختلاف أنواعه ، مطعمنا يقدم كل أنواع الأطعمة ، المشرقية والمغربية ، وأصنافا كثيرة من أنواع المقبلات والسلطات

هذا الصباح كان متعبا لي ، طلاب الثانوية ، يرهقونني بأسئلتهم التي لا تنتهي أبدا ، وخاصة الطالب المشاغب حسام ، يمطرني باستفساراته عن الأمور السياسية التي يعلم تمام العلم أنها  من الأحاديث الممنوع التطرق اليها داخل الفصول ، سألني بوقاحة حاولت الا أبدي  اهتمامي بها

  • ما رأيك أستاذ ، هل يعتبر الشخص الخائف الجازع ، مخلوقا طبيعيا ؟ ألا ترى انه في منتهى درجات الجبن والخنوع ؟

 أحاول أن أقنعه أنني موظف لدى الدولة وعلي ان أنفذ برامجها التعليمية ، دون التطرق الى الأمور السياسية التي أجدها تشتت أذهان الطلاب وتبدد انتباههم ، ولكن كل ما أقوم به لكسب هذا الطالب المشاغب الى صفي تبوء بالفشل الذريع ، رأسه جامدة ولا يقبل الإقناع ، تماما كما كنت أنا ، في مثل سنه.

 ناقشتني  أختي هذا الصباح بوضعي ، استنكرت هي ان أقوم وأنا الأستاذ بعمل النادل بعد ساعات العمل الرسمية ، وحين وضحت لها حالتي الصعبة ، وان راتبي المتواضع لا يكفي للقيام بمتطلبات أسرتي ، ظهر عليها الإنكار لكلامي

  • أي أسرة ، زوجتك الأمية لوحدها ؟

 انا رجل مسالم ، زوجتي امرأة ، ومن حقها ان تطلب مني ما تريد ، من يفيها حقوقها ، وهي جليسة المنزل  لم تحصل  على تعليم كاف.

وهذا الصباح حين ناقشني الطلاب بالأمور السياسية ، وكيف يكون الإنسان المحترم ، وان الشخص المناسب في المكان المناسب ، سمعت قهقهات مكتومة من الطلاب يحاولون إخفاءها ، كنت  سابقا محل التقدير والاحترام ، وحين اخذ عصام هذا يقود الطلاب ، ويقنعهم بمناقشة الأمور الممنوع مناقشتها في حصة الدروس الاجتماعية. وجدت ان منزلتي التي كنت احرص عليها بين الطلاب ، قد أسيء إليها كثيرا

المطعم هذا المساء في حركة  دائبة  ،وازدحام قل نظيره في المساءات الماضية ، ربما لان  غدا يوم عطلة رسمية ، الكراسي حول الموائد قد امتلأت بالضيوف ، وكل منهم يطلب شيئا مني ، أسجل الطلبات ورقم  كل مائدة وأنواع طلباتها

  • أنت ترهق نفسك بالعمل ، دعني أساعدك

 مسكينة زوجتي تريد ان تعينني ، كيف يتأتى لها مساعدتي وهي لم تكمل الثانوية العامة

أنهيت تنفيذ ما طلبه الزبائن مني ،

  • أيها النادل ، تعال هنا

 يسكب الزبون العصير على المائدة آمرا إياي

  • هيا أيها النادل ، امسح ما هرق  مني من شراب
  • اعتدت دائما ان اضبط أعصابي ، وألا أدع الزمام يفلت مني ،  أتنفس بعمق  ،محاولا إدخال ما تيسر من هواء الى رئتي المتعبتين  ،بهدوء ذهبت الى المائدة المعنية ، ومسحت ما فيها من بلل ، ينطلق صوت أعرفه جيدا ، كم أتعبني شغبه
  • مرحبا أستاذ

                                                                      

                                                                  

                                                                  

                                                             

الروائية صبيحة شبر

قصص قصيرة” لستَ أنت”

أبناء أبرار

أويت الى غرفتك النائية ، بعد أن غيرت ترتيب أثاثها ، ورغم صحتك المتدهورة ، حملت القطع الثقيلة ، ناقلة إياها من مكان الى آخر ، عل أحدا منهم يتذكرك في هذا اليوم ، الذي بدا منذ الصباح جميلا ، ساطع البهجة ، مزدانا بالروعة ، جمال الورود التي طلبت من جارتك ان تأتيك بها ، تعلمين أنهم يحبون رائحتها  الزكية ، التي تنبعث من مكان يبتهج بمرأى الورود البهية ، وبعطرها المهيمن على أجواء الاحتفالات الأليفة.

نقلت قطع الأثاث من مكانها المعتاد ، الى مكان  بدا لك أنها ستكون أجمل فيه ،  لم تستطيعي ان تبتاعي قطعة جديدة ، كانوا يعتمدون عليك ، في توفير طلباتهم التي لاتنتهي أبدا ، رغم أنهم يعملون ، وأنت بقلبك المفعم حنانا ، تسارعين الى تلبية ما يشيرون إليه ، من أنواع لاتخطر على البال ، يتفننون في العثور على لائحة ، مما يبعث الفرح الى نفوسهم ، وأنت تضنين على نفسك فيما هو ضروري لها ، وحتى الدواء .

  • راقبي صحتك سيدتي ، وخذي الدواء في أوقاته.

كل يوم لهم طلبات جديدة ،  لم تقدري  حيالها على الوفاء بما ينصحك به الطبيب ،

  • صحتي ممتازة ، والله وهبني قدرة على الاحتمال ، وهم أحبتي

تغير شكل الغرفة  ، بدا جميلا جديدا ، رغم أثاثها القديم ، الذي استطعت ان تقتنيه حين كانوا صغارا ، واحتفظت به ، ولكن اضطرتك الحاجة ، إلى بيع ما تبقى من أثاث المنزل ، حين توفى زوجك ، لم تعودي بحاجة الى الكثير ، هم أولى به ، سوف تعرضينه على البيع ، لتوفري بثمنه بعض ما يشتهون.

يوم جميل ، جهزت له نفسك ، هيأت أطعمة تعرفين ان أحبابك يرغبون بها ، ذهبت الى أسواق بعيدة ، لتوفيرها في هذا اليوم

المنزل الذي أويت اليه بعد تفرق الأبناء ، كل الى جهة بعيدة ، لمست فيه حنان السكان وتآلفهم ، لايضنون  عليك باللمسة الرقيقة ، والكلمة المشجعة ، التي تمنحك طاقة لاحتمال آلام  الحياة وأهوالها.

الوقت يمر ببطء ، وأنت تنظرين من النافذة ، حتما سيمرون عليك

ليقولوا تلك الكلمة العذبة ، التي طالما أسعدتك.

  • عيدك سعيد يا أمي

وكان المنزل مليئا بالمحبة ، وزوجك باسط ذراعيه الحانيتين ، يتغلبان على أية  هفوة من الأبناء غير مقصودة ، قد تسبب لك الألم

وأنت تسامحين ، وتغفرين الزلات العفوية ، وتتناسين حقوقك ، مؤدية واجبات الأم والصديقة ، والأخت الكبرى للأبناء ، انه يومك وسوف يهرعون لإسماعك الكلمة ، التي عشت طوال عمرك تستعدين لها

تعبت وجاهدت ، وبذلت سنين عمرك من اجل إسعادهم ، وتحملت الضرر وضحيت بما هو من حقك ، كي ترينهم رجالا يسعدون من حولهم ، وها أنت هذا اليوم تستعدين لسماع كلمتهم الحبيبة.

  • عيدك سعيد يا امي

تمر الساعات ثقيلة ، وأنت لهفى ، تنتظرين ان تهل سعادتك ، وان تسطع شمسك ، وتنبثق أقمار الحياة مغنية  لك ،  وقد  حققت انتشاءك ، ووصلت الى ما يحلم به قلبك ، من روعة المحبة التي تغمرنا بالغيث ،اذا ما سقطت قطراتها على نفوسنا الظمأى الى كلمات الحب،

حتما إنهم أولادك ، حريصون على هنائك ، سوف يسارعون الى غرفتك النائية ، ليلقوا عليك التحية ، مهنئين بيوم ليشبه الأيام الأخر  جمالا ، لأنهم لم ينسوك ، وسطعت شموس مودتهم على حياتك اليابسة ، فأنعشتها

  • أيامك هانئة أمي

تمضي الساعات ، ونظراتك معلقة على النافذة ، عل احدهم يسرع ، ليضع حدا لمعاناتك التي لاتنتهي ، أنت الثكلى وأبناؤك أحياء يرزقون

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

التشخيص

 أصبحت فرحة هذه الأيام ، مستبشرة ، أتفاءل بالخير الذي يغمر الغد ، ويحيط بالعمر القادم  فيحيله الى جمال اسر ، اغني بكل قوة  وادع نسمات الهواء العليلة تداعب وجنتي ، آن لي أن افرح ، وان أعانق الأحباب ، مهنئة إياهم بانبثاق فجر جديد لا الم فيه ، بعد أن ولت المعاناة ، وأشرق السرور في حياتي  ،بعد ان يئست من إمكانية اندمال جروح نفسي ، ومتاعب روحي ، وأوجاع البدن

ابتسم الطبيب مداعبا :

  • اضحكي للدنيا ، زالت متاعبك ، وولت عنك الأسقام

 نبأ سعيد طالما انتظرته بلهفة كبيرة ، ان تزول أوجاعي ، وان اهرق قناني الدواء الكثيرة المتراكمة من حولي ، فقد استطعت أخيرا ان اقضي على متاعبي الصحية ، واخفف من أسقام روحي

  • كنت مواظبة على استعمال الدواء كما نصحتك

 قناني كثيرة تتراكم من حولي ، وتأمرني بالانصياع لها ، و التقيد بما يقوله الطبيب ، وإلا انقلب الحال علي ، وولت صحتي ، وابتسم المرض الخبيث ساخرا من محاولاتي الكثيرة لوأده

دواء حين الاستيقاظ ، حبات تحت اللسان ، تذوب ببطء كبير ، ودواء  آخر في تمام الساعة العاشرة صباحا ، ودواء ثالث بعد طعام الغداء مباشرة ، ودواء رابع في الرابعة مساء ، وآخر قبل الإخلاد  الى النوم ، أحاول دائما الحرص على التوقيت ، لئلا اقع في مضاعفات لا  امن  شرها ، اليوم فقط بعد  مرور سنوات ثقيلة طوال ، يبشرني الطبيب ، أنني أحرزت تقدما ملموسا في وضعي الصحي ، وانه حان لي أن اضحك للدنيا ، التي طالما  عبست في وجهي ، وارتني وجهها الكالح ، وطبعها اللئيم ،

فرح كبير لاعهد لي به يهيمن على نفسي ، فاشعر ان شلالات من البهجة ، تحيطني بذراعيها الحانيتين ، وتطوقانني بما عهدت فيها من دفء اسر ، رحماك ربي ، يا من  تغير الحال الى نقيضها في لحظة واحدة ، سوف افتح مسامي جميعا لاستقبال الفرحة الكبيرة ، التي حلت أخيرا بأرضي ، وابتسمت مرحبة بقدومها الي ، بعد هذا الحرمان الطويل ، ألا ، أهلا بشروق الشمس التي ظننت انها آفلة دوما

  • يمكنك ان ترمي بقناني الدواء بعيدا ، لقد برئت ، ولكن احتفظي بدواء واحد ، ريثما يتم الاطمئنان التام على صحتك ، سوف  أحولك الى لجنة طبية مختصة ، للبت في أمرك ، مجرد شكليات ، ويغلق ملفك المرضي ، وتتحقق الفرحة الكبيرة ، وتزرع أرضك شتلات من الأمل ،، والثقة المنشودة ، سوف أكون في شعور من الغبطة والفخر ، أنني استطعت ان أقاتل الداء في أعماقك ، لأحولها إلى بساتين من الصحة والهناء.

