Unit 1, Cavell House, 233 Wood Lane, London W12 0HL

Tel: 020 7023 2650 E-mail: admin@iraqiassociation.co.uk  Website: www.iraqiassociation.co.uk

Company Ltd by Guarantee No. 4684099, Charity No. 1101109

رؤى فكرية ، أدب ، مقالة ، فنون

أضرار العزلة االجتماعية وأثرها على الصحة النفسية والجسدية

د. نجم السراجي

للخوض في موضوع العزلة الاجتماعية وآثارها وحيثياتها لابد من التقصي والتوغل والوقوف عند أبعاد هذه الظاهرة السلبية ومعرفة أسبابها وكيفية علاجها لما لها من آثار اجتماعية تخص العلاقات الأسرية ومحيطها وعلاقات الصداقة والمعارف والعمل إضافة الى الأثار الصحية بشقيها النفسي والجسدي والتأثيرات السلبية على الأداء والنشاط اليومي وإهمال المتطلبات اليومية الأساسية أو قلة الرعاية الذاتية.

في عام 2017أجرت جمعية علم النفس الأميركية بحثا ربطت فيه بين الوحدة والعزلة الاجتماعية وعدد من المخاطر الصحية والوفاة المبكرة، وبين تحليل بيانات أول 148دراسة لأكثر من 300ألف مشارك ارتباط التواصل الاجتماعي بقلة احتمالية الوفاة المبكرة بنسبة .%50وجاءت نتائج البحث الثاني الذي شمل 70دراسة تمثل أكثر من 3.4مليون شخص، أن عامل العزلة الاجتماعية أو الشعور بالوحدة أو العيش وحيدا يزيد من فرصة الوفاة المبكرة بنسبة لا تقل عن نسبة خطر السمنة المفرطة مع تزايد الشيخوخة، كما توقعت نتائج البحث أن يزداد تأثير العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة على الصحة العامة وصحة الدماغ بشكل خاص إذ تم ربطهما بضعف الوظيفة الإدراكية وزيادة خطر الإصابة بالخرف (بنسبة تبلغ .)%50

“العزلة الطوعية”

قد يتعرض الإنسان لظرف اجتماعي معين يجعله ينقلب على واقعه اضطرارا أو طوعا فتتغير تبعا لذلك جميع أو معظم مسارات حياته وقد تكون العزلة الطوعية واحدة من جملة هذه التغيرات فينفرد الشخص بنفسه ويلتجا الى ذاته لتقييمها فيلومها أو يوبخها أو يعلن رضاه عنها وهذه عزلة إيجابية مؤقتة يشخص الأنسان فيها من خلال مصارحة النفس ومصالحتها أخطاء مسيرته السابقة ويقيم في نفس الوقت صالح أعماله وإنجازاتها التي يفتخر بها.

العزلة الطوعية هذه لها فوائد علاجية واجتماعية عدة فمن خلالها يتخلص الشخص المنعزل من العلاقات الشخصية والاجتماعية السيئة والسلبية أو التخلص من بعض الأفكار السوداوية والعقد النفسية التي تقلقه أو التخلص من بعض المعتقدات وكم التفاعلات الاجتماعية السلبية التي لازمته طوال حياته فيعيد النظر فيها لتخفيف حدة توتره وقلقه ليتنفس النقاء والهدوء وراحة البال وتنفتح أمامه أفق التأمل وتنكشف لديه ماهية الأشياء ونوعية الأشخاص الذين كانوا يحيطون به بعد تقييم حساباته ليعود الى المجتمع ثانية دون قلق أو خوف من تكرار الفشل متسلحا بالفطنة والدراية والتجربة والفكر والتأمل ومستفيدا من هفواته وأخطائه السابقة التي ستمنحه فرصة سلوك درب جديد يتحدى به مشاكل المجتمع وسلبيات الاختلاط وبناء علاقات غير مدروسة.

وهنا يجب التذكير بان تقتصر مدة هذه العزلة الطوعية على الوقت المطلوب والمخصص لها وان لا تطول أكثر مما ينبغي فتتحول تدريجيا الى عزلة دائمة قسرية تؤثر مع مرور الوقت على المشاعر والاحتياجات فيفقد بها ذلك الشخص المنعزل مهارات التواصل مع الأخرين وقدرته على العودة والاندماج في الوقت المناسب

…………………….

علي الوردي… العشيرة أصدق أنباء!

رشيد الخيون

المغتصبات من البيوت لا تعد ولا تحصى ببغداد، ولو كان الوضع سليما، هل يحتاج إخراج مستأجر الى أرتال عسكرية؟

سمعنا صوت ابنة عالم الاجتماع عل ّي ال ّورد ّي ( ،)1995-1913تناشد َمن ينصرها لاسترجاع دار أبيها، لتكون ُمتحفاً لتركته ال ِفكريّة، فالعلامة ليس لديه سوى راتبه من التّدريس، وما درت عليه كتبه، وهي أكثر المنهوبات، فقد ظهر وكلاء متعددون، ك ٌّل أعلن أنه صاحب التّخويل بطبعها، واستنسخت بغزارة، بل استلت فصول منها، ونُشرت في كتب.

