الدكتور أفنان القاسم
مسرحية شعرية : فلسطين الشر
فلسطين الشر
LA PALESTINE DU MAL
“يمكن لبعض الكلمات إخفاء أخرى.”
وليام شكسبير
“ما يبدأ بالشر يتأكد بالشر.”
وليام شكسبير
“آه! يا إلهي، أعطني القوة والشجاعة على تأمل قلبي وجسدي دون اشمئزاز.”
شارل بودلير
شخصيات المسرحية
أصول: ابنة هوى
بتول: ابنة هوى
انتصار: ابنة هوى
ليث: قواد
ضرغام: قواد
بنيامين: زبون إسرائيلي
جلين: زبون أمريكي
زيدان: زبون عربي
المكان
بيت دعارة
الزمان
بعد اتفاق أوسلو
(أصول وبتول وانتصار في ثياب خفيفة تكشف عن بعض محاسنهن، يجلسن هنا
وهناك)
أصول :
يطولُ الجلوسُ ولا يقصرُ الانتظار
الليلُ ليلٌ
والنهارُ نهار
بتول :
تجولُ الهمومُ ولا تنقصُ الأفكار
الظلُّ ظلٌّ
والجدارُ جدار
انتصار:
تمور النفوسُ ولا تأنسُ البحار
الغِلُّ غِلٌّ
والدمارُ دمار
أصول :
كيف لا يفكرُ المرءُ كما أفكرُ في الاندثار
أو في تلاشي الزمانِ مع الآن
كيلا تكونَ الأقمار؟
بتول :
كيف لا يفكرُ المرءُ كما أفكرُ في الانتحار
أو في تعتيمِ شفوفِ الطَّل
كيلا ترى الأزهار؟
انتصار:
كيف لا يفكرُ المرءُ كما أفكرُ في الانهيار
أو في رمي الكونِ بين أذرعِ الموت
كيلا يفرحَ الصغار؟
أصول :
سأبحث عن كل ما في الماضي من دميمٍ مثيرٍ للسُّعار
ومن أفواهِ السعيرِ عنِ احتفالات اللهب
وأجعل من الأثداء ذكرى للذكريات
سأكشف الغموض عن عظيم ما في الأنهار
وعن العظيم كل ما فيه من ضعة
وأحرق الجميل من الأحلام
سأنادي على الذئاب الذين ماتوا والذين بقوا أحياء بانتظار
الموت تحت قبة الكون
ليرضعوا من ثديي الكره والضغناء
بتول :
سأقول للبلابل أن تصمت من أجل المحار
وللغزالات أن تلد الأفاعي
وللعقارب أن تعض المساء
سأخنق كل الدقات في صدر القرار
الفصل
وأرمي بقلبي من النافذة
وأفرش للعاشقات صندلي غطاء
سألعق كل ما في المآسي من دم حار
وأكتب بدم آخر عشيق اسمي
ليكون لي مكانٌ تحت وسادة الله
انتصار:
سأبحث عن كل الذين لم يقتلوا في غمار
المعارك ليسقطوا على قدميّ
وأصنع معركتي الأولى قبل هزيمتي الأخيرة في الفراش
سأكون ساحةَ قتالٍ للشياطين واللطيفين من الأشرار
اللطيفين السيئين من القادة
السيئين المسعورين من الكلاب
ستعتم الدنيا على خاصرتي بأمرِ نحلةِ الشوقِ المدمرِ نحلةِ السُّمَّار
نحلتي المعربدة
نحلتي الرعناء
أصول : (لكليهما وهي تنهض)
حتى الدويبات هجرتنا
دون أن نعرف لماذا
ولم نعد نعرف عنا
غير فوح العطر
حتى النداءات تركتنا
دون أن نفطن لهذا
ولم نر في الآفاق عينا
غير عين البحر
حتى الألحان خلّتنا
دون أن تأخذ الأشجان معها
ولم تُسْمِع لنا أذنا
غير ناي الغدر
بتول : (لكليهما وهي تنهض)
حتى الأطيار نسيتنا
بعد أن غدونا ملاذا
للخيول التي ذبحنا
في هيكل الغدر
حتى البسمات عذبتنا
لمّا الآهات لم تأخذ بنا منها معاذا
فجنينا ما جنينا
من أنين العمر
حتى الأماني لوثتنا
قبل أن تتحقق ذهبا
ومع الفضة ربطتنا
بقبل الغير
انتصار: (لكليهما وهي تنهض)
حتى النياشين أذلتنا
نحن اللواتي بذذنا أنفسنا بذا
وعلى الفراش أثبتنا
أنوثتنا للطير
حتى الأحزمة رفضتنا
عندما سألنا لماذا
السمعة السيئة سمعتنا
حُليةٌ للخير؟
حتى رياش سادتنا
الملونة بالأذى
لم تشأ لنا
مصير الترجل الذي هو قدرٌ للسير!
أصول :
هذا لا يعني أن اليأس يأس المتعة
وأن الذنب ذنب الجسد
بتول :
هذا لا يعني أن الأسى أسى اللوعة
وأن الغم سببه الحسد
انتصار:
هذا لا يعني أن الإحباط إحباط الدمعة
وأن الملح سببه العسل
أصول :
لا أريد النظر في المرايا
كي أبحث عني في الظلال
بتول :
لا أريد الصعود على أكتاف العرايا
كي أنظر إلى خطواتي في الرمال
انتصار:
لا أريد احتضان تاريخ العذارى
كي تعرف أصابعي الطريق إلى بطون الرجال
أصول : (تتأوه)
اعتدت العزلة والعزلة لم تعتدني
فهل أنادي على الحمام
الزاجل
من أجل رسائل لن أكتبها؟
بتول : (تتأوه)
أحببت القلق والقلق لم يحبني
فهل أرمي على ظهر الغرام
بالخطأ
وأنا لم أحبب غيره أبدا؟
انتصار: (تتأوه)
آخيت الانكفاء والانكفاء لم يؤاخني
فهل لهذا زمر الذئاب
اليافاوية
أكثر مني ألفة؟
أصول : (تصيح بالاثنتين)
لنأت بالزبائن من تحت الأرض
الأرض منا تحبل
ومنا تمطر السماء
بتول : (تصيح بالاثنتين)
لنأت بالزبائن من تحت الأرض
الأرض من صدرنا تنهل
ومن صدرنا تعب الماء
انتصار: (تصيح بالاثنتين)
لنأت بالزبائن من تحت الأرض
أو لنفتح المدن بل وأكثر
بعد أن نفتح النوافذ والأبواب
(تذهب كل من أصول وبتول إلى نافذة وتفتحها بينما تفتح انتصار الباب وتخاطب
ثلاثتهن المارة)
أصول :
نهد للبيع أيها العابرون
وبطن أجمل من كل الأمم
وساق يناديها المحبون
وقدم بها تُكتب الحِكَم
بتول :
لهب للعناق أيها العابرون
وقبلات لا تقدر بثمن
وهمس يثير حتى الجنون
ولوث يصيب حافر الزمن
انتصار:
كرز للقضم أيها العابرون
وتفاح أحمر كالقدر
ولذة أصفر من حبة ليمون
وخضوع أزرق كالقمر
أصول :
ينظرون إلينا أو لا ينظرون
كمن ينظر المرء إلى ما يُحتقر
وبأعينهم لنا يقولون
عن رغبة تموت آخر كل شهر
بتول :
تغطي السماء الغيوم
وما في السماء من درر
دون الغيوم هم لا يرون
فكيف تريدينهم أن يروننا؟
انتصار:
من وهم العالم نحن آتون
الوهم جريمة لا تغتفر
ومن البحر يهرب الصائدون
فليكن صيدنا البشر
(تجذب انتصار أحد العابرين، فنرى يديه تدفعانها عنه بعيدًا… تصرخ)
والله أنتم الخاسرون
فأنا الرغبة لا تُستتر
والله سأفعل بكم ما فعل فرعون
بحلم سيف لا يُغتفر
(تجذب عابرًا آخر، وتخدشه من يديه، فيصرخ)
لو كان بيدي أيها المارقون
لاجتثثت لكمُ البيت والشجر
ولجعلت من جثثكم أعلام هارون
ومن دمكم نبيذًا للقمر
أصول : (تلقي بالأصص على رؤوس العابرين)
هذه محاسني أيها السادرون
التي رفضتم
لما تغضب من التماثيل محاسني!
