بطاقة صفراء
  آسيا رحاحلية  / الجزائر

 عشر دقائق و تبدأ متعتي …

لكن .. من يطرق بابي في هذا الوقت ؟  من يجرؤ ؟

أسرعت لكي أفتح ، محاذرا أن أرتطم بالطاولة فيندلق كوب الشاي الساخن .

كنت، كالعادة ، قد هيّأت للمتعة طقوسها . الشاي . علبة السجائر. / الموبايل .. تأكّدت من أنّه مغلق / . الوسائد . وسادتان عند رأسي ، و ثالثة عند قدمي /أحتاجها لكي أرفسها أو أضرب بها الحائط تعبيرا عن سخطي أو استيائي  /

 مضى وقت طويل مذ  توقفت عن السفر و متابعة المباريات مباشرة من على المدرّجات . سنّي لم يعد يسمح و لا الوقت يسعفني . و ما عدت أحتمل الضّوضاء و الهرج و الزّحام .

أحنيت قامتي فارتطمت عيناي بوجهه المستدير ،شعره أسود كثيف متجمّع أكثره فوق جبهته الضيّقة . عيناه  سوداوان واسعتان ، تبرقان بوميض لا نبصره سوى في عيون الأطفال .

– أهلا صابر .

–  مساء الخير عمي .  القناة عندنا لا تعمل . قالت لي أمي اذهب و شاهد المباراة عند عمك سليم .

 تضايقت قليلا ، لكني أجبرت نفسي على الابتسام . أشرت له برأسي أن يدخل . أمرٌ غير متوقّع حقا . أكره الأمور المباغتة . لا أعرف كيف أتصرّف حيالها . اعتدت أن أكون وحيدا في بيتي . و عكس غيري لا أحب أن يشاركني أحد مشاهدة مباراة . لكن تخييب أمل طفل صغير يعدّ جريمة . ثم هو صابر الجميل ،المؤدب . يقيم مع والدته الأرملة الشابة و جدّته المسنّة في الشقة التي فوق شقّتي تماما .

كثيرا ما  تجمعني الصدفة  ، على السلالم  ،بوالدته .. و كم كنت أخجل من التحديق فيها . أسرع خطاي مكتفيا برد التحية ، لكنها لا تدري بأني ما أن أدخل شقّتي حتى أجري صوب النافذة ، أراقبها منها و هي تعبر الشارع ، و شيء أحاول تجاهله يهز كياني لكل خطوة تخطوها . و مع ذلك لم أحاول الدنوّ منها . لم أفكر في ملاحقتها أو مغازلتها أو التواصل معها بأي شكل كان . لم تكن تلك عادتي حيال الجنس اللطيف . لكن ذلك كان و أنا شاب . تغيّرتُ مع الزمن . زواجي ثم تجربتي مع الطلاق غيّراني .

 أدركني التعّقل أخيرا و أصبحت رجلا ناضجا يحسب للمغامرة ألف حساب .في الحقيقة لم أرد أن أتغير لكنه حصل . النضج أيضا نحن لا نصله بإرادتنا ، بل رغما عنا . لم يكن سهلا أن التزم و ألزم جانب العفة . كثيرا ما قلت لصديق لي ، أعزب ، بأنّالمطلّق أتعس من الأعزب و من المتزوّج  . صعبٌ أن تعيش الجحيم و لكن  الأصعب أن  تتذوّق نعيم الجنة ثم تجبر على الهبوط منها .

مؤكد أنّ آدم كان أتعسنا جميعا .

في  ما بين الشوطين ، قمت لكي أسخّن الشاي . حين عدت انتبهت إلى أنّ الصغير قد ذهب في نوم عميق . تدحرج رأسه فوق  كتفه و ارتخت أطرافه . لم أدر ماذا أفعل . عدّلت من وضعه . نظرت إليه و ابتسمت . أجمل ما في الكون طفلٌ نائم . في مثل سنه تقريبا / عشر سنوات /  كان ابني حليم حين دقّت بيني و بين والدته نواقيس الطلاق . لم نتفق . حاولنا لكننا لم نفلح . قرّرنا الانفصال . انفصلنا بهدوء غير مألوف . لم يحدث طلاقنا تلك الزوبعة المعهودة داخل الأسر . و الغريب أننا بعد انفصالنا اتفقنا بشكل عجيب ! اليوم نكاد نكون أصدقاء . تتصل بي باستمرار   . تستشيرني في أمر حليم . أهاتفها أيضا . أسأل عنها و عن  الولد  . أذكر أنها مرة  دعتني للعشاء بمناسبة عيد ميلاده .

ربما يجب أن ينفصل  كل الأزواج الذين لا يتّفقون لكي يدركوا أنه بإمكانهم الاتفاق !

يا لغرابة الفكرة .

اللعب يسير بوتيرة بطيئة ، مملة . لم أستطع أن أصمت و رحت أعطي رأيي ، بصوت مسموع ، في ما كان يجب أن يكون عليه اللعب .

تذكرت والدتي … ” كل من هو خارج الملعب لعّاب ” ، كانت تقول .

طرق آخر على الباب .

مباغتة أخرى .

الفتنة أمامي ..تقف على قدميها .

– أتيت لأصطحب صابر . أخشى أنّه أزعجك .

الذي يزعجني هو هذه المحرقة في صدري يا سيدتي .

    أخبرتها أنه لم يفعل … أنّه خلد للنوم و  من الأفضل تركه ينام إلى الغد .

 لا أدري كيف قلت ذلك و لا لماذا .كأنما أردت أن أحتفظ ببعضٍ منها عندي لمدّة أطول .

– حسنا . شكرا .. معذرة على الإزعاج . تصبح على خير .