 سعدا لي ، وبشرى أزفها لكل من واساني في محنتي ، وأرسل لي كلمات تشجيع ، في مصابي الجلل ، ونصحني ان أتسلح بالصبر والثبات ، فهما خير سلاح لمقاومة الآفات الفتاكة ، والسموم القاتلة ، وضمان أكيد للبرء من الإمراض الخطرة التي لاعلاج شاف لها

رسائل سأدبجها بيراعي ، شاكرة من كتب لي ، كلمات تحمل النصح والإرشاد ، وأنا أتلوى ، كغصن شجرة ، أصابتها الريح العاتية ، فقطعتها  من الجذور ، سأعلن للجميع ، من كان صادقا منهم أو مرائيا  ، انني استطعت بالصبر الذي وصفوه لي ، ان استرد عافيتي ، وان أعود الى  عهد الصحة والشباب ، اللذين سلبا مني ، ووضعت اليد عنوة على ما أتمتع به من ارادة قوية ، لايفلها حتى  الحديد

هنيئا لي ، أنني استطعت ان اجعل الطبيب المداوي ، يسترد ثقته بما وصفه لي من علاج طويل الأمد

  • احتفظي بدواء واحد ، لجنة مختصة سوف تنظر في حالتك ، وتمنحني شهادة تقدير انني استطعت ان أشفيك من المرض اللعين الذي أستوطنك.

 وقت قصير ، وتنتهي معاناتي ، واستطيع ان اضحك بملء فمي ، ان ارقص مستبشرة ككل المخلوقات الناطقة ، وان أعانق من أحب ، وان استقبل الشمس بعيون مفتوحة .

 اللجنة الطبية سوف تراني الآن ، وتختم مؤيدة ما وجده الطبيب المعالج ، من  ثورة في صحتي ، وسوف أعوض ما فاتني ، الدنيا ما زالت تفتح ذراعيها ، مرحبة بعودتي إليها بعد غياب أرغمت عليه، ، وليس بمحض إرادتي ، الا اضحكي أيتها الحياة معي ، ورحبي برجوعي الى أحضانك الحانية ، وصدرك الدافيء ، وأفيائك الجميلات

 يأتيك صوت ينادي :

  • السيدة سهاد

 تحليلات قليلة ، أشعة وتحليل للدم ، وينتهي كل شيء ، وتعودين ظافرة  مبتهجة ، لأنك انتصرت على جيوش العدوان التي عاثت فسادا في جسدك ونفسك.

  • انتظري قليلا

 لا تضرك لحظات من الانتظار ، وأنت واثقة أن الغلبة لك ، بعد ان اشتدت المعاناة ، وأقضت مضجعك الجراثيم ترتع في دمك ، ولا من منقذ يقيك من عدوانها الأليم.

  • السيدة سهاد ، يؤسفنا ان نخبرك ان تقرير الطبيب المعالج ، تنقصه الدقة العلمية ، وإننا بحاجة الى إجراء الفحوصات ومن جديد على حالتك ، فأنت تزدادين سوءا

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الصورة

انظر الى صورتي في المرآة ، ويرعبني ان تلك المخلوقة الغريبة عني ، تبتعد بجسمها ، راغبة عن لقائي ، وحين أحاول الابتعاد ، أجدها تقترب بحذر ، اسرق نظراتي إليها محاولة ان أبدو عديمة الاهتمام ، بما تسعى الوصول اليه من إثارة غضبي ، او التسبب في نقمتي ، الذي يدهشني ويرفع من درجة حيرتي ان هذه المخلوقة التي أراها ماثلة أمامي بغضب وترقب ، وكأنها مجبرة على القيام بعمل قذر لا تريده ، وترغب لو تمكنت من إبعاد نفسها عن تبعاته المؤلمة ، إنها بعيدة الشبه بي ، ولست ادري من جعلها عالقة بي ، ومن اخبرها أنها ظلي تريد الانعتاق من سلطاني ، والتحرر من سطوتي ؟ هل حاولت تقليدها مما أثار استياءها  ؟، وولد في نفسها شعورا كبيرا ، من الإحساس بالظلم وعدم الإنصاف ، او إنني قد نطقت ببعض الكلمات ، التي تتناقض تناقضا صارخا مع ما تدعوني اليه  ،من سلامة الموقف والثبات على الرأي ، أحاول ان أدافع عن صحة موقفي وإنني بريئة مما يريدون إلصاقه بي ، من مؤامرات بعيدة عن المنطق والصواب ، وكلما حاولت الاقتراب منها ، كي تتمكن من الاستماع الي لتبيان الأسباب التي دعتني الى نطق تلك الكلمات ، التي أثارت الحفيظة ، وجعلت سهام الاتهام تتوجه الي الواحدة تلو الأخرى ، وانا اطمح ان تدافع عني ،هذه الشخصية الغريبة التي أجدها أمامي ، وحين أريد التقرب تولي مذعورة ، فارة من لقائي ، ترى ماذا اخبروها عني ؟ وكنت أظن أنها لايمكن : ان تصدق بالوشايات الكثيرة الراغبة في تشويه موقفي ، واتهامي بما لم أقم به من مواقف ، ولم أفه به من أقوال ، اقترب منها طامعة في حسن إصغائها ، وفي كل مرة تجد ني اقترب ، تبتعد بسرعة كبيرة لاتدع لي مجالا للتصرف ، هل هي صورتي أنا ، ام صورة احد عذالي ، وانا لم اقم بما يثير العذل من أحد ، انظر اليها مليا محاولة استكنا ه تصرفاتها التي بدت أكثر غرابة ، مما هي عليه في باقي الأيام ، هل انا واهمة ؟ هل تتراءى لي أمور غريبة هذا اليوم ، نعم انها صورتي ، وان بدا شعري مختلفا ، وعيناي منطفئتين وكنت اظنهما متوقدتين ، ارفع يدي إشارة بالتحية ،فتدير وجهها عني ، من يمكن ان يلعب على صورتي ؟ مشوها سيرتي ، ناقلا لها كلاما لم أعن معناه الظاهر ، أحاول التحدث بصوت عال  ،علها تسمع وجهة نظري ، أفاجأ أنها تضع يديها على اذنيها  مغلقة إياهما عن سماع دفاعي ، ماذا افعل ؟ وقد سدت بوجهي المنافذ ، وأغلقت أمامي الأبواب ، اكتب كلمات على ورقة ، اعبر فيها عن شدة حزني لموقفها ، وابتعادها عني ، تمسك ورقتي وتمزقها وترميها بوجهي

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

التابعة

طالما أرهقتني بطلباتها العسيرة ، وانا  اسارع الى تلبية كل ما ترجوه ، وما تتمناه من أشياء قد تكون  بعيدة ، عن القدرة على التصديق ، وكثيرا ما كنت أسمع نصائح جادة من أشخاص معروفين بالانصاف وحب العدالة  ، انني يجب ان انتبه لنفسي ، وان أحرر ارادتي من الانصياع لرغباتها الكثيرة ، والتي يرهقني الوفاء بها ، وأمانيها المتزايدة على الدوام ، ما دامت تجد مني مسارعة الى تنفيذ ما تأمرني به ، استمع الى النصائح التي اعلم تمام العلم انها مخلصة لي ، ولكن ماذا افعل واليد قصيرة كما تعلمون ، وانا وحيدة والدي  ، وليس لي صديقات استمع لكلامهن ، واسير حسب مشيئتهن الا سلوى ، التي مهما بلغت سيطرتها على شخصي الضعيف المتواضع  ،الا انني أجد نفسي معزولة في هذا العالم الغريب ، ان خاصمتني يوما لتقاعسي عن تلبية طلباتها الشاقة المؤبدة ،  حالما انتهي من  اعداد واجباتي المدرسية  ،حتى أسارع الى منزل سلوى ، استمع بانبهار يثير فيها الفخر ، الى ما ترويه من حكايات ، اعرف انها مبالغ فيها كثيرا ، وقد لاتتضمن من الصحة الا خمسا في المائة ، ولكن ماذا افعل وانا غريبة ، لااحد يحدثني عن امره ويخبرني عن أحواله ، وكيف قضى نهاراته  ؟ ، الا تلك المخلوقة التي مهما قالوا عنها ، أنها متكبرة ومغرورة ،الا انني  اسارع الى منزلها كل يوم لأمتع نفسي برواياتها المثيرة للاعجاب .

ولا ابالي ان نعتني احدهم  ،باحدى الصفات البعيدة عن حقيقة شخصيتي ، كل ما ارجوه ان اكون قريبة من محمود ،  ذلك الرجل الذي طالما داعبت شخصيته خيالي ، اعرف انني امرأة لاتحسن التعبير عن نفسها ، لاتظهر عليها عواطفها ، ولكن من يعلم ؟ ربما عرف بحالي ، وما أقاسيه وانا ساهرة طوال ليلي ، أتضرع الى الله ان يجعله يرأف بحالي ، ولكن كيف يمكنه ان يهتم بأمري ؟ ، وانا شبه خرساء ، لااحسن الا خدمة صديقتي سلوى ، والتفاني في ارضائها.

خلقني الله هكذا ، لاأثير الالتفات ، مع انني أحمل صفات ناصعة ،كما يقول العارفون بكنه الامور وحقيقتها ، سلوى حبيبتي قد تعرف حالتي  ، وقد اقتدي انا بها ، فأصبح امراة تحظى بالاهتمام ، وانا لااطمح الا بان يراني محمود ، ويعرف كم أعاني من عذاب الوجد ، ومن عناء الهوى ،وما أقاسيه من ابتعاد الناس ، الذين لاأبالي بأمرهم  ، الا هو المخلوق الأثير

لااحسن رواية الاحاديث ، وان كنت اعرف الكثير من الحكايات  ، وحين اخبر سلوى باحدى الحكايات التي سمعتها ، تسارع هي الى اضافة التوابل والبهارات الى ما سمعته مني ، فتأتي قصتها اجمل من قصتي ، واشد فتنة ومهارة ، استمع اليها بشغف ، متناسية انها من قصصي انا.

احل لها التمارين المدرسية ، وأقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها خير قيام ، اذهب الى المكتبات لكتابة أحد البحوث ، الذي طلبه الاستاذ منها  ، وانا راضية مغتبطة ، ما دامت سلوى راضية عني ، وحين تأتي نتائج الامتحان اكون عالمة بها في البداية ، فانا لااحرز الا على الدرجات الدنيا ، اما سلوى المجتهدة اللبقة ، فانها تكون في مقدمة الناجحين والناجحات

اكوي لها ملابسها ، واخرج انا مرتدية لباسي بلا كوي ولا ترتيب ، انا طبيعية ، لااحسن تزويق الأمور ، والجري وراء المظاهر الخداعة ، كل ما في قلبي يظهر على لساني ، اقول للقبيح صراحة عن صفة القبح ، دون ان اخشى شيئا ، فابتعد عني الأصحاب ، وتجنبني الأحباب ، وكل منهم يجد انني لااحسن الصحبة ، ولا احترم الصداقة ،الا سلوى ، بقيت ملازمة لي ، تستقبلني في منزلها وتحدثني بحكاياتها الجميلة التي لاتنقضي.