(يصرخ بعض المارة)
بتول : (تلقي بالأصص على رؤوس العابرين)
وهذه قبلاتي أيها الشاردون
التي فضلتم
عليها أسنان الضياع دون قبلاتي!
(يصرخ بعض المارة)
انتصار: (تجذب عابرًا ثالثًا، وتعضه من ذراعه، فيصرخ، وهي تقهقه)
لنقتل فيهم البلادة
أو… لنقتلهم
بكل بساطة
فالقتل منا هدية
للشيطان أخينا
(ثم لزميلتيها)
تعالا إلى رقصة الجنازة
القادمة
قبل أن ندمرهم
فالدمار منا القبلة
والقنابل المندلينا
(ترقص ثلاثتهن رقصة ماجنة بعد أن يلففن أنفسهن بالسواد إلى أن يجدن أنفسهن
أمام مرآة، يخلعن ما لففن به أنفسهن، ويأخذن بتأمل وجوههن وأجسادهن
والاشمئزاز يبدو عليهن)
أصول :
لم أكن أعلم أني على مثل هذه البشاعة
بالأمس كان أنفي جميلا
لم أكن أفهم كل هذه الضراعة
على وجنة لم تجد لمسح الدمع منديلا
لم أكن أدرك ما بعد البراعة
من عبثٍ كان مهيبًا ولم يعد جليلا
بتول :
لم أكن أرسم بالكحل من حول عيني الليل
والقمر يغرق في البحيرة
لم أكن أقطف من ثغري القبل
والكرز شمع يذوب من الغيرة
لم أكن أهرق العطر على غرة الخيل
والنحر انتحار القبيلة
انتصار:
لم أكن أنظر إلى نهدي فأرى نهدي
بل صورة من صور الحمام
لم أكن ألمس بطني فألمس بطني
بل نحت فينوس في تمثال
لم أكن أعرض للشمس فخذي فأعرض للشمس فخذي
بل قصص الحب في كتاب الزمان
أصول :
هذه البشاعة كانت أجمل ما يراه الرجال
والذئاب
قبل أن تستحيل إلى رجال
وعقارب
كانت ضوء القمر للنساء
وللفضاء
كانت ماس رذيلة الأنسام
وحدائق
بتول :
هذا القوام كان أبيض من كل وجوه البنات الشاحبات
والسيقان
التي ترفض مساومة العناق
والجدائل
قبل أن تفكها أصابع الخذلان
على مضجع الإمام
فكل عاشق إمام
ومشانق
انتصار:
هذه المخالب كانت للحمام
موسيقى الميّتات
وكانت فرح الثكالى من الأمهات
والبيارق
كانت جحيم الجسد الراضخ في مرآةْ
ةٍ
تكسرت بين أصابع اللذات
العاجلةِ بينَ نيزكٍ ومساء
وصَدَفٍ ومراكب
أصول :
آه! يا شفةً من عسل شربت منها التماسيح
ألمسها فأتشنج قرفا
بتول :
آه! يا نهدًا من جحيم عاثت به الشياطين
أراه فأتقزز سلفا
انتصار:
آه! يا ساقًا مرت عليها آلاف الكتائب من مشاة ومظليين
أداعبها فأتهوع صلفا
أصول :
جيشان النفس لِمَا في القلب من داء
يعجز الأطباء عن شفائه
دمامة القلب من دمامة الجسد وعجز الهواء
عن بقائه
بلون الحب بلون الدماء
وقد طفا الشر بالكون إلى عليائه
بتول :
لم أكن أعرف أني من الشجاعة بهذا القدر
فكل هذا الخراب هو أنا
وأنا أقدر على تأمل هذا أكثر من أي واحد من بني البشر
لكنها شجاعة هي الجبن وقد دنا
من قيء النفس في أحضان الغجر
فالغجر فكرة وكيان للمدى
القلب في الضغناء مَنْ أمر
والجسد استسلامٌ للهوى
انتصار:
للاشمئزاز طعم غريب أريد أن أعرفه
لكن قلبي ضعيف أمام قلبي
وجسدي أفواه جائعة
حتى في الخراب يا جسدي
أجدني لك طائعة
أنا رهن إشارة الدميم يا ظلي
والكريه في سباع الطير وكل طير من طيور السماء السابعة
أصول :
علينا الآن أن نستعيد ما فقدناه دون أن ندري
أن نتحدى الأيام
بتول :
لنعيد إلينا نظرات الضواري
ونشعر بالذات
انتصار:
فنكون للغربان لونها الأسود لما يكون للغربان اللون الرمادي
ونكون للعنادل صوتها الأعذب لما تفقد العنادل عبقرية الأوتار
أصول :
علينا الآن أن نمحو التجاعيد عن وجهنا
وعن يدينا اللون الأزرق
بتول :
لنعود إلى عهد أمنا
ونلعب في الضوء الأخرق
انتصار:
فنكون الضحكة في فراشنا
وفي فساتيننا الفرح الأحمق
أصول :
علينا الآن أن نجد نحاتًا ينحت الجنون
ويصوغ كل قصص الحب التي كانت لنا من جديد
بتول :
لنخجل من أول قبلة أحلى من حنظل المنون
ولا ننام في الليل وكل الليل لنا عيد
انتصار:
فيبدأ الماضي ولا تنتهي السنون
ويكون كل ماضي الناس حاضرًا لنا غير بعيد
(يدخل ليث يتبعه ضرغام الذي يبقى طول الوقت في ظله، تشير إليهما الفتيات
الثلاث، لكنهما يتجاهلانهن)
ليث :
قلت له الدفع أولاً وقبل كل شيء
فرماني ببسمة
وقال لي
هذا ما اعتدنا عليه
لكني ما أطلب ثلاثة أضعاف ما كنت أطلب كل مرة
وهذا الأمر جديد من طرفي
ضرغام:
ثلاثة أضعاف أقل أم أكثر؟
لم أفهم فاعذرني!
ليث :
أكثر
وفي كل مرة
أكثر فأكثر
هل فهمتني؟
ضرغام:
لم أفهم
هل أنت قواد أم ساحر من السحرة؟
أخبرني
ليث :
الاثنان يا أغبر!