أقول: لو عاد ريع كتب ال َورد ّي على أسرته، لشيدوا مناز َل بها، ذكر ُت ذلك لأن كتبه سارت بها ال ُّركبان. صرف الوردي ُجل ما استلمه لتأسيس مكتبة يُنتظر أنها ستكون جزءاً ِمن متحفه الموعود: «لا أملك ِمن ِحطام الدُّنيا سوى مكتبتي، وداري التي أسكنها» (المطبع ّي، عل ّي الوردي يدافع عن نفسه). استباح أدعياء التخويل الكتب، أ ّما الدَّار فمرهونةٌ عند العشيرة، لأنها (أصدق أنبا ًء ِمن الكتب).

كان للورد ّي فضلُه في عضد المدنيّة العراقيّة، فكيف يلوذ بعشيرةٍ أو مذه ٍب، فلم يعترف إلا بالدَّولة، ولذا ظ ّل لقبه «ال ّورد ّي»، ِمن دكان لبيع «ماء الورد». احتفظ العراقيون بألقاب المهن، التي يشتركون بها، على مدى العصور، ومنها بيع الورد ومائه، فقديماً ُعرف قاضي القضاة عل ّي بن مح َّمد بالماورد ّي (ت: 450هج)، عهدي البويهيّة وال ُّسلجوقيَّة، صاحب «الأحكام ال ّسلطانيَّة»، لكن آل الوردي رفعوا الماء وأبقوا الورد.

جاء في المناشدة: «مثلما تعرفون أن عل ّي الورد ّي يدعو إلى المدنيَّة، إلى التّحضر، إلى الإيمان والعمل بالقوانين، فنحن طلعنا مثله، ما عندنا عشيرة» (فيديو المناشدة). جاءت المناشدة بعد تهديد عشيرة ال ّساكن في منزلهم، منذ أربعين سنةً، ويرفض تطبيق قانون الإخلاء، قالت العشيرة: (هذا البيت لا نُخليه، لو قاتل، لو مقتول).»

لا يريد آل الوردي تبديل العشيرة أو المذهب المدنيَّة التي سهر والدهم على دعمها، في مؤلفاته وحواراته. عندما تضعف الدّولة تستشرس الفرعيات، ويبدو أ َّن الذين نُهبت أرضهم بالجادريّة مؤخراً، تعاملوا مع واقع الحال، فلجأوا إلى المرجعيات، وبذا قدموها بديلاً عن الدَّولة. هذا ما لا يستوعبه ورثة الورد ّي، وكتب والدهم وأفكاره ما زالت مفتوحة أمامهم، ناطقةً. يُخيل لي أ َّن العشائريَّة، بعد تمكنها، أرادت الثّأر، فال َورد ّي لم يدخر انتقادها، «دراسة في طبيعة المجتمع ال ِعراق ّي» (« )1965تكوين ال َّشخصية في ال ِّريف»، انتقدها عندما كان «قانون العشائر» سارياً.

كان رئيس العشيرة يحكم عشيرته، والعراقي، في ظل القانون المذكور، استغنى عن الدّولة، لأنّها لا تتجاوز العشيرة، ومع ذلك كان للدولة حضورها آنذاك، فتمكنت حكومات إضعاف العشائريَّة، ثم عادت ودعمتها لحاجة، فظهر مصطلح «شيوخ التِّسعينيات»، غير الأُصلاء. فإذا كانت العشيرة تلاحظ الدّولة وتحذرها، فالآن صارت تقول: أنا الدَّولة، الدَّولة أنا، وكل حزب يريد العشيرة رافعةً له، فماذا عن عشائر «الإسناد» مثلاً؟

مازالت أسرة الورد ّي، مع جبروت العشائريَّة وأسلحتها الثَّقيلة، تحلم بعون دولة، التي تحولت إلى فرع والفرعيات إلى دولة، فعند َمن ناشدتهم لا قيمة لمنزل يُراد له أن يفتتح ُمتحفاً لتخليد عالم اجتماع، مقابل تهديد العشيرة «لو قاتل لو مقتول»، ونحن في زمن الح ّق ما قاله أبي تمام (ت: 231هج): «ال َّس ْي ُف أَ ْصدَ ُق أَ ْنبَا ًء ِم َن ا ْل ُكتُ ِب/ في ح ِدّ ِه الحدُّ بين الج ِد واللَّع ِب» (ال ُّصول ّي، أدب الكاتب). فماذا تعني كتب الوردي مقابل سيف العشيرة، وفي ظل احتجاب الدَّولة؟!

نعم، قامت الدّاخليّة (يوم 28أغسطس )2023بإخلاء البيت، ويُنتظر تسليمه لأسرة آل الورد ّي، لكن ال ُمغت َصبات ِمن البيوت لا تُعد ولا تُحصى ببغداد، ولو كان الوضع سليماً، هل يحتاج إخراج مستأجر إلى أرتال عسكريّة! هذا، وعندما يتكاثر المتنفذون تبرز لل ُظل ِم رؤو ٌس، ولأبي ال ّطيب (اغتيل: 354هج): « ُظل ٌم لذا اليوم َوص ٌف قبل رؤيته/ لا ي ْصدق ال َو ْصف حتّى يصد ُق النّظ ُر» (العُرف ال ّطيب في شرح ديوان أبي ال َّطيب). نعم، كان ظلماً مسموعاً ومرئياً، أ ّن العشيرة والميليشيا اليوم أَ ْصدَ ُق أَ ْنبَا ًء

……………………………..