انتم لا  تعرفون صديقتي سلوى ، الانسانة الخلوقة المبتسمة على الدوام ، الطموحة التي تحسن معاملة الناس ، الذين تهمهم المظاهر فقط ، ولا يحاولون ان يعرفوا شيئا عن الجوهر ،   يشتري لي ابي الملابس الانيقة وحين ارتديها ، تبدو على جسدي بالية عتيقة ، وحين ترتديها سلوى تبدو ساحرة الجمال ، الجميع يتغنى بفتنها وجلالها وبهائها ،  ان ذهبنا معا في نزهة او مشوار ، سارت أمامي والجميع ينظر اليها بافتتان واعجاب ، يظنون انني خادمتها ، مع انها صديقتي الوحيدة.

افرح حين تحقق سلوى احدى امنياتها الكثار ، ويتملكني السرور عندما تصل الى مبتغاها ، أحببت محمود بصمت ، دون ان احدث احدا بقصتي ، كنت اهديه وردة فيظن ان سلوى هي الواهبة.

جاءتني يوما لتزف لي البشرى

  • انت صديقتي الحبيبة ، وسوف تفرحين لفرحي

يتحدثون عن الحب والغيرة ، لماذا أغار ومحمود  لم يلتفت لي يوما  ؟، اخفي شعورا بالمرارة يحيط بي ، هل أظل هكذا شخصية هامشية ؟ وكيف أتغير ؟ والجميع يرى انني امّعه بائسة .

أشعر احيانا بضرورة ان أتغير ، ولكن سرعان ما يصدمني سؤال غريب يلح علي باستمرار :

  • لماذا التغير ؟ وحلمي الوحيد أفل نجمه واندثر.

ألعق جراحي وخيباتي وانا ارسم ابتسامة ، كل من رآها يعرف ان صاحبتها امراة بلهاء لايرجى شفاؤها

اتناسى اخفاقاتي ، والازم سلوى ، وألبي طلباتها

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

جارتي والحرب

تأخذ المراة الجارة ، بالتنقل بين غرف المنزل ، مرتبة ، منظفة الأثاث  من الأوساخ العالقة ، ماسحة الغبار المتراكم ، بقطعة قديمة من قماش ، استمع الى صوت فيروز الجميل المنعش ، بعد أن هدني التعب ، وأمضني الترقب ، وحاولت الاستسلام للنوم ، فجاء متقطعا  على غير رغبة مني ، اشعر ان جسدي منهك وروحي متعبة  ، بذلك الألم الشديد والمتواصل ، والقلق المستمر ، ولكني حين رأيت جارتي تتنقل في أرجاء المنزل ، لتبعث بالحيوية المفقودة ، من جراء الإجهاد الطويل شعرت بنوع من السعادة  ،كنت افتقده

 اسمع صوتا خافتا للمذيع ، وهو يقرأ نشره الأخبار الأخيرة ، القتلى بالآلاف ، والجرحى يتكدسون على  ممررات المستشفيات ، يحلمون بالشفاء العاجل ، بعد ان أصابت أرواحهم القنابل الفتاكة ،قبل ان تصيب منهم الأجساد

المراة النشطة ، خفيفة الحركة ، تتنقل كالنحلة من مكان الى آخر ، تدخل الى المطبخ لتهيئ لي طعاما مقويا ، يساعدني على استرجاع عافيتي الناقصة ،ويعين في الإكثار من در الحليب ، فكري مشغول ، والأوجاع تستبد بي ، ماذا يمكن ان  يحل بهم ، ليمنعهم من المجيء الي كما  هو دأبهم ، ولم اسمع الهاتف يرن ليطمئنني ، على سبب غيابهم الطويل ، كنت آمل ان استمع الى صوتهم الحنون المميز ، والذي يحمل لي غصونا خضراء من الحب والجمال

  • حساء الخصروات غذاء مجرب ، وهو سهل الهضم ، لذيذ المذاق ، يساعدك في عملية الإرضاع

 استمع للمراة القادمة الينا ، بعد ان أعياني الحال ، وأدركت ان الوالدة لا تستطيع المجيء ، على اثر المنع الجديد للسفر ، الذي طال كل المواطنين الا من استطاع ان يحصل على توصية من بعض مناطق النفوذ

خفت ان أكون وحيدة ، وأنا أترقب هذا الحدث السعيد ، الذي أشهده لأول مرة ، وكدت أموت خشية ، من عدم التمكن من استقباله

يستمر المذيع في إلقاء نشرته الإخبارية ،  والعدد الكبير من القتلى والجرحى ، والمفقودين في تلك الديار الغريبة ، يفجعني ، أتساءل بيني وبين نفسي

  • لم يشعل الحكام الحروب ؟ وما الفائدة منها ؟ ولماذا يحشرون الناس عنوة في تلك الجيوش ؟

تواصل المراة الجارة تنقلها ، في أنحاء المنزل الواسع ، الذي أصبحت غريبة فيه ، ومهجورة بعد ان سافر لأداء واجبه العسكري كما قال ،تساءلنا ، ماهو الاسم الجميل الذي نطلقه على وليدنا المرتقب ، عددنا الكثير من الأسماء الرائعة وذات المعاني السامية ، ولم نكن نفضل جنسا محددا ، كل ما يرزقه الله جميل

اسمع صوت  تنظيف الصحون من المطبخ  ، كانت كثيرة ، ولم اقو على أداء ذلك الواجب الثقيل ، بعد ان ثقل حملي ،  وأصبح السير شديد العبء  ،كذلك الوقوف الطويل ، وحتى الأشغال المنزلية التي كنت مدمنة عليها ، أضحت صحتى عاجزة عن القيام بها

 تأتيني المراة  بقدح من الحليب الساخن ، استرد فيه بعضا من العافية التي احتاج إليها ، في هذه المهمات العسيرة  ،التي علي ان أقوم بها

لم يتصل بي كما وعدني ، وكان  تواقا الى رؤية ولده البكر  ، ولكن ماذا بالامكان فعله والبلاد في حرب مستعرة ؟

اشرب جرعات من الحليب ، تقف المراة بجانب سريري ، لم استطع ان أبادلها الحديث ، انا لا افقه لغتها ، وهي لاتعلم من العربية شيئا ،  اشعر كما لو ان الله قيض لي أختا حبيبة في ديار ، ابتعد عني الأحباب فيها ،  وهاجر الزوج مرغما على أداء واجب ثقيل ، يصرخ الطفل راغبا بالحنين ، محتجا على استقبال  الحياة بمفرده ، وكان يحلم ان يكون الأب فرحا متهللا ، بقدومه السعيد

تعينني الجارة باحتضان الطفل  ، وحالما يهدأ  ويرغب عن الصراخ المحتج ، حتى أعيده الى المهد ،  وكأن هذه الحركة البسيطة قد استنزفت قوتي

يواصل المذيع قراءة نشرة الأخبار ، القتلى والجرحى بالآلاف ، هل تدرك تلك المراة ان جيشنا يعمل فيهم قتلا وتجريحا ، كما يفعل جيشهم فينا ؟

 تضع المراة يدها على جبهتي ، رغبة في قياس درجة الحرارة ، تنطق ببعض الكلمات التي لا افهمها ، تأتيني بطفلي الصغير ، وتعينني في إرضاعه ، تنبعث من المطبخ رائحة  لأكلة شهية ، انتهت تلك المراة من تجهيزها لي   ، تساعدني أولا في تناول الدواء الذي وصفه الطبيب ، تؤشر لي بيدها إشارة افهم منها النصيحة لي ، بالنوم بعد سهر متواصل ،  تساعدني في تغيير ملابسي التي تبللت من جراء ارتفاع الحرارة وانخفاضها

تطمئن الى راحتي ، وتغلق الباب بهدوء بعد ان انتهت من عمل كل الأشياء

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

مجتمع القرود

ضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب ، رافعا صوته :

  • الا تسمعين الكلام ؟ كم مرة ألقنك الدرس؟

 القيود في معصمي ، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف ، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي ، وتقديم الكراسي للاستراحة ، حين يكون الجميع وقوفا.

 جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة ، يستمعون الى رئيسهم ، بانتباه ، وانا قد أدمتني قدماي ، انظر الى محفلهم بتوسل ، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه ، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي.

 وجوه خالية من التعبير ، تحسن الاصغاء ، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات ، حركات مدروسة بعناية فائقة ،

  • لن ارفع صوتي ، ولن اتلف اعصابي .

                أظل مصغية الى حديثه الحيادي ، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من  أوامر

   ينهمك جميع الحضور في حركاتهم ، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة ، سوف يعرضونها للبيع

  • هذه المخلوقة لن تفهم

تعييني الكلمات ، وتنهك طاقتي على الاحتمال ، تهمتي كبيرة كما يبدو لي ، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها

  • جماعتك ولوا الى غير رجعة.

اود ان احرك يدي ، وان اكون قادرة على المسير ، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة.

تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة ، وانا حيرى ، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء ، الذي وجدت انهم يتصفون به ، كلماتهم هادئة ، لاصراخ فيها ، ملابسهم أنيقة ، وحركاتهم واضحة ، وانا الغريبة بينهم ، لاافقه مما يراد  مني ، ينطلف صوت الرئيس امرا :

  • لقد نفذ صبري معك ، انتم معشر أغبياء ، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم.

  اياديهم تتحرك باستمرار ، تنتج اشياء جميلة تفيدهم ، للحصول على الربح والاموال ، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون

  • معشركم قوم اشقياء.

  تتراكم امامهم كتب  كثيرة  ،قد تكدست عليها  امواج من الغبار ، على مر سنين طويلة ، وانا قد أعياني الوقوف الطويل ، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب

ينظر الي الحاضرون باستغراب ، يتبادلون الكلام بينهم بلغة  لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها :

  • اضحكوا عليها ، كما ضحك عليكم قومها ، عاملوها بالمثل

 يطيلون الي النظرات المتهكمة ، وانا بينهم صماء عمياء ، لاتفقه من لغتهم شيئا ، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه ، موضعا للهزء والسخرية ،من هؤلاء القوم الغرباء ، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين ، وضحك عليهم ، وسلبهم بعض ما يملكون ، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس ، او يسبب لها الأذى ، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية ، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع ، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين ، ليثيروا الضحك والاستهزاء.

 يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي”

  • انك لم تسيئي الينا ، ولكن قومك فعلوا

 كم  ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه ، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه ، ولكن محاولاتي تلك ، لم يكتب لها النجاح ، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون ، وينقذون انفسهم من العقاب ، ويكونون من الذكاء وشدة  الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب ، والتصفيق والتهليل  ، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع ، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم

 وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل ، يأتيني صوت الرئيس قائلا:-

  • لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك ، نحن نتوخى العدالة ، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت.