طالما هو على استعداد لشراء حتى المجرة
وتجارة اللحم كما تعلم غالية عندي
ضرغام:
إذا كان اللحم أشقر
أشقرَ ومصاغًا كالجوهرة
غضًا طريًا يعني
ليث :
هذا الشرط للأحمر
وللأسمر الأسمر بغرة
والضوء والشَّعر أمري
(يشعل ليث الضوء الأحمر ويذهب بالشعر المستعار إلى الفتيات الثلاث، فيرفضن
وضعه، ليأخذ بضربهن، وكلما يصفعهن ليث مرة يصفعهن ضرغام مرتين)
أصول :
أرفض الوجه الذي ترفضه الحقيقة
بتول :
وأرفض الصدر الذي ترفضه الظلال
أصول :
أرفض البطن الذي ترفضه الحريقة
انتصار:
وأرفض الخصر الذي ترفضه البحار
أصول :
لم يعد أحد يريدنا
نحن اللواتي كنا صورًا للجمال
ضاع الهوى قبل أن نضيع بدورنا
ويغدر الوقت بنا والرمان
بتول :
كان الذنب ذنبنا بعد أن أعطينا كل ما عندنا
لسعادة الشيطان
انتصار:
والآن نعلم أننا
كنا لحنًا من الألحان
ليث :
لم يضع بعد شيءٌ يا هبلنا
أنا أخوكم العارف بالأديان
ضرغام:
مذ كنا لكنّ عونا
نخلص ولا نطلب إذنا
من أحد
والأحد هذا رَبان
ليث :
لا تسألن عن دور كان لكنّ بين الأمم
لأنكن الأمم
ولا تحلمن غير الحلم الذي كان لكنّ بينما كنت أطفئ الحمم
في المدائن
أجسادكن الحرائق
والهمم
غير الهمم في الفراش
كان الفراش مملكة لكنّ وجهنم
وكنت أنا الملاك
الأبيض
ضرغام:
وكنت أنا الملاك الأسود
كلانا كان ملاكًا لأجل حمايتكن
من الهلاك
أصول :
الملاك الأبيض كالملاك الأسود أسود
من الجحيم
لكننا لم نكن أحسن
أردنا ما أراد لنا ملاكنا الأسود
وملاكنا الأبيض
وعملنا الأردأ
بعد أن تنكرنا للأزرق
ومِنَ الأحمر
جعلنا أعياد الملعونين
بتول :
غدا الأحمر عادة لدينا
الأحمر الأحمر
فلون الخير أحمر
ولون الشر أحمر
نار الأحمر عالمنا
وليس رماد الأحمر
بعد أن تحررنا
على يد الأخضر
انتصار:
الأخضر الفاتح والأخضر الأصفر
وعلى الدرب البنيّ مشينا
إلى نهاية الأزرق
فتركنا البحر من ورائنا
وعلى الشاطئ أمم الطير الأحمق
كانت النهاية
نهايتنا
بعد أن احترق البطريق
ليث : (ذاهلاً)
تتكلمن وكأني لا أستطيع بيعكن
في سوق العبيد
وفي ساحات المساجد
أنا دومًا أنا
أخوكم الكبير
أخوكم المتواضع
ضرغام:
نحن لكنّ كالماء للإبريق
كالمنقار للطائر
كالشارب للزناديق
كالبيت للعناكب
ليث : (بصوت خشن آمر)
لتستعد كل منكن لاستقبال سيد قديم من الإغريق
لدينا زائر
وربما أكثر من زائر
أصول :
إذا كان الزائر نحاتًا للتماثيل
وهو كذلك
ليث :
نحاتٌ للتماثيل؟
ضرغام:
نحاتٌ للتماثيل؟
بتول :
نريد أن نعيد نحتنا
من جديد
كي يُعجب بنا الزبائن
انتصار:
فنعلن الحرب على من نريد
كما كنا فيما مضى
نقوم ونقعد بين الوسائد
أصول :
اجتاحنا الكل إلا الكل
والكل واحد
تعال يا أخي إلى فخذ أختك قبل الكل
وتأمل في الخراب
لتضع حدًا لذبح الذبيحة
بتول :
تأمل يا أخي ثدي أختك كيف يتدلى
حتى الأرض
جافا
فأصاب الزرع الظمأ
وغدا العالم يبابا
انتصار:
وهذا بطن أختك خذه يا أخي بيديك
قبل أن تضيع المدن على حافته
وتفلت المدن من ذراعيك
وهي تبحث في جسدي عن شامته
ليث : (يصرخ طالبًا منهن الصمت)
فهمت كل شيء قبل أن يفهم الفستان
أسرار الجسد
ويدرك الحذاء
حيلة القدم
فهمت كل شيء قبل أن تخضع للإظفر
إرادة الذهب
وتستسلم للإصبع
راميات اللهب
ضرغام:
نحات التماثيل غالي الثمن
أغلى بكثير
من عقد من اللآلئ
وأنتن تهرب حتى البشاعة منكن
والخنازير
تفضل أن تكون للإرهاب رهائن
أصول : (تخرج حزمة مال من صندوق)
هذا المال من عرقي جنيته
فخذه
بتول : (تخرج أساور ذهب من صندوق)
وهذا الذهب من دمي جنيته
فخذه
انتصار: (تخرج عقد شراء قطعة أرض من صندوق)
وهذا الروض من لحمي بضعته
فخذه
ليث : (يتدلي لسانه كالكلب، يلهث، ويقهقه، ويبتعد بضرغام غير مصدق)
أمطرت السماء علينا مالاً وذهبًا وروضا
من أخواتنا
فالأخوّة لا تهون
بين الإخوة
لنعجل إلى إنفاقها
بهوس
لكن بفطنة
مع أجمل الشفاه
وأعتق ما يكون من دموع العنب
في الدنيا
(يخرجان)
أصول : (حالمة)
أرى الصفوف يا جسدي وقد عادت
تطلب الود منك
وأنت الود لا يبخل
هكذا أنت
في الغرام ابن الصدق
والصدق بطن لا يحبل
بتول : (حالمة)
تفنى الجموع يا جسدي على جسدي
وفي الفناء وجود
يضاهي كل وجود
ليس منها وجود الحبيب الأعلى
فكلها له صورة
وهو لي
السرة الأحلى
انتصار:
تلفك الأذرع يا جسدي ومنك تجعل
جِذعًا يلين
وقُبُلاً أَلْيَنْ
تشير إلى الثمين
للشفاه
فتأخذُ ما تأخذُ
وما تتركُ الأثمن
أصول : (فرحة)
تتناحر الشفاه يا جسدي على تقبيلك من أين
ولا تجعلك تختار ما تختار
فتتركها تفعل ما تفعل
في حَلَمَةٍ تفضل العض على القبلات
بتول : (فرحة)
وعلى ميزانك يا جسدي تقيم العدل
فترفعني تارة وتارة تنزلني
في محيط من اللذات
أنا أهواك وأنت تهواني
وما كل الغير سوى اجتراحٍ للمعجزات
انتصار: (فرحة)
أنت الجنون يا جسدي
لما يريدك اثنان
فالنعيم اثنان والجحيم اثنان
أو ثلاثة
أو أربعة
أو خمسة
أو أكثر من خمسة
مائة
ألف
يا للهول!