تأملات

عبد جعفر

( )1مثل باقات الورد، يسير التلاميذ في لندن الى مدارسهم، فيوم المدرسة بالنسبة له يوم مفرح حقا، إذا توفر المدرسة، بالإضافة الى التعليم، الألعاب وصحبة الاصدقاء، والرياضة، وأحيانا الزيارات الى المتاحف والمسابح وغيرها، ويحرص التلميذ هنا على الحضور وعدم الغياب ألا لأسباب مرضي قاهر، على عكس ما كنا عليه تماما، عندما كنا صغارا نفرح بأي عطلة من المدرسة توفر لنا عناء مشقة الطريق والضرب من المعلم بسبب وبدون سبب.

والآن حين أتطلع بالصور وأرى المدارس أو ما يسمى (مدارس) في وطننا الحبيب، نترحم على ما كنا فيه من (حالة بؤس) فعلى الأقل كان هنالك سقف، والتلاميذ لا يفترشون الأرض، ولا نرى المعلم وسط بركة ماء لا يعرف أين يضع قدمه وهو يدرس تلاميذه. والحديث طويل ذو شجون. وعلينا فقط نذكر كما تناقلت الأخبار إن وزارة التربية تستعد لإطلاق حملة كبرى بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، لمحاربة تس ّرب التلاميذ من المقاعد الدراسية وزيادة نسب التحاقهم في المحافظات الجنوبية. إذ تشير الاحصائيات الى وجود 3.2مليون طفل عراقي خارج المدارس من أصل 11مليون طالب، فيما لا تزال الحاجة الى بناء 12ألف مدرسة، مع العلم ان مسحا شمل أكثر من 9 آلاف مدرسة بيّن أن 50في المائة منها لا تتوفر فيها مياه صالحة للشرب. ويعزو مراقبون إن هروب الطلبة من المدارس يعود الى أسباب عدة منها اقتصادية؛ فالكثير منهم اليوم يعيلون عوائل لا تجد ما تقتات عليه سوى فتات ما يحصل عليه هؤلاء الأطفال من أعمالهم اليومية.

( )2العزلة هي عنوان لعدد من المنافي، فهنالك من أختار عزلته من المهاجرين، وأدمن عليها، وهناك من فرضت عليه العزلة بسبب المكان الذي هو فيه، وقلة تواصل الأخرين معه، وكلما تمر السنين يصعب عليه التغيير. ويرضى بما كتب له. وأخطر مظاهر العزلة هو ما يعانيه كبار السن، فمنهم من ليس له جذور، لا يستطيع بسبب مرضه وقلة حركة بزيارة أحد ولا أحد يزوره، وهناك من (أنشغل) أولاده في حياتهم وأنغمسوا بها، ولا يتذكرون آبائهم ألا في المناسبات وخصوصا أعياد الميلاد، والبعض الأخر حتى في هذه الإيام لا يتذكر حتى في رفع سماعة الهاتف ليكلمهم. كما يقول المثل العراقي (گلبي على گلب ولدي وگلب ولدي من حجر)

ومن جارت عليه (الدنيا) وأرسل الى سكن كبار السن من أجل الاهتمام به، قد يكون أفضل حالا بعض الشيء، على الأقل يجد من يعتني به أو يتحدث مع بعض جيرانه، ويتخلص البعض من مشقة التسوق، والطبخ، وإزدحامات الطريق، أو متاعب دفع الفواتير التي لا تعد ولا تحصى. ولن يموت وحيدا الى أن تتعفن جثته فيستدل عليه، ولكنه في الوقت يجد نفسه في عزلة مركبة، دونه الصحة ودونه رفاق المقهى أو النادي.

وقد عملت بعض المنظمات ومنها المنتدى العراقي خيرا بزيارة كبار السن، وأن كانت أشبه بالكلمات (المتقاطعة) ولكنها أفضل من لاشيء. ولا يمكن في هذا الصدد في حالة كبار السن وخصوصا المعوقين منهم ان نتفق مع الكاتب الامريكي جون شتانبيك ان الأشياء الثمينة والعظيمة دائما تكون لوحدها.

ولكن الشيء الذي نتفق معه قول سارتر: إذا كنت وحيدا عندما تشعر بالعزلة، فأنت محاط بأشخاص سيئين. ولكيلا نكون سيئين ولا نترك كبار السن لإحزانهم، ونهدم جدران العزلة، أن نبدأ بالخطوة الأولى ان ننظم الزيارات لهم، فمن غير المعقول أن نعطي ظهورنا للناس كانوا معنا لمجرد اتعبت الحياة اجسادهم، وغلب الحزن عليهم