 يصفق بيديه امرا :

  • هاتوا القفص

 لايجدون صعوبة في ادخالي داخله ، فانا مربوطة اليدين والقدمين

 يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول :

  • معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع ، ولا تسمن من جوع

 يقلب الرئيس الكتاب الاول ، تتناثر صفحاته ، ينفخ فيها ، تتساقط الاوراق على البساط المزركش ، المنسوج بعناية

  • جمعنا كل سمومكم ، وسوف نتخلص منها

 كتب هائلة تتراكم ، طبقات فوق بعضها ، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان

 أحاول ان اتذكر كم مضى لي ، في هذا المكان ، اين اصدقائي ، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟

  • جنسكم أثبت فشله ، واستحق ان يباد.

انظر الى  جبال الكتب المتراكمة ، والتي اصفرّت اوراقها بفعل  هبوب الرياح الخريفية  ، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة  ، التي جعلوها جرداء

اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها ، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل ، فلا اعثر على المراد ، تذهب محاولاتي ادراج الرياح

– حكمتم العالم ، فسببتم الاضرار به ، وهذه جريمتكم النكراء ، سوف تبصرين  انت نهايتها ، وانقاذنا من شرورها.

 ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان ، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح ، يجعلها في وسط القاعة

  • هاتوا نشعل الاوراق ، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة

يلتفت الرئيس الي  ناصحا قومه :

  • ذروها الى النار ، ليستمر الدفء ، ويسود الاستقرار

وجهة نظر

تأخرت في العودة الى منزلي ، ككل مرة يستغرقني العمل النهاري ، فأظل أتابع الطلاب ، الى أن ينصرف آخرهم ، بصحبة أحد أبويه ، أيمم وجهي شطر المنزل ، الذي أطمح أن أجد فيه راحة ، من عناء عمل يستغرق الكثير من جهدي ، حارقا أعصابي ، أتوجّه  ماشية على قدمي ، فالمنزل قريب جدا من مكان عملي ، ولا يتطلب مني وسيلة أخرى للنقل ، سوى قدمي اللتين أوصاني الطبيب بحسن استخدامهما..

كل شيء مهيأ في المنزل ، وليس علي الا عمل السلطة ، التي لايمكن تجهيزها في وقت سابق ، على موعد تناول الطعام ، غسلت الخضر اللازمة لعمل تلك السلطة ، وأوصيت ولدي اليافع ، البالغ من العمر أربعة عشر ربيعا ، الا يسرع في تناول الطعام لأني احرص على ان يكون طعامه كاملا.

 هالني أن أجد في منزلي شخصا آخر ، لم أكن أتوقع أن يكون اليوم حاضرا ، وفي غيابي ،أخبرني إبني أنه سمع دقا خافتا على الباب ، وحين استفسر عمن يكون الطارق ، وجد امرأة لايعرفها ، أخبرته أنها صديقة أمه ، وهي تريد أن تكون وقت تناول الغداء ، ولأن ولدي قد علمناه منذ الصغر أن يحسن استقبال الضيوف ، فلم يعرف كيف يرد على الضيفة ، فرّحب بها ، داعيا إياها الى الدخول والإنتظار ، فعودتي أصبحت وشيكة.

سألت  الضيفة ماذا يكون طعام الغداء ؟

لم يكن ولدي يعرف ، دخلت مطبخي ، وفتحت القدور ، و عرفت ما هو موجود فيها ، فأرادت أن تضيف صنفا آخر تحبه ، لم يكن من الأطعمة المتوفرة ، فتناولت لحما من  مجمدة الثلاجة ، وأنواعا من الخضر ، وشرعت في تقطيعها ، وضعتها على النار ،  وأخذت تنتظر أوبتي  ، وهي تشكو الجوع ، و تأخري في العودة

 كان أبي في زيارتي ،  وقد خرج من المنزل تلك الآونة ، وعاد رفقة زوجي ، والاثنان لايعلمان ان شخصا آخر في المنزل  ، قد دعا نفسه على طعام الغداء ، وشرع في عمل أصناف لم تكن ربة المنزل قد هيأتها.

الطريق طويل ، والسيارات تملأ المكان ، وعبور المشاة عسير جدا  ، فالسائقون يحبون أن يصلوا الى منازلهم في أقل وقت ، بعد أن أمضوا نهاراتهم في عمل مضن،  آن لهم أن يستريحوا منه

  • أف ، تأخرت أمك ، أين تمضي بعد العمل ؟
  • لا أحد لها غيرنا ، والطريق متعب
  • إن تأخرت سوف أتناول طعامي ، أنا جائعة

  وصلت المنزل ، فاجأني الوضع ، السيدة رأيتها مرتين  فقط ، وفي مناسبات متباعدة

 سمعت شكوى ولدي الصامتة ، وهدّأت من غضبه ، فنحن أسرة تحسن استقبال ضيوفها ، رغم عدم معرفتها بهم.

وضعت القدور على النار ،  ليسخن الطعام ، ريثما أغير ملابسي ، جهّزت المائدة ، وضعت عليها الصحون والملاعق ،  نقلت الأطعمة المطبوخة  ، دعوت أفراد عائلتي

جميعنا كان صامتا ، لايعلم ماذا يقول ؟ في وضع لم يكن يعلم انه سيكون مجبرا عليه ، ضيفتنا كانت تتكلم باستمرار ، شاكية من بؤس حالتها ، ونحن نحاول أن نطمئنها ، ان كل شيء سيتبدل ، وأنه بالجهد يحقق المرء أحلامه

طرحت علينا الضيفة سؤالا ، لم أعرف كيف أجيبها عنه

  • أنت لديك ثلاثة رجال ، ولا واحد لي ، أعطيني واحدا منهم.

 فكرت فليلا ،  فلم أجد الجواب الشافي ، لكني نطقت أخيرا:

  • ولدي ما زال صغيرا ، وليس بمقدوري أن أنجب غيره ، وأبي لايمكنني أن أمنحه لغير أمي ، وزوجي خذيه إن كان يرغب

نظر إليّ زوجي باستنكار ، وقام دون أن  ينبس بشفة ، نظر أبي بعتاب

  صرخ ولدي  :

  • لا أريد
  • OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

احتفال تقييم

المدعوون كثيرون ، ازدحمت القاعة بهم ، وامتلأت المقاعد بمئات من الحاضرين ، الذين اطلعوا على  الدعوة العامة  ،في الصحافة الورقية والتلفاز ، كنت شخصية عامة ، يشار اليك بالبنان ، تتكلمين في أي موضوع يطرح عليك  التحدث فيه ، وتناقشين بهدوء ، ما تسمعين به من آراء ، لم يكن صوتك يعلو ، فقد كنت تؤمنين إيمانا راسخا ، ان ارتفاع الصوت ينتج غالبا عن الخواء الفكري ، وعدم امتلاك الحجج والبراهين التي تقنع الخصم ، وتفحمه  بالحجة الدامغة ، كما يقول علماء الإقناع ، والمحاججة ، والنقاش الهادئ المستنير.

جلس المتكلمون الأربعة في مقاعدهم ، وطلبوا منك الجلوس في وسطهم ، اثنان منهم على يمينك ، والاثنان الآخران على يسارك.

 يغبطك حضور الجماهير العريضة الى مكان الاحتفال ، ويملؤك اعتزازا وثقة بنفسك ، لقد استطعت ان تحققي شيئا ، وأن تثبتي جدارتك في شأن من شؤون الحياة ، وان يكون لسانك منطلقا في الوقت الذي يزيد الطلب عليه ، وحججك قوية ، ساطعة أمام العيان.

  • سيداتي ، سادتي ، أهلا بحضوركم الكريم ، نرحب اليوم بشخصية عامة ، أثبتت نجاحها الكبير ، وفصاحتها المثيرة للإعجاب في أي مجال ، تتطرق إليه

 حاولت  ان تخبريه ، بأمر الاحتفال ، الذي يطمحون فيه إلى تقييم مسيرتك الخطابية ، والتي أثبت جدارتك ونجاحك اللافتين للنظر فيها ، ولكنك تراجعت في آخر لحظة ، وآثرت ان تكوني وحدك في هذا اليوم ، كما هو الشأن في المرات السابقة ، التي كنت تحضرين فيها احتفالات عامة ، فينطلق لسانك الفصيح مؤيدا ، وجهة النظر التي تريدين تقويتها ، ويستمع إليك الحاضرون بصمت ، وهدوء ، تسكت الأصوات جميعا ، ولا يسمع الا صوتك الرخيم ، يتفوه بأعذب العبارات وأقوى الجمل ، عارضا مختلف الآراء ، ومبينا تعدد وجهات النظر ، وحين تصلين الى نهاية خطابك ، وقد أثبت بالدلائل والبراهين صحة رأيك ، وصواب فكرتك ، تنطلق الأكف بالتصفيق المتواصل ، وأنت تنظرين مستبشرة الى رضا الجماهير العريضة.

كثيرا ما تناول سيرتك السابقة بالسخرية منها ، ومن تقليل شأنها ، وإنها هزيلة جدا ، وانك يجب الا تبالغي  ، في تكبير ما وصلت اليه من نجاح ، فأنت ما زلت في مكانك ولم تحققي شيئا.

 ينطلق الصوت متكلما:

  • أنها مثال ناصع في النجاح ، وتحقيق الهدف ، وفي تحدي الصعاب ، والوصول إلى الغاية.

 كنت في بداية عهدك به ، تظنين انه عازم على إبعاد شبح الغرور ، عن نفسك الحساسة ، وان هذا الماّل يصيب عادة من كان يمتلك الثقة بنفسه ، ورضا الجماهير عنه.

  • إنها قدوة للأجيال الصاعدة ، في ضرورة النضال ، والاستهانة بالعراقيل ، التي توضع أمام العازمين على السير المثابر ، والإصرار المستمر.

 يحدثك عن الأيام التي حققت نجاحا فيها ، وكتبت عن تلك النجاحات الصحف ، وتناولتها وكالات الأنباء ساخرا ، مستهزئا :

  • لم تحققي شيئا ، لأنك امرأة أيدك الناس ، وصفقت لك الجماهير معلنة استحسانها ، ان حاولت اليوم إعادة مجدك القديم ، لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع ، لاتعودي ، الأيام حين تسير ، لاتعود الى الوراء ، وأنت لاتملكين صوتا جهوريا ، ويصيبك التعب منذ البداية.
  • إنها خطيبة مفوهة ، أمدتنا بالكثير من الخطب الرائعة ، البليغة ، والساحرة في البيان ، وهي مدرسة في أصول الخطابة الصحيحة ، والهيمنة على عقول الجماهير.

  ينتهي المتحدثون في إيراد ما تتمتعين به من خلال ، تسر بها الأذن ، وترنو إليها القلوب ، وتميل  الى سماعها الأفئدة.

  • تركت الفصاحة عامين اثنين ، لأعمال منزلية ، و الآن تعود إليها ، بكل جمالها القديم ، نترك السيدة مها تحدثكم بسطور قليلة ، عن تجربتها في هذا المضمار الصعب واللذيذ.

 تتزاحم الكلمات في فكرك ، ولا تملكين القوة لإطلاقها ، تتيه منك الإرادة ، ويتراجع ما عرف عنك من عزم ، وصوت داخلك ينطلق عنيفا : لن تستطيعي ، سوف يصيبك الفشل الذريع.

 تصفق الجماهير بحرارة ، منتظرة ان تلبي النداء ، يبرد التصفيق ، ينظر إليك المحتفلون باستغراب.