هكذا هي المعارك عندما ينتصر الساقان
أصول : (مغتمة فجأة)
طال غياب أخوينا
فهل يخونانك يا جسدي
وأنت لهما الصدق؟
هل ينسيان ما جنياه منك؟
والموت على حلمتيك هل ينسيانه؟
هل ينسيان لغة بطنك؟
والحريق في غابتك هل ينسيانه؟
هل ينسيان البكاء يوم كان البكاء غالي الثمن
على وَرِكيك؟
وتسلق السلالم على ساقيك؟
وحدبك عند الدخول
وتمردك الأرعن وهما فيك هل ينسيانه؟
هل ينسيان زئير الفحول
وثغاء الأسود قبل أن يتركانك
تذوب
في البحر الميت؟
بتول : (مغتمة فجأة)
لم يكونا يريدانك غير ما أنت عليه يا جسدي
كهفًا للضياع
حيث لا يرى الإنسان الإنسان
إلا باللمس
فالروح تلمس في الظلام
الروح يرشقها الوّدْفُ ولا تتلوث
لهذا يخاف العالم من روحه
فالقذارةُ شفافةٌ لها
والإيمان
جسد البتول وقد غدا كهفا
يا إلهي!
اغفر لجسدي كل قبلة بريئة
واجعل من حضني مرعى لماجن الأحلام
فأقبل وضعي بين يديك
غادةً للخطيئة
انتصار: (مغتمة فجأة)
لا أريدك أن تنتهي قبل الأوان يا جسدي
لم تزل قادرًا على حمل الضحايا والمجرمين
كلهم لك واحد عندما يقاتلون
كلهم لك مَعين
وبين ساقيك يكون نصرهم
بشفتيك تعرف كيف تنصب القلاع
وبين فخذيك كيف تهدم أخرى
حتى الجراح
تبرأ على يديك
فهل تنتهي العذابات؟
هل ينتهي جوع المقاصل
وعويل الرغبات؟
لكني أخاف على الذئبة التي فيك
من قطعها لأثدائها
فتظمأ روما
(نسمع صياحًا وضربات سوط ونباحًا ثم يظهر ليث وضرغام وهما يجثوان
على الأربع بينما يقودهما بنيامين بحزام)
بنيامين: (يداوم على الصياح وضرب ليث وضرغام وهذان ينبحان)
يطلبان أن يكونا كلبين
صاحب الطلب عجيب والطلب أعجب
كُونا إذن كلبين
وعِيثا فسادًا في هذا الفضاء الأرحب
من أضيق فضاء
(يصيح من جديد، ويسوطهما، وهما ينبحان، ثم يسأل بنات الهوى)
هل هذا بيت الدعارة؟
هل تباع هنا الإمارة
بثلاث قطع من فضة
عن جدارة؟
أصول : (تدور بليث وضرغام وكلها دهشة)
نعم هنا
لكن الإمارة
لا تباع هنا
بثلاث قطع من فضة
وبصحيح العبارة
لا تشترى برجلين
ولا بعشرة
بنيامين:
أنت أيتها العجوز لا أحد يطلب منك الرأي
بعد أن اتفقت الكلاب فيما بينها
(يصيح من جديد، ويسوط ليث وضرغام، وهما ينبحان)
بتول :
اتفقت فيما بينها على الحَلَقِ أمِ الرَّوْم؟
قل لنا
انتصار:
اتفقت فيما بينها على صدرنا وعلى بطننا وعلى الذي ما بين بين
ولم تأخذ رأينا
بنيامين:
اسأليها تقل لك دون لوم
إنها اتفقت فيما بينها
على الذي ما سيكون بيننا
أليس كذلك يا لُلَيْث؟
(لا يجيب صاحب اسم التصغير، فيضربه بالسوط، فينبح)
هل سمعتِ ما تقوله الكلاب
أم أنك بحاجة إلى فهم أكثر؟
ها هي تجيب بالإيجاب
أكثرُ من هذا جوابٌ أوضح
من أي جواب
آخر؟
(يترك ليث وضرغام، ويذهب إلى احتضان الفتيات الثلاث، فتدفعنه)
أصول :
ليث أخ لي وضرغام كذلك
بنيامين:
لماذا لا تقولي قوادا؟
بتول :
ليث كان أخًا للحمائم
بنيامين:
أخًا كان أمس واليوم أمسى قوادا!
انتصار:
ليث كان قفلاً ومحاكم
للحرير
وأنا أراه جاثمًا على الأربع بأمرك
أمر يثير الغضب ومرير
الخيبة
فيك
بنيامين: (متفاجئًا مرددًا “ليس بأمري! ليس بأمري!” فاكًا ليث وضرغام محاولاً رفعهما
وحثهما على النهوض لكنهما يداومان على أخذ شكل الكلبين وهما ينبحان)
الرب لا يخلق أبدًا غير ما يخلق
لكنه يخلق
السماء لا تمطر أبدًا غير ما تمطر
لكنها تمطر
(يخرج من جيبه المال الذي أعطته أصول لليث والذهب الذي أعطته بتول)
الأرض لا تُنبت أبدًا غير ما تُنبت
لكنها تُنبت
(يخرج العَقد الذي أعطته انتصار لليث)
ثلاثتهن: (يصحن)
أنت نحات التماثيل الذي نبحث عنه إذن
من أجل خد مشتاق
وفم أصابه الذبول
وحلمة مشغولة البال
على الإجّاص من كثرة الذهول
في صحن الحيرة
بنيامين: (مترددًا بينما ليث وضرغام ينبحان أكثر ما يستطيعان عليه من قوة، ثم وهو
يخفي في جيبه ما أظهر مهمهمًا)
التماثيل لا تُنحت أبدًا على غير ما تُنحت
لكنها تُنحت
ثلاثتهن: (يأخذن بتعرية أنفسهن)
تعال إلينا قبل أن يمضي الوقت
على أجسادنا أكثر
فيترك آثارًا لا تمحي
بنيامين: (يأخذ بخلع ثيابه مسرورًا)
على أصابعي سيقف الوقت
وبين أصابعي نهد أسمر
يزدريني دون أن أبالي
(ينبح ليث وضرغام من جديد، ويخفان إلى الخروج على الأربع، ولا يلبثان أن
يعودا بزيدان وجلين، وهما يسحبانهما من أذيال سترتيهما بأسنانهما)
بنيامين: (غاضبًا من ليث وضرغام ضاربًا بالسوط)
عرضت عليهما أجمل البنات
أو أن يكونا كلبين من كلابي
المخلصين
فدفعا أكبر ثمن
ووقّعا معي عقد الأوفياء
لا عقد المسعورين
فكانت النتيجة أن جاءا
باثنين ممن أعرف ولا أريد أن أعرف
فالخيانة لمن لا يعرف
الكلابَ على حقيقتها
أفضل ما في لحم الخروف
والحساسين
السمينة
زيدان: (حانقًا مخاطبًا ضرغام وليث)
في الصحراء الإنسان إنسان
والحيوان حيوان
حتى ولو كان كلبا
والرفق بالحيوان من شيمنا
وأنتما ليسا من الحيوان
فردا عليكما الكرامة
وتعالا أسقيكما لبنا
(يحاول معهما، فلا يرضيان، وينبحان، فيتوجه إلى بنيامين)
