الأكديين :أصحاب تاريخ وبناة حضارة
أعظم امبراطورية عرفتها منطقة الشرق القديم – الامبراطورية الأكدية
تعرّف هذه المقالة بالأكديين الذين كتبوا باللغة الأكدية وتبحث في أصولهم وهجراتهم كما وتتحدث عن امتداد الدولة الأكدية والمناطق التي وصلت إليها.
– أصول الأكّديون و هجراتهم افترض الباحثون هجرات قام بها الساميون، ومن ضمنهم الأكّديون من موطنهم الأصلي إلى المناطق التي استقروا فيها واتخذوها دار إقامة دائمة حيث أنشئوا فيها حضارتهم وأقاموا دولهم وارتبطت تسمياتهم بها كما ارتبطت أسماؤها بهم.
وتعد هجرة الأكّديون أول هجرة سامية ، وفد أصحابها إلى جنوبي بلاد الرافدين، قادمين من مناطق الفرات الأوسط، مارين بمدينة ماري (تل الحريري) ، ليدخلوا بلاد بابل من الشمال الغربي حيث يقترب مجريا نهر الفرات ونهر دجلة في حوالي منتصف الألف الرابع قبل الميلاد. ثم استقر القسم الأكبر منهم في منطقة ديالى و في المنطقة الواقعة حول مدينة كيش وسيبار وإلى الجنوب منهما وكما صارت ماري مركزاً مهماً لاستيطان الأكّديين و انتشروا في المناطق الأخرى التي عرفن بأرض سومر بأعداد أقل. وبعد أن انتقلوا إلى التحضر وسكنى المدن وعملوا في الزراعة وبعض الحرف الأخرى ظهر من ظهرانيهم رجل قوي، هو سرجون الأكّدي، الذي وحّد صفوفهم واغتصب الحكم في مدينة كيش في عام 2340 ق.م. ثم جعل مركز حكمه في مدينة أكّد التي أنشأها بنفسه، و التي سمي شعبه بالنسبة إليها، وسميت منطقة سلطته الأوّلى أيضاً باسم أرض أكّد وتسلم الساميون منذئذ الريادة في السياسة و الحضارة. وبدأ دورهم الفعّال يتزايد في بلاد ما بين النهرين، ويتنامى دور السومريين بمرور الزمن وقد تعايش الطرفان الساميون والسومريون، في سلام، ولم تصرح أياً من الوثائق الكتابية عن نزاع قام بين الطرفين، بل كان النزاع يقوم بين سكان المدن والقرى وبين البدو الذين كانوا يطمعون في خيراتهم.
الدولة الأكّديةقام سرجون بانتزاع السلطة في كيش السومرية، وعندها بدأ الساميين دورهم الرائد في تطوير الحضارة البابلية ونشرها في كل أنحاء الشرق القديم، واستلام زمام المبادرة السياسية في بلاد ما بين النهرين. واتخذ سرجون (شروكين في السومرية) عاصمة جديدة قريبة من كيش عرفت باسم أجادة Agade (السومري) وأسم أكّد (السامي) وقد يكون هو من بناها أو عمل على تجديدها، فقد كانت من المراكز الرئيسية في بلاد ما بين النهرين لعبادة الربة عشتار. وقد تمّيّز عهده منذ بدايته بنظام الحكم الذي اعتمّده وسار على نهجه خلفاؤه من أسرته، واستمّرت عليه كل الدول التي قامت في بلاد ما بين النهرين فلقد أصبحت العاصمة أكّد مدينة دعي سكانها الساميون من جماعة سرجون نسبة إليها باسم “الأكّديين” والدولة التي أنشأها سرجون باسم “الدولة الأكّدية” والقسم الشمالي من بلاد أمسى يدعى نسبة إليها باسم ” أرض أكّد ” مقابل أرض سومر في الجنوب.
أما نظام الحكم الذي سار عليه سرجون فيختلف شكلاً ومضموناً عن نظام دول المدن الذي كان سائداً من قبل، و لاسيما بعد أن أقام سرجون مملكة مترامية الأطراف، بل إمبراطورية مختلفة الشعوب والأجناس.
انصرف سرجون منذ بداية حكمه في أكّد عام 2340 ق.م إلى تكوين جيش متمّيز بتدريبه و أسلحته وبنظام قتاله وزود مقاتليه بأسلحة برونزية حديثة وشكل منهم فرقاً من رماة الأقواس والرماح، وقد عزز تدريب الجيش وتنظيمه وتسليحه الحديث موهبة سرجون القيادية وتكتيكه الحربي.
ثم شرع في توسيع حكمه على المناطق المجاورة الجنوبية، وبعد أن حقق النصر على ملك سومر لوجال زاجيري واحتل عاصمته أوروك تابع احتلاله للمدن السومرية الجنوبية الرئيسية وبينها أور ولاجاش وأوما واضطر إلى تدمير بعض المدن التي لم تعلن استسلامها، ودكّ أسوارها، حتى وصل إلى الخليج العربي حيث أتمّ مهمته بنجاح.