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الانقلاب

الخوف يجتاحك ، كلما فكرت بقدوم الليل ، ما ان تذهب الشمس  مودعة أحبابها ، منطلقة الى ناسها الآخرين في الدنيا البعيدة ،  وكلما اذن الغروب بالانبثاق ، بلحظاته السحرية التي تأخذك  بين شتلات الفكر ، تراود نفسك الفكرة تلو الفكرة ، كيف يمكنك ان تؤخري تلك اللحظات التي تشعرين بها انك ميتة ، وان قوة غاشمة تسيطر على أنفاسك ، وتسلب منك يقين الحب ، وجمال العاطفة ، وتجعلك خرقة بائسة لاحول لها ولا قوة ، محكوم عليها ان تلبي رغبة مسعورة للإجهاز عليها في كل لحظات عمرك الآيل للزوال ، والسنين الثكلى التي استحوذت فيها على ما بقي لديك من قوة إرادة ، ومن تصميم على رفض ما يراد بك ، كنت في حالة مشرقة ، رغم ان الجميع يشفق عليك  ، يبكي بعمق طالبا منك الغفران ، انه عاجز عن تلبية رغبتك في وضع حد للظمأ القاتل ، الذي يعيث فسادا في ربوع نفسك ، المتطلعة الى حياة أخرى ، يقبلك ويرجوك السماح له بتطليقك ، كي تكوني حرة ، مع آخر يسعدك ، ويحقق لك القضاء على سعير السهد المتواصل.

-أحبك جنان ، لكني لا اقدر على تلبية رغبتك .

، وتعيشين في وضع مأساوي ، مع ان الكل يغبطك على النعمة التي تغرقين فيها حتى الثمالة ، من يمكن ان يحكم عليك ، ؟ ويجعلك في سجل الإحياء او الأموات ؟ وانت تشعرين ان قوة جهنمية تسلب منك حلاوة الحياة ، ولذة الحب ، وروعة ذلك التلاقي المحمود بينك وبين رجل تعرفين تمام المعرفة ، انه كل يوم يضع مسامير في نعش حياتك  ، ويسقيك العلقم ، وجرعات كبيرة من السم الزعاف  ، ويحكم عليك بالوأد  كل ليلة ، هل يدرك احد الغابطين لك ، ما تنالينه  من سم قاتل ، تجبرين كل ليلة على تجرعه رغم انفك ، وكل ما حلمت به من  الوصول الى الأحلام وتحقيق الأماني مجرد أوهام ، من يمكن ان يمد إليك يديه لينتشلك من هذا اليم القاتل ، الذي يخنقك كل ليلة ، وتجدين نفسك غارقة في أعماق سحيقة ،لا قدرة لك على تحملها ، تطوفين فوق أمواج الكراهية، التي ينعشها في نفسك بأعماله الشيطانية ،وتصرفاته الهوجاء ، تجدينه  مغرما بالإيقاع بك ، والقضاء على أي شعور بالرأفة، قد ينتعش في قلبك ، ذلك المسكين القانع بكل شيء ، والمحروم من أي لمسة  قد تخلق فيك رغبة في مواصلة الحياة بشكلها ذاك .

 ما تلبث الأماني ان تبني لها أعشاشا في نفسك ، وأنت  تتهيئين لذلك الأرق الطويل

ترتدين  الملابس الحسان ، وتتعطرين بأجود أنواع العطور الباريسية ، عله يغير طريقته الراغمة هذا اليوم ، ويدرك ان الأمر شراكة جميلة ، ترتوي  بالكلمات الجميلة والعواطف المعبر عنها بصدق ، لكن أحلامك تجهضها يد عابثة ، تحاول النيل من إرادتك ، والقضاء على ما تبقى في داخلك، من تصمم جميل على وأد الهزيمة ، التي تبني لها بيوتا ، في أعماق قلبك المتيم لكل جميل ، يتجرع قناني الشراب الواحدة تلو الأخرى ، ويتقيأ ما شربه أمامك ، ويبصق  بإصرار عجيب على إثارة نقمتك ، يرغمك على ملاعبته ، بأسنانه التي لم تر الفرشاة ، منذ زمن طويل  ، ويذكرك بحقيقة تسعين الى تناسيها:

  • ياه ، كما أنا قذر هذا المساء ، سوف استحم صباحا.

  يهجم عليك ، يود افتراسك ، تموت فيك كل رغبة في الاندماج ، في هذه الحرب المسعورة ، وتتمنين الخلاص ان يأتي سريعا ، لينقذك من موت محقق يحل بك،

 تصممين ان تضعي حدا لمتاعبك، التي تتناسل ، وشعورك بالمرارة المتفاقم في أعماقك ، لقد بلغ السيل الزبى ، وليس هناك أكثر سوءا ، مما تعيشينه باستمرار ، أما آن لك أن ترفضي هذا الخنوع الطويل؟

تقوين إرادتك ، عليك ان تنفذي قرارك ، العمر لحظة وينقضي

  • لا أريد

 تتراخي اليد الملتفة حولك ، تجدين ان القيد يزول ، ونظرات تساؤليه تنبعث من عيون تصرين على تجاهلها

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الجثمان

 

انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع  لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ،  وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان  الرؤية ،  منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة

  • لاأعرف ماذا تريدون ؟

 تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء  مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران

  • لم أفعل ما تقولون

 تنهال  عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان  ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور

  • لم اسمع بمن تتهمون
  • انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب

 يعلق  من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة

  • ماذا تريدون
  • يا ابن …….. ألا تدري ؟
  • نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو  ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ،  يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟  يلبون حاجته بعد فراق ؟
  • قل كلمة واحدة

يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب  عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك  ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل

تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا

  • اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي

 ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم  ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان  ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،

  • انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة

 ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم  يمسكون به ، لينجوا

وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر  مجيئهم العمر كله ؟

يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:

  • لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الطائشة

حاولت مرارا  أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي ، ولكن عبثا ، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني ، لم اذنب في حياتي ، ولم أسبب الأذى لاحد ، وحاولت ان اكون مهذبا ، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس ، وتقدير الكبير والعطف على الصغير ، واعطاء كل ذي حق حقه ، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي ، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني ، وأتساءل بيني وبين نفسي

  • هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟

 غلام صغير يشب على حين غرة ، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات ، التي لم تكن تخطر على باله ، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف ، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين ، وشعرها الكستنائي الطويل ، المنسدل على كتفيها ، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير ، حاولت ان اتبعها ، دون ان اتفوه بكلمة ، موصلا اياها الى منزلها ، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها

يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي ، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة ، ولم اعلم عنهم عن طريق  افراد اسرتي  ،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.

 تطول متابعتي لها

  • مساء الخير

 يثيرني انها لاترد على تحيتي ، احاول ان اقترب منها ، عيناها ترحبان بحذر ، ألقي  تحيتي مرات  أخر  ، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب ، أمد يدي إليها ممسدا خدها ، وكأن  شعورا من مس الكهرباء يوقفني ، تسكت هي ، وكانت شديدة الحياء ، اكرر المحاولة ، ترغب بابعادي ، ولكني كنت اقوى منها بكثير ، كنت  أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي ، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني ، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي ، فجأة  أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس ، كيف وصلوا هنا ، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم ، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت ، وأبشعها

  • انها مخلوقة حقيرة ، لم يؤدبها ذووها
  • انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟
  • شعرها منسدل ، ولم تبذل جهدا في ربطه
  • عليها اللعنة ، تتحرش بأولاد الناس ، والرجال الصالحين

 يرانا ابن عمها ، فيسارع الى الوشاية بي  والإيقاع بها

أتفاجأ بأبي

  • ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا
  • لم افعل شيئا
  • لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها ، الا تستحي ؟

 ابي رغم طيبته وسماحته  ،إلا انه  شديد الغضب في مثل هذه الامور

امسك عصا  غليظة:

  • سأؤدبك الآن يا ابن الكلب  ، يبدو أنني لم أحسن تربيتك ، وتركتك حرا ، تتعدى على أعراض الناس ، ينقصني أن تتحرش بالجيران .

 تتوالى علي صربات موجعات ، مما جعلني اصرخ

  • مهلا ابي ، سوف اخبرك الحقيقة

 يتوقف ابي ، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب

-انها السبب ابي ، كانت طائشة وخفيفة ، تضحك في الشارع

  • تأدب ايها العاق ، كيف ايقنت انها طائشة ؟
  • لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ

 اجد ان الضربات تضعف قوتها

  • ومالك وما ترتدي ؟

 يقف ابي ليسترد قوته ، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها

  • انها قليلة الادب

 عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة ، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام ، خوفا من معاكسات الشباب

 كنت ذلك الحين حدثا  صغيرا ، لاأفقه من أمور الحياة شيئا ، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها ، أو تسبب اندلاع حريق ، لايذر شيئا ، ويأكل المذنب والبريء  ورغم توالي الأعوام،  فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني ، سألت عنها وعن أحوالها ، فلم يجبني  احد

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

القزمة

 جلست في غرفتي ، وحيدة ، لا أقوى على الحركة ، أفكر أن أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدميّ لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ،  ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لا يحب الامتثال

اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،

  • مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف.

أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي إلى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ،   يقلقني ما حل بي ،

ولماذا اُخترت أنا  من دون خلق الله الآمنين ، أن يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟

  • مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن.

 فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عُرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن أن تغير كلمات قليلة ، من توجه إنسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد أن كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟

  • مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر..

 أحاول أن استجيب للنداء المتكرر ، ولكنّ فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،

أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أدّيت امتحانات نصف العام  ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب ..

  • مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة

          اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزّع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ،  ومستواها الدراسي والأخلاقي..

لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب..

  • مها :طالبة مجدّة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع..

أحاول أن اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، رأسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان  تسودّ الطرق ،  ويضمحلّ الوضوح

 يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء.

تنطلق همهمة من بعض الطالبات ،   كلمات المدير تنقلني إلى عوالم سحرية

– أحرزت مها   نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة

وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع  صوتا مألوفا يهمس :

  • لكنّها قزمة..

 تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مّضني حقيقته..

لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟

أحاول أن انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر أن انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد أنعم عليّ الصفات الحسان ، أسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحّون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير..

  • قزمة ، قزمة ، قزمة

 نعم. أنا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقّد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا أنا قزمة ، وبشكل واضح لا يمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية  ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة.