لا إنسانية لديك ولا رأفة
الحب لديك إثم
والكره طُرفة
جلين : (يرمي كل من ليث وضرغام بعظمة، فيتلقفانها بلهفة)
أمرهما حكى عنه طَرفة
بن العبد قبل شكسبير
وعزرا
يُخفي الشكل ما في الشكل
وليس ما في الشكل أمرٌ يُعتبرُ أمرا
بنيامين:
لنجعل من إرادة أن تكون كلبًا حرفة
فهذان لم يكونا في عهد آدم
أكثر من الكلب قَدْرَا
(يصيح بهما، يسوطهما، يطلب منهما الكف عن عض العظمة، فيطيعان، وهما
يهمهمان رضى)
كل هذه البنات لنا
ولكن احذرا الغدرا
( يذهب بنيامين ليأخذ أصول بين ذراعيه، وزيدان بتول، وجلين انتصار)
أصول:
نحات التماثيل وهمٌ من الأوهام
عرف ذلك أخوانا
فدفعا الثمن غاليا
بتول :
جعلا من وضع الكلب شرفًا وعلياء
من أجلنا
بعد أن فرغت الطرقات من الزبائن وغدا الجسد كالثوب باليا
انتصار:
هذا هو يا أخويّ الفداء
لما أبديتما فينا جبننا
وفي بيت البغاء
لا زمن هناك ضائعا
بنيامين: (يحاول تقبيل أصول فتمنعه)
أرى في شفتيك شفتي أمي
لهذا أريد لثمهما
أرى في نهديك نهدي أمي
لهذا أريد لمسهما
أرى في فخذيك فخذي أمي
لهذا أريد التعبد في قدسهما
زيدان: (يحاول تقبيل بتول فتمنعه)
أرى في شفتيك شفتي الهنديات
لهذا أريد إضرام التوابل فيهما
أرى في نهديك نهود نجد وكربلاء
لهذا أريد سلب الرمال منهما
أرى في فخذيك أعمدة الموت والحياةْ
لهذا أريد هدم الزمان بينهما
جلين : (يحاول تقبيل انتصار فتمنعه)
أرى في شفتيك شفتي شهرزاد
لهذا أريد الهمس منهما
أرى في نهديك نهدي كليوباترا
لهذا أريد الجَبْلَ بينهما
أرى في فخذيك معارك صلاح الدين
لهذا أريد النصر بهما
أصول : (لبنيامين)
لكني لن أعطيك إلا ما تأخذ
وأنت ستأخذ
وبعد ذلك سآخذ معك
وأتزوج حقد الحمام
وقد غدا حبا
أنت يا غرامي الجائر
أريده أن يكون جحيميا
لنحرق كل الطيور
كل الكلاب
كل المراكب
فنهنأ
ويبدو الأمر عاديا
بتول : (لزيدان)
لكني لن أكون لك وفية
إلا بقدر وفاء الشمس
للرمال
فالمطر ذكرى طائشة
والثلج شيء لا يطاق
والأعاصير لعاشقاتك الأخرى
وعندما أتركك تعبث بقمري
تكون نهاية الزمان
على حافة بركة
انتصار: (لجلين)
لكني لن أنتصرَ في وادي الملوك
وأجعلَ من الدم خمرك
لئلا تبقى إلى الأبد ثملا
حتى عندما تهزمنى الحمائم في الجليل
بأمرك
لن أجعل من الدم شرابك
المفضل
ومن بطون العذراوات مضجعا
فتحلم بي وأنا في نيويورك
سيدة مانهاتن
ومسدسًا لثأر التمثال
لماذا ترى في شفتيّ شفتيْ شهرزاد لا شفتيّ؟
وفي نهديّ نهديْ كليوباترا لا نهديّ؟
وفي فخذيّ معارك صلاح الدين لا معاركي؟
أنا العناق
وأنا الحسام
وأنا كل ما لا تهواه فيّ!
بنيامين: (متقدمًا من انتصار وهو يخاطب جلين)
سنتبادل الأدوار
على كل حال كل الأدوار واحدة
لكني لا أرضى بجسد لا يستسلم لي كليا
زيدان: (يعترض جلين)
هذا ما تعرف عنه عائدة
عنها هو لا يعرف شيئا
وعني
أنا لا أحب النهود الناهدة
ولا أقمار النساء قبل المِحاق
لا كما يجري جري الأفاعي في البادية
جلين : (يقترب من بتول بينما يقترب زيدان من أصول)
أنا أحب النهود الناهدة والأقمار
الناهضة
قبل المِحاق وبعد المِحاق
فكل النساء لنا
إليزابيث تيلور أو أنيتا جاربو
في السرير
كل النساء واحدة
أصول : (جاذبة زيدان بأظافرها)
سأكون نجمتك
أيها المِزاج الشاذ!
فاترك نفسك لأمواج اللجين
ودعني أُدْخِلك في استثناء
تهتك أمة دون أن تعلم
سألذك ببطني
وأنا فوقك سياط من جهنم
وسيسعدني
أن أصنع من الخمائل مراحيض للنحل
ستكون عاصفةً للشر عاصفتي
فلا خيرٌ هناك إلا للنمل
الأعمى
وكلنا نرى كزرقاء اليمامة
بتول : (جاذبة جلين بأظافرها)
من أين نبدأ يا حبيبي؟
من القمر أم من الشمس؟
افلق القمر فلقتين
واجعل للّذة اسمًا آخر
وإن شئت اسمين آخرين
هرمز
والخليج العربي
لا شيء يربط عكا بعطارد
ولا شيء يربط عطارد بنهدي
الناهد
كما تحب وترغب يا حبيبي
إلا في الفراش
الملوث
انتصار: (جاذبة بنيامين بأظافرها)
كل شيء لك من هذا الجسد
فلا تتعب نفسك
من أجل انهيار المواخير
أنا الحب الذي تبحث عنه
ووجدته
على قارعة الطريق في أورشليم
وأنت الحَلَقُ الذي زرعته
في سرتي
كي تبقى الذاكرة مثقوبة
إلى الأبد
وأبقى لك إلى الأبد
إلى الأبد
فكرة هربت من رأس هرتزل
خذني وخذ أختيّ معي
فنحن نريد أن تأخذنا
أنا وأختيّ
إلى نهاية الأزمان
حتى نهاية الأزمان
في نابلس يحكون عن طائر أتى من لوس أنجلس
ليسلم عليك
وليعشش بين نهديّ
بنيامين: (يأخذ باغتصاب انتصار)
إذن ستكونين لي اللحظة المستمرة
للنكاح
الوحشيّ
أنا قوة الشر الخلاق
لن يمنعني أحد من أخذك
فالهلاك
بداية
الذهابِ إلى ذراعيّ
ليس هذا لأني أقوى من قوة أخرى
هي قوة الجمال
بل لأن للشر جمالاً لا يريد أن تكوني له تمثالاً
يُعْبَد
حريتي هذا هو كنهها
وقوتي
واستقوائي عليك
لهذا أمزق شفتيك
ولا أحد ينبس ببنت شفة
وأمزق حلمتيك
ولا أحد ينبس ببنت شفة
وأمزق مِشفريك
ولا أحد ينبس ببنت شفة
ثم أرميك للمهووسين
جلين : (يغتصب بتول)
من قمرك سآخذك إلى الجحيم
فالشياطين إخوتي
