(6)
السّندباد السّماويّ
أ.د. سناء شعلان
درس السّندباد كلّ العروض المقدّمة له منذ نفاد مال منحته الاستكشافيّة لدراسة البحور السّبعة ، ومناقشة أطروحته لنيل درجة المغامر الأوّل في اكتشاف البحار وأعالي الأنهار والأهوار من جامعة البصرة للموجودات الأسّطوريّة ، وقد نال درجة التميّز مع وسام الكذب السّردي ، ودرع اللؤلؤة المفقودة للخيال البحريّ. وأفرغ جزءًا كبيرًا من خبراته وأبحاثه العلميّة وسيرته البحثية في كتب مهم ، على رأسها ألف ليلة وليلة ، ثم عُيّنَ برتبة رئيس ديوان القصص والمغامرات ، وبعد تقلّده وسام المحاربين القدامى تطوّع للمشاركة في حروب التّحرير في جنوب أفريقيا وأواسط أمريكا الجنوبية ، ثم عُيّن سفيرًا للنوايا الحسنة ، ثم تطوّع في جيوش حفظ السّلام في كلّ مكان اشتعلتْ فيه الحرب في المعمورة ، وفرح للغاية بقبعته الزّرقاء ، وطرح جانبًا عمامته الخرافيّة ذات ريشة طائر الجّنّة ، ومرجانة ملك الجان.
ولكن مهمته الأخطر كانت رئاسة حملة بحريّة بتمويل سرّي من القصر السّلطانيّ بدعم من البنتاغون للبحث عن قارة أمريكا ، ليتّم استعمارها من جديد ، وكانت مغامرة بحرية مثيرة تغطيها الأقمار الصّناعيّة ووكالات الأنباء الدّوليّة عبر مراسليها متعدّدي اللّغات والمواهب ، وإن كان ذلك قد حرمه من متعة مقابلة الكائنات البحريّة الأسطوريّة ، أو مغازلة حوريّات البحر اللواتي يكرهن فضول الصّحفيين وعيون الكاميرات الملحاحة. ونجح أخيراً بمهمته ، واكتشف أمريكا من جديد ، وأعلن البنتاغون بفخرٍ عن نجاح مهمته في البحث عن أمريكـا التي ضاعت في البحر بعد حرب كونية رهيبة ، وأكد أنّ ذلك قد تمّ بخبرات أمريكيـة وعقول وطنية دون الاستعانـة بأيّ غرباء لا سيما من أصحـاب العمامات الصّحراويّة المتوحّشة !!! وما كان هذا التّصريح ليحزن السّندباد بقدر حزنه لعدم صرف كافة حقوقه المادية المترّتبة على هذا الاكتشاف ، وانضمّ إلى صفوف الباكين على أطلال الهنود الحمر الذين أُبيدوا من جديد على مذابح آلهاتهم ، إذا كان يحمل في صدره تاريخًا من الأطلال الدّارسة وملاحم الأرض اليباب ، ومعارك الأبطال مع مقامات السّراب.
وعكف السندباد نفسه على إكمال دراسته للأحياء في جامعة شينو للخدمـات المصرفيّة ، وأفاد كلّ الإفادة من مختبرها الذّري المتطوّر ، وأجرى كافة أبحاثه لينتج طائره الخرافيّ الذي طالما حلم به ، فصنعه من جينات دجاجة وخلايا حوت وبرمجيات مُدمِّرة بحريّة ، وخمرّه في مفاعل نووي عملاق إلى أن استوى بيضة ثم فقست منها دجاجة ضخمة ، بجناحين خرافيين ، فأسماها الرّخ ، تيمّنًا بالماضي الجّميل ، وشدّ على ظهره ، وحلّق في سماء الحريّة حيث لا حرّية ، وطار غير نادم وبقرار مسبق مبيّت لم يرد به تقرير أيّ مخابرات دوليّة إلى أرض الحكايا ، وهبط في الرحلة الثانية من رحلاته في كتاب ألف ليلة وليلة ، ونسي كابوس اكتشاف الأرض الجديدة ، وانبرى يبحث باهتمام عن اسم مثير لطائره الرّخ ، وبعد جهد وعناء وتفكير وتدبّر وإقبال وإدبار أسماه الرّخ طائر السّندباد السّماوي.