 ولعله يدري بهذه الحقيقة ،  التي يدركها كل ذي نظر

يصفو ذهني ، تعود إليّ إرادتي ، أنهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على آن اخط لنفسي مسيرتها الناجحة

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

حالة

تشعرين بألم حاد ، تفتقدين الهواء ، تبحثين عن نسمات قليلة ، تبدد ما اعتراك من ضيق ، وما استبد بك من قلق ، وما اعتراك من اختناق ، تحاولين أن تعبري عن ألمك الممض هذا ، فلا يسعفك الكلام ، يظل لسانك قابعا في مكانه ، يأبى التحرك ، تحاولين أن تجعلي يدك تتحرك ، لتعبر عما اعتراك ، يصيبك اليأس ويستبد بك الإحباط حين تجدين إن أعضاءك التي تأتمر بأمرك ، قد تركتك حائرة ، وأضحت كسولة تؤثر الراحة ، على الاستجابة لطلبك المبهم ، الناس يتحركون ، تنظرين الى أفواههم ، تجدين ان ألسنتهم تلوك كلاما غامضا ، لاتقد رين على سماعه ، تنظر إليك الأعين متسائلة عما أصابك ، وتبذلين جهدا خارقا كي تردي على النداءات الكثيرة ، والمتكررة من هؤلاء الأشخاص ، الذين تركوك حائرة بأيد مجهولة ، تبدد طاقتك ، دون أن يمدوا يد العون لك ، هالك انك كثيرا ما كنت تسارعين الى مساعدة من يحتاجك وقبل ان يطلبها منك ، اختناق رهيب يمسك بتلابيبك ، ويتركك صرعى عاجزة عن الدفاع ، أين أصحابك ؟ يا من علمتهم القيام بما تشائين من أمور ،

  • الهواء ، الهواء أريد نسمة من الهواء

لا أحد  يسمعك في هذا الزحام الرهيب ، تتكلمين كثيرا ، فلا ينطلق لسانك ، اليوم هو في إجازة ، لم يطلبها ، وكان يجب أن ينبئك  قبل اتخاذ القرار ، أتراه ملّ منك ومن أحاديثك الكثيرة ، التي تبعث الساَمة وتدعو الى النفور ، فَاَثر ان يقوم بإضراب بسيط  ،ولو ليوم واحد استجابة لمطالبيه العادلة في الراحة  ، لقد كان خادمك المطيع ، ظل ينفذ إرادتك ، ولم يفكر لحظة في التخلي عنك والتخلي عن واجبه  ،  والقيام بنزهة بعيدا عن عينك ، وترصدك

  • نسمة هواء من فضلكم

 من يسمعك ، وكلهم لاه بما حوله ، يتحدثون بكثرة ، ولا تعرفين عم يدور حديثهم؟ ، أنت عاجزة عن فعل شيء ينجيك من هذا الموقف الصعب الذي تجدين نفسك فيه رغما عنك  ، انك واثقة إنهم يتكلمون ـ تنظرين إليهم باندهاش ، ترين أيادي تتحرك ، وأفواه تصعد وتهبط ، وعيون تنظر ، تشير لك أيديهم ، مصاحبة لكلمات لاتسمعينها ، لحظات يفكرون بك  ، ثم يعودون بعجلة الى ما كانوا مشغولين فيه من اهتمامات

  • هواء ، هواء ، دعوني أتنفس قليلا.

من يسمعك سيدتي في هذا الخضم الهائل من البشر؟ ، الكل يتحدث ، والجميع أخرس لا يستطيع سماع الآخرين ، تناشدين لسانك الأثير على نفسك ، ان ينجدك لحظة هذا اليوم ، تستغيثين مطالبة ببعض الرأفة ، لكنه أبى اليوم ان يستمع لك ،  لماذا هو غاضب عليك اليوم ؟ ولا يلبي طلبك ؟ ويبدو انه لايسمع رجاءك ولا يستجيب له ، ما باله اليوم قد انزوى مبتعدا عنك ،واثر الراحة متقاعسا عن همومك ، هل أغضبته مثلا ؟ وهل نطقت بكلمات لا تتفق مع قناعاته ، قد تكونين  مرغمة إياه على التعبير  عن قضايا لايؤمن بصحتها ، لماذا أجبرته على ذلك التصرف ، أما كان الأجدر بك أن تستشيريه أولا ، بما تزمعين التصريح به  من أراء ، ثم تحجريه بإرادتك التي يجب ان تنفذ وعلى الفور

  • هواء ، هواء ، أعطوني نسمة من هواء.

 من يسمعك ؟ والجميع لاه عنك وعن همومك ، الكل يتحدث ، ألسن منطلقة ، وأفواه تتحرك صعودا وهبوطا ، وأنت تحاولين التعبير عن أوجاعك ، أبى ذراعاك التحرك ، يرفض كفك القيام بما تريدين ، لسانك ما زال مضربا عن الكلام ، والهواء معدوم ، وأنت تنشدين نسمة من هواء عليل ،يعيد الى نفسك راحتها المسلوبة ، والجميع مشغول بنفسه عنك.

  • هواء ، هواء

 أفواه تتحرك بقوة وإصرار غريب ، وأنت لا تعرفين عن أي شيء يدور الحديث ، تجلسين بينهم بعيدة عنهم ، تحاولين الإنصات الى ما يقولون ، تفشل محاولاتك ، وتذهب جهودك أدراج الرياح ، تناشدين لسانك ان يعود إليك ، بحكم الصداقة الطويلة الممتدة بينكما طوال سنين عمرك ، كنتما نعم الصديقين المخلصين ، لم يبتعد عنك لحظة واحدة ، صحبك في أيام الرضا والغضب ، لحظات الحزن والفرح ، هل شكرته يوما على حسن صنيعه ؟ وهل كا فئته ؟ لماذا أراك اليوم مندهشة لما قام به من ابتعاد عنك ؟ هل تخشين ان يطيل  النأي عنك ، وان يسلوك ،  وأنت عاجزة تماما عن العيش بدونه ، من يفهمك في هذا اليم الهائل من الوجوه الخرساء ، التي لاتتقن التعبير عن أنفسها ، إن فارقك صديقك الوفي وَاَثر الابتعاد عن سلاطتك المعهودة ، عليك ان تقري بفضله ، وان تعترفي بما قدمه لك من صنيع رائع ، وان تحاولي إقناعه أن يعود إليك ، فآنت عاجزة عن الحياة ، بعيدة عن مهاراته الجميلة ، وكفاءاته الأخذة بالتزايد  ،حسب اعتراف الأحباب والأعداء ، ولكن أين أحبابك في هذا الزحام الرهيب ؟ لماذا تركوك محبطة مهيضة الجناح ، تبحثين عن السمير والأليف ، في دنيا عز فيها ، من يقف بجانبك معاونا او مؤيدا ، تتواصل استغاثتك بلسان قد ابتعد عنك وأيد ترفض الاستمرار في الاستماع إلى ما تشائين.

  • هواء ، أرجوكم نسمة من الهواء

 الجميع أصم لا يسمع ، غير قادر على التواصل في بحر متلاطم الأمواج ، يشكو الناس الحرمان من الحب والفهم والتآزر.

تسمعين نفسك تصرخ مستغيثة:

  • هواء ، هواء .

 لاأحد يسمعك ، يقتلك الظمأ ، يخنقك العطش ،  وقد هجرك اللسان ، وتراخت اليدان عن تلبية ما تريدين .

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

لست أنت

تصل هذا اليوم ، بعد انتظار طويل مدة خمس سنوات ، مرت علي كدهر بتعاستها وشدتها ، نسيت كل الامي ووحدتي وشدة غربتي ، طوال سفرك ،  وفرحت من كل قلبي ، لانك قادم بعد السفر والبعاد ، اجهز نفسي وابدد مخاوفا انطلقت بعد كلام اخي

  • أأنت مطمئنة اليه ؟ وقد نسي عائلته ، وعذب اباه ؟

 اسكت  شكوكي التي اطلقها سؤال أخي  ، وأنت تعلم مدى العلاقة القوية التي تربطني باسرتي ، ابحث عن علل لك ، تمنعك من الاتصال بوالديك ، قد تكون مضطرا ، حائرا ، تعاني الغربة والتشتت ، وينطلق الى ذهني سؤال

  • الغريب يذكر أهله ، ويحن الى أصدقائه وأحبابه

 وأنت تمضي بلا وداع ، اعلل النفس انك لم تجد فرصة مناسبة ، للاتصال بي وتوديعي ، ولكن عائلتك التي تركتها وحيدة مريضة ، كيف طاوعك قلبك على نسيانها طوال خمس سنوات ، هل كنت تسهد الليل والنهار ؟

 احضر نفسي لاستقبال عزيز على قلبي ، جاء بعد انتظار ، ترى كيف اصبحت ؟ وكنت الرقيق المحب ، وهل الرقيق الحنون يتناسى  اباه الضعيف وأمه المعذبة ، ويتركهم لعذاب الوحدة وبرودة الشيخوخة دون استفسار ؟

اقمع اسئلة عديدة يطرحها عقل ما زال يعمل ، قد اجد لك عذرا انك لم تتصل بي ، ولكن ما علتك للانقطاع عن شخصين تعبا من اجلك ؟

لكل غائب حجته ، سوف تهل علي بعد غياب طويل ، وتشرح لي ما تعسر علي فهمه ، كنت تعاني في بلاد الغربة ، تدرس وتعمل كما يعمل الذاهبون الى هناك ، والطامحون الى احراز الدرجات الرفيعة والعلم الغزير.

اتناسى كل اساءاتك لوالديك العزيزين ، لقد حملتهما ما لاطاقة لهما به من عناء الحاجة ، باع والدك منزله ليبعث لك النقود ، وانت تتمتع ببلاد بعيدة ، ولا تبالي بما عانى ابوك الشيخ.

مالي ابعث اسئلة راقدة من عقالها ؟ لماذا تنهال على العديد من الاستفسارات عما فعلته في ديار الغربة ؟ هل تكون معذورا ، ولم تجد عملا يكفيك مؤونة السؤال فطلبت المال من ابيك ، وانت تعلم انه لايملك منه شيئا.

انتظرت هذه اللحظة خمسا من السنين ، وها اني راغبة باستقبالك ، بما انت أهل  له من فرح ومسرة ، فكيف اضحيت بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن ؟ هل بقيت ذلك الانسان الحنون الذي يصفه ابواك ؟

طلبت ان استقبلك  في منزلي ، ليكون اخي الوحيد حاضرا ، لانه اراد ان يثير خوفي منك

-هل تطمئنين اليه ؟ لقد باع ابوه المنزل البسيط الذي يسكن فيه من اجل ان يبعث له النقود.

– ساتي الى منزل اخيك غدا ، واليوم نلتقي في احد المقاهي القريبة.

قد تكون تغيرت الى الافضل ، من يدري ؟ خمس من السنوات ليس بالامر الهين ، كيف يمكن ان تكون ؟ بعد هذا الغياب ؟

الا تزال تؤمن بنفس الرأي القديم ؟ ان مضمون  الشخص وجوهره افضل من الشكل ؟ كنت احاورك في هذا المفهوم ، لم تكن تريدني ان ارتدي الملابس الانيقة وان اضع المكياج ، تقول ان طبيعة الانسان احلى ، لهذا سوف اعمل بنصيحتك ، ولن اغير بشكلي ، فانا طبيعية لااميل الى التزويق والظهور بنقيض حقيقتي ، ساغير لباس العمل واتي اليك.

  • ابوه الان يسكن في غرفة بائسة ، بعد ان توفيت امه ، يغسل ملابسه ، ويطهو طعامه ، وصحته ساءت ، ولا يملك اجرة الطبيب ، هل يمكنك ان تطمئني اليه ؟

 استقبال بارد ، لم اجدك انت بدفئك القديم ، مخلوق اخر يشبهك ، اناقة مفرطة ، تبدو عليك الوجاهة والغنى ، لم اشعر انني خطيبتك ، وكيف لي بهذا الشعور وانت لم تتصل بي ابدا.