كإخوة إبراهيم
كلهم
يأتمرون بأمري
أنت قمر الجمال
الوحشيّ
لهذا اخترت أن أكون بربريا
معك
ومع غيرك
أمضغ لحم الدجاج الأبيض
فتتوجع لي الأسنان
لهذا دعاني الكون بجميل الشر
جمال الشر كجمالك
فاتك
ولأن عليّ أن أقوم بواجبي نحوك
كأخيك
هذه هي رسالتي إليك
وإلى العالم
فاصرخي
نعم اصرخي من اللذة
اللذة ألم
واعوي كذئبة
تطلب مني الخروج من حلقها
اللذة ندم
ما بعد العناق الهمجيّ
على اللحظة النادرة
زيدان: (يغتصب أصول)
لن أقبل قدرًا من غير الأعلى
من هضابك
أنا الأسمى
من سمائك
أنا الأنبل من كل الملعونين على الأرض
لعنة الشر أنا
وفكرة قديمة عن المروءة
والحِلم
فكرة لا أساس لها من الصحة
خطأ من بين أخطاء
ارتكبه المؤرخون ورجال الشرطة
بينما الحقيقة أخرى
الحقيقة جحيمية
ككل شر يغدو متعة كل يوم
وحكاية من بين حكايات
عن المناقير الدامية
مناقيري التي تنتزع لحمك
تنتزع كنهك
تنتزع كونك
تنتزع حلمك
تنتزع حقيقة السراب
فسرابك يمكن لمسه
كحلمتك
كسرتك
كغابتك الهوجاء
تنتزع كيانك
تنتزعك كلك من كلك
لتلقي بك خارج الزمان
(ينبح ليث وضرغام كالمسعورين سرورًا، لكن بنيامين يضربهما بالسوط،
ويخرجهما معه، وبعد أن يلحق به كل من جلين وزيدان، يعود، ويقذف بنات
الهوى الثلاث بالسوط، ثم يغادر. تضم ثلاثتهن بعضهن، ويأخذن بالبكاء، بعد قليل
يصمتن، ويذهبن إلى النظر في المرآة، بتول على يمين أصول، وانتصار على
يسارها. يقلبن النظر في تجاعيد وجوههن وترهل أجسادهن، وهن يقطرن حزنًا)
أصول :
البلوط عندما يكتشف عُقَدَ الزمان على جذعه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
بتول :
النخيل عندما يكتشف شيب الجريد على رأسه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
انتصار:
الزيتون عندما يكتشف بقع الموت على كفه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
أصول :
الغراب عندما يكتشف لون جناحيه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
بتول :
الضبع عندما يكتشف رائحة فكيه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
انتصار:
الجمل عندما يكتشف طبع خفيه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
أصول :
الجبل عندما يكتشف انحدار خاصرته
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
بتول :
الوادي عندما يكتشف امتداد وريده
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
انتصار:
البحر عندما يكتشف عمق حلقه
يرفض ذلك في البداية
ثم لا يلبث أن يعتاد
أصول :
الكل يذهب مع الأيام
الذهب كالإمارة
بتول :
الكل عرضة للأحزان
العِرض كالمحارة
انتصار:
الكل لعبة بيد الأوهام
البشر كالحجارة
أصول :
لكن الوجه لا يبسم للرمال
ولا القلب يدغدغه الضوء
الضوء للقلب ظلام
والماضي احتفالاً كان
في حقلٍ غدا له موسم الشتاء
عدوا
بهتت ألوان الصورة يا قلبي
واعتَدَتِ الريشةُ على الرسام
بتول :
وتحول الوقت إلى كذبة
علينا أن نصدقها
حتى لا نبدو عابرين في المكان
كغيرنا
هذه هي حرية الشر
وهذا هو سرنا
انتصار:
سرنا المكشوف يا صِنوي
كنهد امرأة
تمرد عليها
لماذا إذن نُتعب الرعيان معنا
وقاطفي التفاح؟
لقد أتقنا فن البوح
في الفراش
وكان المضجع مملكة
للثرثرة
بامتياز
نحن بنات الهوى اسألينا
عن قدمٍ في أريحا
كانت لنا
الوطنية دون حذاء
والموز الأخضر
أصول : (صائحة)
لكني أكره حقيقة غيري
لما يكون المقصود حقيقتي
حقيقة تذكّرني بما أريد أن أنسى
وأعجز
آه! يا جسدي البائس
الآن أراك
بين حقيقتين في المرآة محاصرا
آه! يا قلبي الحائر
الآن أفهمك
وأنت تريد الانطلاق
كطائر
آه! يا قدري الخلاق
الآن ألقي بك من ورائي
بتول : (متوجسة)
كوني غير حقيقتك
ريثما أملأ الوادي بالدموع
ريثما أقطف زهور الضوء
ريثما أكون الحقيقة غير المرئية
يا لها من وعود
وعود العناق الأزلي
بعد أن عانقتني كل الرذائل
وغدا الشر حريتي
هل يمكن للشرِّ أن يغدو حريةً للطير
ولأسنان السمك؟
هل تعاند الريح مجراها إليّ
مرة واحدة في العمر
فتحطم إبريق العتمة
قبل التوضؤ بالليل؟
انتصار:
وماذا بعد؟
بعد الحقيقة لا شيء غير الكذب
فالحقيقة كذبة
كانت لنا
كما كانت لكل بنات الهوى
المتعة المختنقة
والصراخ المقموع
والتوسل على أعتاب الغُلْمة
لما كنا نريد أن نذبح التفاح
فقط لأنه حقيقة واقعة
ونحن التجريد
في رؤوس زبائننا
أصول : (تدفعهما إلى خارج المرآة وتغدو لها سحنة شرسة)
أنا وحدي الآن مع حقيقتي
كما أريد أن تكون حقيقتي
حقيقة الفهدة الشرسة
والبروق كغضبي
لما تكون غضبا
(تتناول السوط بيد خفيفة، وتقترب من بتول وانتصار مهددة)
حرية الشر كما تقولين
حريتي
وأنا لهذا أجدني جميلة
قادرة
كاسرة
سيافة
سافلة
وأبدية
وبعد أول ضربة من يدي
سأصنع حلمي الفقيد
وقاربا
لن آخذه أبدا
(تسوط بتول، ثم تسوط انتصار، وتأخذ بالقهقهة والترداد)
أصول :
انبحا!
هيا انبحا!
(انتصار وبتول تنفجران باكيتين، وكلما ضربتهما أصول أكثر تبكيان أكثر)
ابكيا!
هيا ابكيا!