ثمّ بعد تمّكّنه من إعداد وتنظيم دولته اقتصادياً وبشرياً قام بمهاجمة عيلام في الجنوب وثم وجّه قواته إلى المناطق الشمالية حيث تقوم جبال زاغروس لمواجهة الجوتيين وفرض سيطرته على كل المناطق الشمالية من بلاد ما بين النهرين، وهي ما كانت تحمل اسم سوبارتو بما فيها منطقة آشور.
وبعد أن أحكم سيطرته على معظم بلاد ما بين النهرين بدأ بالتحرك نحو الجهة الشمالية الغربية فوصل في المرحلة الأوّلى إلى مدينة ماري مروراً بمدينة توتول (تل البيعة) وسيطر على منطقة الفرات الأوسط بكاملها في العام الثالث لحكمه. وثم في مرحلة ثانية توجه بفتوحاته إلى خارج بلاد ما بين النهرين حيث غزا إبلا ووصل إلى جنوبي آسيا الصغرى.
الامبرطورية الأكّدية بعد فتوحات سرجون
لقد تمّكّن سرجون الأكّدي أن يبني مملكة واسعة الأرجاء امتدت حدودها بين إيران حيث ترتفع جبال زاغروس في الشرق والساحل الشرقي للبحر المتوسط غرباً، وبين الأناضول وجبال طوروس شمالاً، والخليج العربي وعيلام جنوباً، ونتيجة لهذه الفتوحات العظيمة تدفقت الثروات من البلاد المفتوحة وانفتحت طرق التجارة المعروفة في ذلك العصر أمام سكان بابل وبلاد الشرق القديم وعم الرخاء على أرجاء الدولة الأكّدية.
ونتج عن اتساع المملكة وتعدد أجناس شعوبها التي أُكرهت على الخضوع لحكم الملك الأكّدي، ظهور القلاقل السياسية والمشاكل الداخلية والخارجية وقد نشبت الثورات في بعض المناطق المحتلة ولكن سرجون كان يتصدى لها ويقوم بقمعها. وقد خلف سرجون في حكم أكّد ابنه ريموش وشهد عصره كثير من الثورات الداخلية والحروب الخارجية وثم خلفه أخوه الأكبر مانشيتوسو (2275-2260) ق.م وشهد عصره هدوء نسبي بالنسبة للوضع الداخلي وقام ببعض الحروب وحكم حوالي خمسة عشر عاماً، وثم تولى العرش ابنه نارام سين (2260-2223) ق.م والذي شهد عصره أحداثاً كثيرة وكان في سياسته مشابهاً لسياسة جده سرجون وقد حكم حوالي سبعة وثلاثين عاماً، وعندما خلفه ابنه شاركاليشاري (2223-2198) ق.م بدأ الضعف يدبّ في الدولة وبدأ تفكك الدولة وانفراط عقدها وبلغت البلاد درجة من الاضطراب واستمّرت الاضطرابات ثلاثة أعوام، ثم ارتقى العرش ملك استطاع أن يهدء الأوضاع مدة واحد وعشرين عاماً ثم خلفه ابن له مدة خمسة عشر عاماً ثم انتهت الاضطرابات بانقضاض الجوتيون على البلاد ووضعوا نهاية حزينة للدولة الأكّدية في حوالي عام 2159 ق.م.
لقد سقطت الدولة الأكّدية ولكِّن تأثيرها الحضاري استمّر بفاعليته وحيويته، فقد اصطبغت حضارات المنطقة وحضارات المناطق المجاورة لأطراف بلاد ما بين النهرين بصبغة ثقافية متجانسة، فانتشر الخط المسماري في كل مكان وصل إليه نفوذ الأكّديين وحكمهم ومعه اللغة الأكّدية (السّاميّة) التي غدت لغة الدولة الرسمية إلى جانب اللغة السومرية التي تراجع نفوذها بوضوح، وازدادت جذور الفن الأكّدي في مجال النحت والتصوير رسوخاً في هذا العصر وكما تبوأت آلهة الأكّديين مكانة رفيعة إلى جانب الآلهة السومرية، ووجدت طريقها إلى قلب المدن السومرية ومجمع الآلهة السومرية الذي تأثّر بألقاب وصفات الآلهة السّاميّة المقابلة وبعد أن كانت الآلهة السومرية محلية غدت بتأثير الأكّديين ” آلهة عالمية “.
http://www.matrifocus.com/SAM04/images/Inanna-Lion.JPG
تمثل هذه الصورة طبعة ختم اسطواني – تظهر إنانا عشتار في طقس من طقوس العبادة
والنجمة في الأعلى رمز الآلهة عشتار ويعود تاريخ هذا الختم إلى 2334-2154 ق.م.
أتمنى أن أكون قدمت شيئاً مفيداً وأتابع لاحقاً إن شاء الله.