تجلس صامتا يظهر عليك الانقباض ، وانا اجد الاعذار لك ، قد تكون متعبا من نضال طويل استمر خمسة أعوام ، لكن الذي فجر بركانا من الاسئلة في داخلي ، ان سائلا يقترب منك

  • من مال الله

   تصرخ بوجهه صافعا اياه بقوة ،  أ من اجل هذا سافرت ؟ وباع ابوك منزلا يأويه

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

الصائمة

بعد دقائق ، يحين موعد أذان المغرب ، لم تجدي ما تضعينه على مائدة الإفطار ، انقطع الكهرباء ، واستمر انقطاعه أياما أربعة ، مما سبب تلف الأطعمة ، التي وضعتها في الثلاجة ، كنت تودين أن تجهزي بعض الأصناف ، التي تتزين بها مائدة الإفطار ، تتذكرين السنين الماضية ، حين كان المنزل يزهو بأفراد عائلتك المحبة ، وببعض الأصدقاء الذين يطيب لوالديك أن  يكونوا معهم على تلك المائدة التي تزخر بالأطايب ، التي اشتهرت  بإعدادها بيديك الماهرتين.

 سافرت شقيقتك للمعالجة ، وبقيت وحدك ، أنت التي لم تري الدنيا ، ولم تدخلي الحياة ، قتلت الحروب أحبابك ، ووأدت الفرحة في قلبك المعنى ، بقيت في مكانك ، محرومة من الأليف الذي يضمك الى صدره ، تسمعين أصواتا بعيدة لإطلاق الرصاص ، ألا يرتاح الصائمون من هذه اللعلعة ، التي تربك منك الأنفاس وتقتل الشعور بالأمان ، ينعدم فيك الأمل ، ويخبو ضوءه ، الى متى المعاناة ؟ الا يكفي ما أريق من دماء زكية طيلة السنوات الماضية؟.

هلّ الشهر عليك بفرح  ، وجاءك شعور من الحبور ، تكون أيامه منيرة ، ولياليه مثمرة بالعمل الصالح ، ولكن كيف يمكنك أن تقدمي المعونة لمن يحتاجها وأنت   غير قادرة على المسير ، جارتك الطيبة التي كنت تشعرين أنها أم لك بعد وفاة الوالدة ، قد ودعت آلام  الدنيا ، ورحلت وحيدة ، لم يبق بجانبها أحد من الأولاد والبنات ،  وكأنها لم تنجب أحدا ، وجيرانك قد رحلوا نشدانا للأمان الذي تعذّر وجود بذوره في هذا المكان. ويبست شجرته واصفرت أوراقها ، وتكسرت منها الأغصان .

تشعلين الشمعة الطويلة ، بعد أن أعياك انتظار رجوع الكهرباء ، يمضك ما ألم بك من غربة وضياع آمال ،  وتأملين أن تتحسن الحالة في الغد ، تتصلين بأختك المريضة ، لم تكوني  بقادرة على فراقها ، ولكن مدينتك قد انعدمت فيها  سبل الشفاء بعد أن تقاتل بنوها وترصد بعضهم بعضا بالعداوات.

  • انا بخير ، اعتني بصحتك.

 بقيت وحيدة ، ترنو نفسك إلى من يؤازرها في صقيع الغربة الذي تشتعلين فيه

  • الله اكبر، الله اكبر

 يأتيك صوت الرحمة ، ويهل عليك الاطمئنان.

تدخلين الى جوفك الظمآن ، بعض حبات من التمر ، وأنت تفكرين بشقيقتك المريضة ، مهما بلغ تعبك من الشدة الا انك أفضل صحة منها ،

  • أختك بحاجة الى العناية المركزة

 عائلتك كانت كبيرة  قوية ، هاجر بعضهم ، ومات البعض الآخر

  • اللهم ارحمهم جميعا ، الأحياء منهم والأموات

 تتوالى أصوات إطلاق الرصاص ، وأنت تصغين ، كيف يمكن أن يطلقوا النار في شهر فضيل ؟

 في العام الماضي كنتما معا ، أنتما الشقيقتان المتعاونتان ، تعين إحداكما الأخرى ، وتسندها ، الإنسان الوحيد ضعيف مسكين ، القوة مع الجماعة ، ولكن ماذا بإمكانك ان تفعلي ؟ وقد تبددت أسرتك الكبيرة ، وانفرط عقدها ، ومات أبواك الكريمان بعد ان أرهقت قلوبهما الأحزان.

تضعين ملاعق من الحساء في فمك.

  • اعتني بصحتك جيدا ، تناولي كل عناصر الطعام.

 سمعت النصيحة ونفذتها ، اشتريت المواد البانية ، ولم تكوني تعلمين : ان الكهرباء يستمر انقطاعها أياما أربعة ، أصاب التلف الطعام

تتناولين لقيمات من البطاطة  ، التي وجدتها أمامك ، وصنعت منها صحنا ، أختك المريضة من يعتني بها ؟ من لك بشخص يسأل عنك ويرأف بحالك ، بعد أن انفرط العقد وتبدد الشمل ؟

 تسمعين أصوات متفرقة ، لإطلاقات صادرة من بعيد ، ترغبين بالقراءة ، او مشاهدة التلفاز ، ولكن اليد قصيرة ، وأنت عاجزة

  • الحمد لله

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

العانس

ارتديت أحسن ما لديك من ملابس ، ذهبت إلى مصففة الشعر ، لتعمل لك تصفيفة تليق بهذا اللقاء ،  وضعت الأصباغ التي لم تكوني ترحبين بوضعها سابقا ، لقد بشروك انه قادم إليك ، وان السنين التي انتظرت فيها قدوم العريس لم تذهب هباء ، كنت تطمحين أن يحبك أحدهم ، بعد أن أعياك ان تجدي الحبيب الذي طالما حلمت به ، قد فر غير آبه بك  ، لعله لم يكن يعلم : ان السهاد قد غلبك وأنت تفكرين به ، وتضعين الخطط  كي  يلتفت إليك ، ولكن كل محاولاتك ذهبت أدراج الرياح ، وأحب واحدة أخرى ، لم تكن أجمل منك ،  فكتمت حزنك في القلب ، وقلت لنفسك ان الأمر لايعدو ان يكون حظا ، وانك لم تعتادي على ابتسام  ذلك المخلوق بوجهك ، كان عابسا ، دائما  أراك ظهره ، مات أبوك ، وأنت صغيرة ، ولم تجدي أبا رحيما يحنو عليك ، ويضمك الى صدره كشأن الآباء ، الذين كانت صديقاتك  يقصصن عليك اهتمامهم ، وعطفهم وحبهم الكبير للبنات ، فحلمت برجل حنون ، يعوضك رأفة الأب المرحوم ، ويروي ظمأك الى الحب التي تجدين بذرته في  أعماق قلبك تناديك. بكل حرارة المحروم .

أخبرتك صديقتك مها ، ان الرجل يريد الارتباط بك ، وان السفر والترحال في بلاد الله الواسعة ، قد أتعب قلبه ، وأضنى منه الفؤاد ، وانه يطمح بعد ذلك المسير ، الى الاستقرار ، في كنف زوجة عاقلة ، تعرف مميزات الأسرة الهادئة ، ولا تجري خلف التقليعات الغريبة ، وتعرف مالها ، وما عليها ، رحبت بالخبر ، رغم ما فيه من شروق قاسية ، الا انك تعبت من برودة الحياة ، التي وجدت نفسك وحيدة فيها ، ولم يقف بجانبك أحد من الأحباب والأصحاب ، وأين لك بالأحباب ؟ ، وقد فارقك الأب الحنون ، وأنت طفلة صغيرة ، من يهتم بأوجاع الأبناء ، ويحنو على ضعفهم مثل الأب ، فإذا ذهب بعيدا ، اختلت الموازين ، وتدهورت أحوال العالم ، وحل اليتم في الأفئدة ويبست القلوب.

تنظرين الى نفسك في المرآة ، أنت جميلة بكل المقاييس ، العالم من حولك أعمى ،

العيون واسعة كحيلة ، والصدر ناهد ، والأنف دقيق ، والحواجب كثيفة ، والرقبة طويلة ، والبشرة بيضاء صافية ، والشعر أسود طويل ، ينسدل فوق الكتفين ، والفم غليظ وكأنه خلق للتقبيل ،  والخصر أهيف ، والورك عريض وووووو

 تنظرين الى نفسك معجبة ، لقد زال حرمانك ، وهاهو قادم ، من يضع حدا لتعبك المرير ، وينهي معاناتك الباردة ، ويضمك اليه بلوعة المشتاق.

الهاتف يرن

  • نعم ، صديقتي ، الرجل مشغول هذا اليوم ، سوف آتيك أنا بعد قليل.
  • متى يأتي ؟
  • ربما غدا

 تضعين سماعة الهاتف ، وأنت جذلة ، سوف تنتهي متاعبك غدا ، وتهل عليك فرحة العيد ، بعد ان أوشك الهلال على الظهور.

  • الرجل يبلغك تحياته ، وطلب مني ان أبلغك أنكما يجب ان تتفقا على بعض الأمور
  • انا مستعدة
  • لكل واحد منكما حريته المطلقة ان يفعل ما يشاء ، أنت متدينة ، تؤدين الفرائض ، وتحبين ان تقومي بالنوافل ، بعض الأحيان ، وهو لاديني يحب ان يكون حرا ، كما تحبين أنت ان تكوني حرة ، يمكن ان يشرب ويلعب الميسر ، ويجلب صديقاته الى المنزل ، كما انك حرة في ان تظلي على حجابك ، او أن تخلعيه ، أنت حرة كما هو حر ، يمكن ان تسافري الى أي مكان تشائين ، كما يمكن ان يسافر هو وقتما رغب.

تذهب صديقتك ، بعد ان تخبرك انها مكلفة بتبليغك طلبه ، ولأنك يجب الا تلوميها ، فليس لها ذنب ، ولماذا توجهين اللوم لها ، وهي تقوم بأنبائك آراءه ، تصعب عليك نفسك ، كيف تجعل الحياة ، أعزة القوم أذلة بعد تراكم الأيام وتوالي السنين ، فإذا الأذناب تصبح رؤوسا ، وإذا الأسود تتمرغ هاماتها بالتراب.

ولكن وضعك يؤلمك ، الى متى تظلين وحيدة منبوذة ؟ تقتلك البرودة ، وتفتك بنفسك اللامبالاة ، وتبدد طاقتك الغربة ، ظل رجل يدفئ  بيتك المقرور ، ويضع حدا لمتاعبك.

  • من قال انه يريحك ، هذا الذي يضع شروطا تعجيزية للارتباط ؟

وما الذي تخسرين ، أنت وحيدة  معه او بدونه ، لماذا تترددين ؟ وافقي

سوف تزول بنظر الناس متاعبك ، لن تجدي نظرات الاستهانة والإشفاق ، تلاحقك أينما حللت ، نظرات ملؤها الرثاء من واقعك الأليم.

سوف توافقين على شروطه ، وترسمين على ثغرك ابتسامة السعيدات ، انك لم تقضي الليل وحيدة ، تتقلب على فراش قاس كالأشواك ، أنت زوجة ، وبجانبها رجل ، ملء السمع والبصر. لن تواجهي نظرات الشماتة ، بعد اليوم

غدا حين يأتي ، ستحل السعادة في وجدانك ، وينبعث صوتك مغردا مرحبا بالحدث السار

سوف تعتنين بنفسك ، وترتدين أجمل  ملابسك ، وتصففين شعرك على أحدث طراز ، وتضعين عطورك الرائعة ،  لقد وصفوك بالجميلة ، وحان لك ان تكوني جميلة حقا بعيون رجل ، وليس فقط بعيون النساء  ، ليضع شروطه ، وأنت تتمسكين بما ترينه مناسبا لك ، كلاكما حر في التصرف كما يرغب ويريد.