ابكيا على الماضي الذي ذهب
دون متعة
وعلى الأزواج الذين مضوا
دون زواج
ابكيا على أماني الضبعات التي كانت أمانينا
ولم تتحقق
على الشفاه الناعمة التي صلت في المحراب
ودعت علينا
وعلى الشفاه الخشنة التي رأفت بنا
ثم ندمت
ابكيا على ظلم غدا ظلمنا
بعد أن غدونا قبراتٍ
للزهور والأشواك
بعد أن غيرنا لون القمح
وجعلنا الطرق المعبدة شقراء
إلى جهنم
ابكيا فقد جفت البحار
والمراكب امتلأت بالملعونين المنتظرين
على الشاطئ
ابكيا فلم تعد تمطر السماء
وكل الفصول غدت للقحط فصلا
ابكيا فقد نفد الملح على حواف البحيرات
المنسية
ابكيا للموتى الذين لم يجدوا من يبكيهم
وللنجمات
القاتلة لنفسها
ابكيا إخوتنا العشاق الذين خذلونا
وتركونا وحدنا في المساءات
المعتمة
ابكيا للمجد الذي فقدناه
على أعتاب الحلمات
للذل الذي ارتضيناه
والذي كان لذيذا
ابكيا على الأفكار
التي لم تتحقق
والأخرى التي تحققت
ولكن بثمن باهظ
دفعناه
ابكيا على الأقدار
التي صنعتنا
كما لا نريد
والأخرى التي صنعناها
من أجل ما لا نريد
ابكيا من أجل ألا يجف الفُطْر على أجسادنا
وألا يندم القادمون
ابكيا طالما بقيت الأمم تضحك منا
وكيلا تبكي الطيور
فنحقد عليها
ابكيا على المخلص لأنه لم يكن خادعا
والشجاع لأنه لم يكن جبانا
والأبيّ لأنه لم يكن مهانا
ابكيا ليعجز البشر عن البكاء مثلنا
والطير
والشجر
ليموت البشر من الضحك علينا
ابكيا كيلا يبكي رضيع منا ومنهم أبدا
ابكيا للقَدَم
للسوط
للسلسلة
كيلا تشفق علينا
ابكيا كيلا تُخلص الهداهد لنا
ونعال الملوك
وكل مباول أسيادنا
ابكيا لأن السلوك يريد أن يكون قويما
والموقف يريد أن يكون صادقا
والبصر يريد أن يكون ثاقبا
ابكيا لأننا نتقن التمثيل
علينا
آه! ما أصعب التمثيل علينا
وما أروعه
ابكيا لأننا غدونا لزبائننا
الأمر والنهي
ولأنفسنا
البِراز
ابكيا لأننا نجحنا في بيع كل شيء
كل شيء
بثمن بخس
نعم ابكيا
ابكيا إلى الأبد
هكذا كان شرط الثلوج
(كانت بتول قد توقفت عن البكاء منذ مدة رغم ضربات السوط بينما استمرت
انتصار بالبكاء، أصول تتأوه من الوجع الذي سببه السوط لقبضتها)
بتول : (لانتصار مهدهدة)
لا تبكي أبدا
اتركي الآخرين يبكون
ولا تبكي أبدا
اجعلي الآخرين يشكون
ولا تشكي أبدا
علمي الآخرين كيف يندمون
ولا تندمي أبدا
كفكفي دموعك
وكفي عن العويل
احفظيها لك
إلى يوم آخر
الزهور لا تبكي
في الشتاء
والنحل لا يحلم
في الصيف
ضمدي جروحك
وخبئي الأنين
راعي حزنك
السَّقَمُ لا يحزن
الطيور لا تحلق
في ريشة الرسام
والنمل لا يخشى السقوط
من اللوحة
البكاء لا ينفع وقت الشدة
هكذا هي النفوس
تريد من يقول لها
ما لا تعلم
التوسل لا ينفع أمام القوة
هكذا هي الإرادة
تريد من يدفعها
إلى العمل
الحنين يقاوم الحنين
لما يغدو الحنين حنانا
والوجد يقاوم الوجد
لما يغدو الوجد اشتياقا
المرأة تعرف الضعف
لكن الضعف لا يعرف المرأة
المرأة تعرف الصبر
لكن الصبر لا يعرف المرأة
لا تبكي أبدا
اتركي الآخرين يبكون
ولا تبكي أبدا
اجعلي الآخرين يشكون
ولا تشكي أبدا
علمي الآخرين كيف يندمون
ولا تندمي أبدا
انتصار: (كانت قد توقفت عن البكاء منذ مدة)
لم يكن بكائي لندم
كان بكائي بكاء من يرى
بعد طول عناء
وكان دمعي دمع من يسافر
إلى أبعد مكان
ويفكر في الأحباب
الألم اعتادنا
ونحن لم نعتده
هكذا هي الظباء
الملوثةُ أظلافُها
بالدم
بتول :
لهذا
لن نرضخ للسوط
سيكون لكل منا سوط
ولن نرضخ للسوط
سنرمي بأنفسنا في أحضان الشيطان
ولن نرضخ للسوط
سنجعل من الجسد تاريخًا للنهوض
ولن نرضخ للسوط
سنقيم العدل على طريقتنا
ولن نرضخ للسوط
سنكون السيف
ولن نرضخ للسوط
السجون
المخابرات
المساجد
ولن نرضخ للسوط
سنكون ما لم تكن الأنثى أبدا
ولن نرضخ للسوط
سنذل حتى اللطيفين من الأشرار
ولن نرضخ للسوط
لن نرضخ لقوة ثالثة
حتى ولو كانت القمر
حتى ولو كانت الشمس
انتصار:
ليس لدينا سوى سوطٍ واحد
فمن أين الثاني
ونحن ثلاث؟
بتول : (تنتزع السوط من قبضة أصول)
ونحن اثنتان
وبدلا من قبضة للسوط
ستكون للسوط قبضتان
بانتظار أن نفهم لغة السوط
وفنونه
(تقبض الاثنتان على السوط، وتأخذان بجلد أصول جلدًا يثلجهما إثلاجًا غير
مصدق، وأصول تطلق الآهات، وتبكي، وتتوسل، حتى ترميانها أرضًا، فتبدآن
بالقهقهة)
آه! ما أسهل اللعبة
آه! ما أبسط القوة
انتصار:
آه! ما أسهل الجرم
آه! ما أبسط الظلم
(تقهقهان من جديد، وبعد أن تضرب كل منهما أصول بقدمها، تختفيان من وراء
حاجز، وبعد قليل تخرج بتول محجبة وانتصار في تنورة قصيرة ضيقة وتيشيرت
بشباح، وبيد كل منهما سوط، تضرب الواحدة والأخرى أصول بالسوط عدة
ضربات)
بتول : (ملوحة بالسوط)
حرية الخير حريتي
أخيرا
كيف لما كان الشر قصة من قصص الجسد؟
انتصار: (ملوحة بالسوط)
حرية الشر حريتي
ومن حرية الخير آخذ
شيئا
كيف لما أصبح الخير قصة من قصص الجسد؟
بتول :
على كل شيء سنتفق
على الخير لما يكون الخير
وعلى الشر لما يكون الخير
سيكون أمرنا شورى بيننا
على أمر غيرنا
ولن نرأف بالطير
طير غيرنا
فالله رؤوف رحيم بالطير لما يرتدي الطير ثوبنا
وإلا فالقطيعة ستكون
ستكون القطيعة
إلى أبد الآبدين
للطيرِ دينٌ ولنا
تين
انتصار:
وللطير العناق المستحيل
على شجرة
لا تعرف أحدًا غيري
تحبل كما أحبل
بالمعرفة
وتجعل كما أجعل
من الحيلة
قانونا
بتول : (تسوط أصول)
كل شيء يجمعنا
بالسوط
وقد غدا قوتين
الداخل كله لنا
والخارج
لغيرنا
إلى حين
طمع الثعالب ليس من شيمنا
ومع ذلك
الثعالب إخوتنا
هم والكلاب إخوتنا
وقروش البحر
انتصار: (تسوط أصول)
كيف كل شيء يجمعنا
وأنا النفي؟
في التوراة أنا النفي
وفي الإنجيل أنا النفي
وفي القرآن أنا النفي
أنا النار التي تلسع في كانونِ مجنون
والكلام الذي يجرح حتى الضوء في العيون
والأيام التي يخسرها الناس كل يوم
وأنا الرماد
وأنا الغوغاء
وأنا دقات الساعة في مكاتب الموساد
أنا النعيم يوم يكون النعيم
وأنا الجحيم يوم يكون العقيق
بتول :
أما أنا فالنعيم دون بحر
والنعيم دون جبل
أنا الامتداد في الرؤيا
إلى ما لا نهاية
الخط المستقيم
والظلال المتشابهة على الأرصفة
شهوة الجلاليب
المقموعة
وقوة الاستمناء الروحيّ في أماكن العبادة
الوعد الإلهيّ القديم
ونسيان الصلاة فقط وقت النكاح
انتصار:
هذا المكان سيكون معتقلا
يجد البريء فيه سعادته
بتول :
بل مسجدا
يجد التقيّ فيه هناءته
انتصار: (مهددة بتول بالسوط)
أنا لن أنادي على الأعداء
فالأعداء كثرُ
بتول : (مهددة انتصار بالسوط)
أنا لن أنادي على الأصدقاء
فالأصدقاء كثرُ
أصول : (مستنجدة)
النجدة!