ابتسمت .  صعدت السلم و هي تحكم لفّ شالها على رأسها و نحرها .

كدت أقول لها “لا .. لا تذهبي . ابقي قليلا . ” لكنني تماسكت .

 شيّعتها بقلبي بينما عطرها يسافر في العمارة و في بيتي … و في دمائي .

 لم تغتسل مساحة بيتي بعطر أنثويّ منذ سبعة قرون .

عدت لأتابع المباراة . أخفضت صوت التلفاز كي لا يوقظ صابر . كأنّي صرت أحبه فجأة هذا الصغير . ماذا ؟ بطاقة حمراء ؟ لا .. لا .. صفراء . يا  لثوبها ! مزيج من اللون الأصفر و الأخضر . لأول مرة أنتبه أنّ الأخضر و الأصفر يمكن أن ينسجما و بشكل جميل …يا لشعرها  و عينيها و قوامها و نهدها .. يا لرائحة الأنوثة حين تغشاك فتخدّر وعيك ،و تخلّفكمشدوه الروح ، مشوّش الذات ، مستلب الإرادة .

  رأيتها بوضوح رغم الإنارة الضعيفة في سلالم العمارة . جميلة . تفاصيل أنوثتها صارخة . شفتاها ممتلئتان ، شهيتان ، كأنهما ما خلقتا سوى للتقبيل  . بضع ثوانو هي تقف قبالتي عند عتبة الباب كانت كافية لقلب كياني …لكني استغربت جرأتها .. ماذا لو رآها أحد الجيران ؟  أكره جرأتها . بل ..أخشاها .. لا لا .. الآن أنا أحبها أكثر …  لأنها جريئة .   لمن البطاقة ؟ آه .. لاعب متهوّرهذا. لو كنت مكان المدرب لما ضممته للفريق .

لو أني طلبت منها أن تدخل لتحمل طفلها بين ذراعيها و تصعد به إلى الشقّة ؟ ترى هل كانت ستفعل ؟

و ما كنت فاعلا أنا لو أنّها أصبحت في قلب الغرفة ؟ و لكن ما الذي منعك عنها كل ذلك الوقت أيها الأبله ؟ لاشيء . لا أحد سواى . أناتعمّدت أن أنشغل عنها و عن سواها .

نعتب على الحياة كونها لا تمنحنا الظروف الملائمة لاحتضان اللذات ، و حين تتوفر الظروف نتفنّن نحن في خلق  ظروف أخرى / غير ملائمة / .

كنت أتعمد أن أشغل وقتي بأمور كثيرة ..لا يهم ما تكون . المهم أن لا أجد وقتا لأركب بحر الشهوات . حتى أنّني جرّبت السياسة . انخرطت في جمعية تنشط محليا . العمل السياسي يجعلك تتوهّم و توهم غيرك بأنك مهمّ جدا ، و مشغولٌ  على الدّوام ، و أنّك لا تملك لنفسك ثانية واحدة ، و أنّ ما تقوم بهخارقا للعادة ، مع أنّك في حقيقة الأمر لا تفعل شيئا ذا قيمة ، مطلقا ..كل الأشياء / غير ذات القيمة  أيضا / تأتي من فوق !

تصبح على خير ، قالت  . أي خير يا فاتنتي و قد أضرمت عيناك في دمي حرائق الحب و الرغبة ؟ أنا الذي حشرت جسدي في جلباب قديس  و ألزمت شهواتي بحمية قاسية ..خشية أن يجرفني التيار إلى حيث لارجوع.

و لم أستطع النوم . بدا الليل طويلا جدا . أطول من كل الليالي .لابد أنّ أوسكار وايلد قد واجه ما واجهته  لكي يخلص إلى قوله  ” أستطيع أن أقاوم كل شيء عدا الإغواء ” .. و كانت مغرية حقا . حدّ الجنون ، و كل ما حولنا مغر .. المساء  الربيعي  ، صمت العمارة ، طفلها النائم ، رغبتي المستيقظة ، جوع السبع العجاف ، سريري الذي ملّ احتضاني منفردا كحصان موبوء أبعدوه عن القطيع ..

 و ذلك الرجاء في عينيها و خلف ابتسامتها .

لا يحتاج الرجل لأن يكون عبقريا لكي يفكّ شفرة النداء أو يترجم لغة الرغبة في عيون أنثى .

نمت مع أواخر الليل ، بعد أن تكفّلت ريشة خيالي برسم كل معالم اللذة . نمت و هي في حضني ، غير أني لمحت ظل كفٍتلوّح ببطاقة صفراء ..داخل رأسي .

في الصباح  حضّرت لصابر كوب حليب . كانت هناك علبة بسكويت في الخزانة . وضعتها أمامه . لم يبد مستاءً من مبيته خارج حضن والدته . بالعكس . بدا مرتاحا جدا كأنه معتاد على المبيت عندي . قد يكون مردّ ذلك إلى حاجته للإحساس بوجود الأب . مسكين صابر  .

 في طريقي إلى العمل اتصلت بابني  “ألو .. صباح الخير . كيف حالك .أتصل لأقول لك أنّه يمكنك أن تأتي للعيش معي ..أمازلت ترغب في ذلك ؟ حسنا .. أخبر والدتك و أجمع أغراضك . سأنتظرك ” .

 و قبل أن أنهي المكالمة ”  نسيت أن أقول لك .. لابد أن تكون هنا قبل يوم الأحد  . “

الأحد  مساءً هو موعد مباراة أخرى مهمة . أشعر بالقلق . لا أريد أن أكون لوحدي .

 أكيد سوف يأتي صابر ليشاهد المباراة عندي ، و أكيد سوف يغرق في النوم ..

 و أكيد سوف …