لماذا أنت حزينة ؟ وما الذي تخشينه ؟ وليس في حياتك ما يمكن الخوف من فقدانه ؟ مرحبا به ، الفرحة حلت بأرضك ، والابتسامة رسمتها على شفاهك ، غدك سيكون أحلى  من أيامك المنصرمات.

تسرّحين شعرك  ،ويعلو صوتك مترنما ، بأعذب الأصوات ، أنت سعيدة الآن ، لقد ولت أيام السهد ، والقر الى غير رجعة.

يأتيك صوت مها مجددا

  • عزيزتي ، حين أرسلني إليك ، أخبرك بشروطه ، بعث صديقتنا منى الى إحدى معارفنا ، لتخبرها بنفس الشروط

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

القســــــــــم

 ما زالت رسائله تواصل الإنهمار علي ،  سائلة إياي إن كنت غاضبا من تصرفه ، وكل مرة أجيبه بالنفي ، فهو عزيز لدي وأثير على نفسي ، ومن المستحيل أن يؤدي تصرفه الى غضبي ، أو إلى إثارة نقمتي ، كل ما في الأمر انه قد أثار حيرتي  بأعماله التي لا أجد  لها تفسيرا ، وانه  يجعلني أشفق على نفسي ، فانا أحبه كثيرا ،  رسالته الأخيرة تنبئني انه عرف أخيرا بحقيقة الأمر ، وانه تسرّع بإصدار حكمه على ظواهر الأمور ، وكان من واجبه أن يتريث قليلا ، ليتيقن  من دو اخل نفوس البشر ، وتصرفاتهم الغريبة التي تدعو الى الاندهاش..

حاولت مرارا أن أتناسى الأمر ، مسدلا عليه ستار التغاضي ، ولكن رسائله ما فتئت تذكرني إنني  شخص مجنيٌ عليه أحيانا ، بسبب طيبتي المفرطة او سذاجتي التي لا مبرر علميا لها..

لم يطلب مني احدهم القسم، على أمر من الأمور ، فقد كنت دائما موضع ثقة ، وأنا أتحرج من هذه المسألة ، لماذا يطلب شخص ما منك ، ان تقسم له بأغلظ الأيمان انك لم تقم بعمل؟؟ ، قد اتهمك به أحد المغرضين ، مررت بلحظات عصيبة كنت ألاحظ تكذيبا لما أقول على سنحة السامع ، ولكني حين أنظر إليه يسارع الى القول

  • إني أفهم كلامك ، استمر

  يقول أصدقائي إن وجهي كتاب مفتوح ، يمكن لمن يتحدث معي أن يلمس صدقي ، فإن كذبت ظهرت علامات الكذب ، واضحة على محياي..

ولكنً هذه المرة أتاني طلب ، من إنسان قريب مني ، أكن له كل الود ، أن أقسم وبكتاب الله أن ما  تقوله هذه المرأة كذب واحتيال ،

أُخذت  على حين غرة ، أردت أن أدافع عن نفسي ،  فلم يشأ لساني ان يتحرك ، وشعرت ان قوة كبيرة تجثم على أنفاسي ، وتسلبني الإرادة  ،  وان خصمي أشد مكرا مني ودهاء ،وأنني كنت دائما سليم النية طاهر الطوية.

الرسالة الأخيرة أمامي ، تنبئني انه عرف الحقيقة أخيرا ، وانه تسرّع كثيرا في الحكم  ، مما سبب التضحية بصديق عزيز ، من الصعب جدا العثور على مثاله  في هذه الأيام…

أتتني السيدة زوجته ، تريد ان تستلف مني نقودا ، لأنها صرفت ما هو مخصص لإيجار المنزل ،في شراء حاجات  خاصة لها ، وأنها لم ترد ان تخبره بالأمر ، لئلا يغضب ويثور ، وأنها سوف ترد لي ما أخذته بعد ثلاثة أيام حين تسأل أخاها ان يمنحها ما تريد .

تمضي الأيام الثلاثة ، والأسبوع  ،ثم يمر شهر ، أكون بحاجة الى استرداد نقودي ، فأنا   موظف ، ولا أملك فائضا من الأموال.

تفاجئني التهمة ،التي لم أكن أتوقعها أبدا ، ومن أخت لي ، وزوجة أعز صديق

  • صديقك يراودني عن نفسي.

 يستبد الغضب بصديق العمر ، وكأنه لم يعرفني أبدا.

  • ليقسم كلاكما ، هذا القران

 مشهد تمثيلي لممثلة ماهرة ، تبكي بحرارة لا مثيل لها ،وتقسم بأيمان مغلظة ،

  • وحق كلام الله ، صديقك أتاني.

                      يستبد بي الغضب ، ولا أعلم كيفية التصرف، في هذا النوع من الأمور الذي يداهمك ، على حين غفلة منك ، ولم أستطع أن اغير طبيعتي ، التي تميل الى تصديق الناس ، وتبرير أعمالهم ، وخاصة إن كانوا أصدقاء خلص ، يعز مثيلهم في هذا الزمن الموبوء .

 وها هي رسالته تأتيني ، فأقرأ فيها حرارة الصداقة  التي إفتقدتها ، لعل الأيام تنسيني ما سببت لي من جروح .

OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO

وجاهة

المطعم في ازدحام رهيب ، حركة دائبة وطلبات لا تنتهي ، منذ اشتغلت فيه منذ ثلاث سنوات ، وأنا أتحرج من الظهور أمام الناس ، وأخشى ان يعرفني احد النزلاء او الضيوف الكثيرين ، الذين يترددون على هذا المكان ، فتسقط هيبتي ، وأصبح موضع هزء وسخرية من قبل الجميع ، انا رجل مسالم ، احرص دائما على إرضاء الجميع ، وان كانت الحكمة العربية تقول ( رضا الناس غاية لا تدرك) الا إنني اجتهدت كثيرا فيما مضى من أيامي لأحافظ على احترام الناس وتقديرهم ، الناس كلهم يحافظون على المظاهر ، ما شأنهم بما اعمل ، وان كان شغلي الذي يدر علي الربح الحلال محترما ، لم يراه الناس من الأعمال المحتقرة  ؟، استطعت بالعمل الإضافي الذي أقوم به بعد الدوام الرسمي ، ان احصل على منزل محترم  ،  يحتوي على حديقة جميلة ، زرعتها بأنواع من الأشجار الباسقة ذات الثمار اللذيذة ، أشجار نخل فارعة  ، وكروم تتسلق الجدران ، ورمان ، مع ورود مختلفة الألوان والأنواع ، رائحتها تخلب الألباب ، وتمتلك القلوب ، نصبت الأرجوحة التي طلبتها زوجتي الحبيبة ، نجلس في الأماسي التي تبقى لي ، بعد الانتهاء من عمليّ الاثنين ، ساعات قليلة ، اقضيها في راحة من عناء الأعمال الكثير ة ، والتي تثير في التعب طوال النهار  ،

استمع الى أحاديث زوجتي التي لا تنقضي ، ومطالبها التي تتجدد كلما نفذت إحداها

  • سيارتنا أصبحت قديمة الآن

 المطعم في حركة دائبة ، استمع الى طلبات الزبائن ، وأنفذها في التو ، من طبيعتي ، أتميز بالنشاط ، لااحب الكسل والتباطؤ في الحركة ، ما ان يطلب مني احدهم شيئا  حتى أسارع الى تلبيته على الفور ، هذا رزقي ، وعلي ان أحافظ عليه كما اعتني بعيني

أسجل كل ما يطلبونه مني ، شراب ، طعام على اختلاف أنواعه ، مطعمنا يقدم كل أنواع الأطعمة ، المشرقية والمغربية ، وأصنافا كثيرة من أنواع المقبلات والسلطات

هذا الصباح كان متعبا لي ، طلاب الثانوية ، يرهقونني بأسئلتهم التي لا تنتهي أبدا ، وخاصة الطالب المشاغب حسام ، يمطرني باستفساراته عن الأمور السياسية التي يعلم تمام العلم أنها  من الأحاديث الممنوع التطرق اليها داخل الفصول ، سألني بوقاحة حاولت الا أبدي  اهتمامي بها

  • ما رأيك أستاذ ، هل يعتبر الشخص الخائف الجازع ، مخلوقا طبيعيا ؟ ألا ترى انه في منتهى درجات الجبن والخنوع ؟

 أحاول أن أقنعه أنني موظف لدى الدولة وعلي ان أنفذ برامجها التعليمية ، دون التطرق الى الأمور السياسية التي أجدها تشتت أذهان الطلاب وتبدد انتباههم ، ولكن كل ما أقوم به لكسب هذا الطالب المشاغب الى صفي تبوء بالفشل الذريع ، رأسه جامدة ولا يقبل الإقناع ، تماما كما كنت أنا ، في مثل سنه.

 ناقشتني  أختي هذا الصباح بوضعي ، استنكرت هي ان أقوم وأنا الأستاذ بعمل النادل بعد ساعات العمل الرسمية ، وحين وضحت لها حالتي الصعبة ، وان راتبي المتواضع لا يكفي للقيام بمتطلبات أسرتي ، ظهر عليها الإنكار لكلامي

  • أي أسرة ، زوجتك الأمية لوحدها ؟

 انا رجل مسالم ، زوجتي امرأة ، ومن حقها ان تطلب مني ما تريد ، من يفيها حقوقها ، وهي جليسة المنزل  لم تحصل  على تعليم كاف.

وهذا الصباح حين ناقشني الطلاب بالأمور السياسية ، وكيف يكون الإنسان المحترم ، وان الشخص المناسب في المكان المناسب ، سمعت قهقهات مكتومة من الطلاب يحاولون إخفاءها ، كنت  سابقا محل التقدير والاحترام ، وحين اخذ عصام هذا يقود الطلاب ، ويقنعهم بمناقشة الأمور الممنوع مناقشتها في حصة الدروس الاجتماعية. وجدت ان منزلتي التي كنت احرص عليها بين الطلاب ، قد أسيء إليها كثيرا

المطعم هذا المساء في حركة  دائبة  ،وازدحام قل نظيره في المساءات الماضية ، ربما لان  غدا يوم عطلة رسمية ، الكراسي حول الموائد قد امتلأت بالضيوف ، وكل منهم يطلب شيئا مني ، أسجل الطلبات ورقم  كل مائدة وأنواع طلباتها

  • أنت ترهق نفسك بالعمل ، دعني أساعدك

 مسكينة زوجتي تريد ان تعينني ، كيف يتأتى لها مساعدتي وهي لم تكمل الثانوية العامة

أنهيت تنفيذ ما طلبه الزبائن مني ،

  • أيها النادل ، تعال هنا

 يسكب الزبون العصير على المائدة آمرا إياي

  • هيا أيها النادل ، امسح ما هرق  مني من شراب
  • اعتدت دائما ان اضبط أعصابي ، وألا أدع الزمام يفلت مني ،  أتنفس بعمق  ،محاولا إدخال ما تيسر من هواء الى رئتي المتعبتين  ،بهدوء ذهبت الى المائدة المعنية ، ومسحت ما فيها من بلل ، ينطلق صوت أعرفه جيدا ، كم أتعبني شغبه
  • مرحبا أستاذ