أكاد أموت
الرحمة!
بعض الرأفة!
بتول : (تسوط أصول)
سأقاوم البحر والجبل
ومطر السماء
الجهنميّ
ولن أهاب الردى
فموعدي هناك
مع النبيّ
والملائكة
يخشى الزمانُ سهامَ النار
من يدٍ مؤمنة
في حضن الله أنا
وكل ما أفعله أنا
ليس لأنني أنا
وإنما
لأن الله ما يفعله
انتصار:
للسماء رغباتها
المدمرة
وأنا رغبة من رغباتها
لكني أعرف كيف ألزم حدود المعرفة
على الأرض
بتول :
لا حدود على الأرض
والأرض امتداد
يطغى على البحر
والجبل
انتصار:
لن نتفاهم إذن إلا بالسوط
الأحمق
لن تغني الحساسين في حيّنا
ولا البنات
لن نسمع عزف العشاق على القيثار
حتى ولا بكاء الناي
علينا
(ترفع انتصار سوطها إلى أعلى ما يكون، وكذلك تفعل بتول، وتسوط إحداهما
الأخرى حتى النزيف، وتنتهيان باقتسام المكان بينما أصول المشلولة في ظل
بنيامين الرهيب تقول لهما…)
أصول : (لبتول)
لا أريدك!
(ثم لانتصار)
لا أريدك!
(تسدل الستارة)
باريس الكتابة الأولى 2001
الكتابة الثانية الجمعة 2011.12.30
أعمال أفنان القاسم
المجموعات القصصية
- الأعشاش المهدومة 1969
- الذئاب والزيتون 1974
- الاغتراب 1976
- حلمحقيقي 1981
- كتب وأسفار 1988
- الخيول حزينة دومًا 1995
الأعمال الروائية
- الكناري 1967
- القمر الهاتك 1969
- اسكندر الجفناوي 1970
- العجوز 1971
- النقيض 1972
- الباشا 1973
- الشوارع 1974
- المسار 1975
- العصافير لا تموت من الجليد 1978
- مدام حرب 1979
- تراجيديات 1987
- موسى وجولييت 1990
- أربعون يوما بانتظار الرئيس 1991
- لؤلؤة الاسكندرية 1993
- شارع الغاردنز 1994
- باريس 1994
- مدام ميرابيل 1995
- الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون 1995
- أبو بكر الآشي 1996
- ماري تذهب إلى حي بيلفيل 1999
- بيروت تل أبيب 2000
- بستان الشلالات 2001
- فندق شارون 2003
- عساكر 2003
- وصول غودو 2010
- الشيخ والحاسوب 2011
الأعمال المسرحية النثرية
- مأساة الثريا 1976
- سقوط جوبتر 1977
- ابنة روما 1978
الأعمال الشعرية
- أنفاس (مجموعة قصائد أولى – ثلاثة أجزاء) 1966
- العاصيات (مسرحية شعرية) 1967
- المواطئ المحرمة (مسرحية شعرية) 1968
- فلسطين الشر (مسرحية شعرية) 2001
- الأخرق (مسرحية شعرية) 2002
- غرافيتي (مجموعة قصائد فرنسية) 2009
- غرب (ملحمة فرنسية) 2010
- البرابرة (مجموعة قصائد أخيرة) 2008 – 2010
الدراسات
- البنية الروائية لمصير الشعب الفلسطيني عند غسان كنفاني 1975
- البطل السلبي في القصة العربية المعاصرة عبد الرحمن مجيد الربيعي
نموذجًا (جزءان) 1983
- موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح 1984
- البنية الشعرية والبنية الملحمية عند محمود درويش 1984
- نصوص خاضعة للبنيوية 1985 – 1995
- دفاعًا عن الشعب الفلسطيني 2004
- خطتي للسلام 2004
على غرار “زهور الشر” لبودلير تحاول مسرحية “فلسطين الشر” أن ترقى إلى الأعمال الأكثر أهمية في الشعر الحديث، وأن تتميز بجمال جديد يجمع بين الجزيل والجميل بفضل الكلام الشعري والواقع “الداعر” –تجري وقائع هذه المسرحية الشعرية في بيت للدعارة- هذا الواقع الجديد في الإنتاجين الشعريين الفلسطيني والعربي، إلى جانب أن الدراميّ هنا يشحن الكلمات بكل البؤس الإنساني، ويترك للدلالات حرية التعدد والتأويل مع مسه للسياسي مسًا خفيفًا لكنه عميق في إشاراته، وسيجد القارئ في هذا النص المشوق كالمشاهد آخر مستجدات الوضع الكارثي للتراجيديا الفلسطينية فلسطينيًا.
لا توجد مسرحيات شعرية فلسطينية إطلاقًا ولا عربية إلا نادرًا، وأفنان القاسم هنا من أجل المسرحة يكسر القافية الشعرية ليتحاشى السجع ونهايات الأبيات التفخيمية التي استقاها محمود درويش من التراث وكرسها في الوعي العربي والأدب العربي لتُماشي الفكر السائد، ولسيطرة محمود درويش التامة على اللغة كان على أفنان القاسم أن يحطم كل شيء، ويبتكر لغة جديدة، وكذلك أن يحل الموسيقى الذهنية محل التفعيلة، مما أوجب النغمة الجديدة المموسقة للفظة الجديدة تحت استعمالات جديدة وبالتالي إبداع صورة جديدة واستعارة جديدة ودلالة جديدة.
* أفنان القاسم من مواليد يافا 1944 عائلته من برقة قضاء نابلس له خمسون عملاً بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ومجموعة شعرية ودراسة أدبية أو سياسية تم نشر معظمها في عواصم العالم العربي وتُرجم منها اثنان وثلاثون كتابًا إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والروسية والعبرية، دكتور دولة ودكتور حلقة ثالثة من جامعة السوربون ودكتور فخري من جامعة برلين، أستاذ متقاعد عمل سابقًا في جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية في باريس والمدرسة المركزية الفرنسية وجامعة مراكش وجامعة الزيتونة في عمان والجامعة الأردنية، تُدرّس بعض أعماله في إفريقيا السوداء وفي الكيبيك وفي إسبانيا وفي فرنسا…